ثقافة شبابية جديدة

02:14 صباحا
قراءة دقيقتين
يحيى زكي

عادة ما يرتبط عام 1968 بأكبر احتجاجات طلابية في معظم أرجاء العالم، في الولايات المتحدة معارضة للحرب في فيتنام، وفي أوروبا أزمات تتعلق بأفكار يسارية أثبتت فشلها في التطبيق، في كل مكان كان هناك دافع قوي لتظاهر وجوه شابة أبصرت الحياة من وجهة نظر مختلفة، تلقت تعليماً جيداً، وتفتح وعيها على وعود بعالم أكثر أمناً وسلاماً، في أعقاب حربين مدمرتين، ولكن ما عاينته على الأرض تناقض تماماً مع كل هذه الوعود.
ما يحدث في العالم العربي، وبخاصة في العراق ولبنان، وفي العديد من الأقطار الأخرى في سنوات سابقة، يشبه إلى حد كبير تلك الاحتجاجات الطلابية، ويبدو من التحليلات العديدة التي تتابع الواقع العربي تركيزها على البعد الاقتصادي، فأغلبية سكان المنطقة من الشباب الذين يحلمون بفرصة عمل ووضع اجتماعي يناسب تطلعاتهم، ولكن ما يغفل عنه الكثيرون أن رؤية الشباب للعالم تغيرت إلى حد كبير عن إدراك الأجيال الأكبر للأمور.
علينا أن نفهم طرائق التربية المختلفة التي انتشرت في بلداننا خلال العقود الأخيرة، لم يعد هناك في معظم مدارسنا أي نوع من العقاب البدني، فضلاً عن تشكل علاقات أفقية وشبه ندية في الحوارات داخل معظم المنازل، واختفت اللهجة الآمرة غير القابلة للنقاش التي ميزت الصورة الكلاسيكية للأب العربي، وأصبح الأب في كثير من الأحوال صديقاً لأولاده، وسادت روح التفاهم في النقاشات بين مختلف تجمعات الشباب، ولم يعد أحد يدعي الوصاية على أحد، وساعدت مواقع التواصل الاجتماعي على ذلك، وتجاوبت السينما ومختلف الفنون ووسائل الكتابة التشاركية مع هذه الحالة، وأسهمت عوامل أخرى في بلورة ثقافة شبابية جديدة حتى على مستوى اللغة والمفردات، ولكن الأجيال السابقة لم تستوعب تلك الثقافة حتى الآن.
لقد حدثت تغيرات مفاهيمية قوية في وعي الشباب وعلاقاتهم ببعضهم، ولكن تلك العلاقات في الإطار الأوسع، ونعني المجتمع والممارسات السياسية والخلفيات الاقتصادية، ظلت على حالها كما هي لم تتغير، من هنا أزمة الشباب ومعاناتهم، ورغبتهم في التعبير عن أنفسهم من خلال الاحتجاجات المتوالية، والخطورة في تلك الجماعات المتعصبة التي ركبت الموجة وتحاول أن تقدم نفسها بوصفها أكثر التيارات فهماً لأوضاع الشباب الجديدة.
تحتاج التغيرات الديموغرافية في العالم العربي إلى تفعيل ذلك العلم الغائب عن الساحة، ونعني به علم الاجتماع، فعندما يقول السياسي إن معظم العرب الآن شباب في حاجة إلى تحسين شروط الحياة، فإنه لا يردد أكثر من كلام انتخابي دعائي استدعته أرقام إحصائية صماء، ولكن واقع الشباب وثقافتهم ورؤيتهم للعالم أكثر تعقيداً من ذلك بكثير.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"