عادي
عددهم نادر وكلفتهم مرتفعة

معلمو الظل.. هم يؤرق مضاجع أسر أصحاب الهمم

00:01 صباحا
قراءة 7 دقائق

تحقيق: جيهان شعيب
«لكل طفل الحق في التعليم» شعار ترفعه الدولة، وتقره تشريعاتها، وتطبقه مؤسساتها التعليمية الحكومية والخاصة، ففلذات الأكباد وبشكل عام من الأحقية بمكان في الحصول على تعليم جيد، وطعام صحي، ومعيشة ميسرة، وحاجيات ملباة، وعناية، واحتواء، فيما إذا كان الصغير من هؤلاء من أصحاب الهمم فحقه في كل ما سبق، يصبح مضاعفاً، وحصوله على الرعاية والاحتضان يعدان على رأس أولويات الاهتمام به، مع التركيز على تأهيله، وتهيئته للاندماج تعليمياً، وحياتياً.

بذلت الدولة جهوداً متميزة في دمج الطلبة من أصحاب الهمم في النظام التعليمي، ووضعت استراتيجيات واضحة في تجهيز المدارس الحكومية، لتوفير التعليم لهؤلاء بأفضل الحلول والممارسات؛ بل وأنشأت منذ عام 2008 إدارة معنية بأصحاب الهمم كانت سابقاً إدارة التربية الخاصة، وانتقلت لمؤسسة الإمارات للتعليم عام 2020، لتعزيز وتأمين حقوقهم، وحصولهم على الفرص التعليمية ذاتها المتوفرة لغيرهم، إضافة إلى توفير معلمين متخصصين في المهارات السلوكية، لتدريسهم والعناية بهم، مع تقديم الخدمات، والتقنيات المساعدة لهم، دونما مقابل في المدارس الحكومية.

لكن - وهنا بيت القصيد - من الطلبة أصحاب الهمم من يعانون طيف التوحد، وصعوبات التعلم، بما يستلزم وجود معلم ظل متخصص في التربية الخاصة، وعلمي النفس والاجتماع، أو أحد التخصصات التأهيلية مثل التخاطب، وعلى دراية واسعة، وصبر، ليرافق الطالب من هؤلاء داخل الفصل الدراسي، ويكون مساعداً تربوياً له، في التغلب على أي من الصعوبات التي يواجهها، ويعمل على دعمه، وتشجيعه، وينمي لديه مهارات التواصل، والاندماج، وزيادة القدرة على التحصيل، ويسهم في تعديل سلوكه.

وتستمر - ولكن - حيث معظم هؤلاء المعلمين المؤهلين، والقادرين على التعامل مع هذه الفئة من الطلاب، غير متوفرين، وإن وجد عدد منهم، فكلفتهم مرتفعة، بصورة تفوق القدرة المادية لمعظم أولياء أمور الطلبة من ذوي الهمم، بما يعجزهم عن الاستعانة بهم؛ إذ كيف للدخل المادي لولي الأمر من هؤلاء، أن يفي بالرسوم الدراسية لابنه، وملحقاتها، وبالراتب المغالى فيه لمعلم الظل؟

همزة الوصل

1

بداية يشرح المستشار الدكتور عبدالله بن حمودة نائب رئيس المجلس البلدي بالشارقة، مستشار أكاديمي بجامعتي الشارقة وعجمان والجامعة القاسمية، الدور الكبير لمعلم الظل قائلاً: معلم الظل دوره كبير ومحوري في تعليم ومساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة، من خلال العمل على دمجهم وتعايشهم مع الأطفال العاديين في الصفوف الدراسية، بهدف تعليمهم، وتحسين مهاراتهم، وقدراتهم الاجتماعية، واللغوية، والحركية، والسلوكية، إلى جانب العمل بصورة غير مباشرة في توجيه الأسر التي تحوي بين أفرادها أحداً من ذوي الاحتياجات الخاصة، عن كيفية أن يكونوا أكثر تفاعلاً مع هذا الابن أو الابنة، وأكثر إيجابية في الاعتناء به وتعليمه، مما يسهم في رفع كفاءته الحياتية، وتحسين وضع حياته المجتمعية.

وعلى ذلك يعد معلم الظل همزة الوصل، بين معلم المدرسة، والطالب وأسرته، لذا لا بد أن يكون مؤهلاً تربوياً، ومتمكناً مهنياً، وقادراً إنسانياً، ليستطيع فعلاً أن يؤدي دوره بنجاح، ويكون خير معين ورفيق للطالب في مسيرته التعليمية والحياتية، وخير معين ومساعد للأسرة، والمدرسة، في تعليمه وتدريبه.

منهجيات وأساليب

ويضيف: ويعمل معلم الظل على دمج ذوي الاحتياجات الخاصة مع غيرهم من الطلبة، وفق منهجيات وأساليب معينة تكفل تحقيق ذلك، فيما تفيد الدراسات الحديثة بأن الدمج الذي يعمل عليه معلم الظل، يحسن المهارات الاجتماعية، واللغوية والحياتية، ومفهوم الذات عند ذوي الاحتياجات الخاصة؛ حيث تشير أحدث الدراسات إلى أن 61% من المعلمين يشجعون عملية الدمج ويدعون إليها.

وأيضاً من أبرز فوائد معلم الظل أنه يتيح الفرصة للطفل من ذوي الاحتياجات الخاصة متابعة التعليمات الصفية بانتظام، والتفاعل مع أقرانه أثناء الاستفادة من الإثراء التعليمي، وبالتالي يتعلم البناء على نقاط قوته، بدلاً من التركيز على نقاط ضعفه، أيضاً يعمل على أن يظل الطفل إيجابياً تجاه المهام المعروضة، وإدراك القدرات، والإمكانات، والمكاسب، فيما يعتبر التواصل، والتعاون، بين معلم الظل، وولي الأمور، ومعلم الفصل، وغيرهم من المتخصصين الداعمين كالمعالج المهني، ومعالج النطق واللغة، أمراً أساسياً للنجاح في تلبية احتياجات الطفل.

غلاء وندرة

ويواصل بن حمودة: ومع ما ذكرناه، ويصب في صالح الطفل وأسرته، يعتبر غلاء وندرة معلم الظل، هم يؤرق مضاجع أهالي وأسر ذوي الاحتياجات الخاصة، ويحتاج إلى إعادة نظر خاصة كونه إجبارياً على أولياء الأمور، في حال كان أحد أبنائهم من ذوي الاحتياجات الخاصة؛ حيث على الرغم مما يقدمه معلم الظل من دعم، ومساعدة لهؤلاء الطلبة في الصفوف الدراسية، فإن عدداً كبيراً من أولياء الأمور يعانون دفع الرواتب المرتفعة لهؤلاء المعلمين، والتي تضاف إلى الأعباء المالية الإضافية الأخرى المفروضة عليهم، من الرسوم الدراسية لأبنائهم، وغيرها.

لذا أرى أن يكون من واجبات المدارس المعنية توفير معلمي الظل، من خلال تأهيل الكوادر التعليمية الموجودة، أو تخصيص معلمين قادرين على التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة، بما يدعم العملية التعليمية، ولا يشكل عبئاً إضافياً على تلك المدارس، وأتمنى أن تتم مراعاة الأحوال الاجتماعية، والمالية للأسر، جراء البحث عن الأفضل لأبنائهم من ذوي الاحتياجات الخاصة، لتوفير حياة أفضل لهم.

تشريعات داعمة

في وقفة مع التشريعات الداعمة لحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، نجد أن الدولة تطبق شعار «لكل طفل الحق في التعليم»، وقضت قوانينها الاتحادية بإلزامية التعليم لتشمل المراحل التعليمية كافة وصولاً لسن الثامنة عشرة، كما تدعم الخدمات التعليمية، وتوفر الأدوات، والسبل التربوية الخاصة لأصحاب الهمم، لتفعيل دورهم التنموي في المجتمع بشكل كامل.

ويعتبر القانون الاتحادي رقم 29 لسنة 2006 بشأن حقوق المعاقين والمعدل بقانون اتحادي رقم 14 لعام 2009 أول قانون يصدر في الدولة لحماية أصحاب الهمم، وينص القانون على الحقوق والرعاية، والفرص المتساوية لهم في مجالات التعليم، والرعاية الصحية، والتدريب والتأهيل، ويهدف ضمان حقوقهم وتوفير جميع الخدمات في حدود قدراتهم، وإمكاناتهم.

وتنص المادة 12 من ذات القانون على التالي: «تكفل الدولة لصاحب الاحتياجات الخاصة فرصاً متكافئة في التعليم في المؤسسات التربوية، والتعليمية كافة، والتدريب المهني، وتعليم الكبار والتعليم المستمر، سواء ضمن الصفوف النظامية، أو الصفوف الخاصة مع توفير المنهج الدراسي بلغة الإشارة، أو طريقة برايل، أو بأي وسائل أخرى حسب الاقتضاء».

شروط واجبة

1

ونعود إلى الآراء، وهنا يلقي الأستاذ الدكتور أحمد العموش مدير مركز الموارد لذوي الإعاقة في جامعة الشارقة، الضوء على ماهية مصطلح معلم الظل أو ما يعرف ب «shadow teacher»، موضحاً أنه مصطلح ظهر بالتزامن مع سياسة الدمج المطبقة عالمياً ومحلياً، والتي تقر بأحقية الأفراد من ذوي الإعاقة في الحصول على فرص تعليمية، واجتماعية، متكافئة ضمن بيئة تراعي، وتحترم الفروق الفردية، وهو الأمر الذي يتطلب تهيئة بيئية، ونفسية، وتعليمية متخصصة، ومن بينها ضرورة توفير معلم ظل مرافق لبعض الحالات الخاصة.

ويقول: يتم تقرير الحاجة إلى وجود معلم الظل من طرف الاختصاصي المسؤول عن عملية التقييم النفس التربوي، من خلال دراسة حالة الطفل، أو الطالب الصحية، والسلوكية، لأن معلم الظل سيقوم بعملية الدعم التعليمي والأكاديمي، وتعديل السلوك والدمج الاجتماعي، كما أنه سيقوم بمتابعة الخطة التعليمية، والعلاجية الخاصة بالحالة، بالتعاون مع معلمة الصف، والاختصاصي الاجتماعي، أو النفسي بالمدرسة، أو الجامعة، والأسرة.

ويتابع العموش: وعلى ما سبق، فهناك مجموعة من الشروط يجب توفرها في معلم الظل كي يكون له دور فعال في العملية التأهيلية للفرد من ذوي الإعاقة، أهمها المعرفة العلمية بطبيعة الإعاقات، وخصائصها السلوكية، وآليات التعامل معها، حسب المرحلة العمرية، فيفضل أن يكون متخصصاً في أحد علوم التربية أو النفس، أو على الأقل حصل على تكوين متخصص في مجالات التربية الخاصة، كما عليه أن يكون ملماً بالقوانين، والتشريعات الخاصة بذوي الإعاقة في الدولة، وأن يكون ذو خبرة في الإسعافات الأولية الخاصة بطبيعة الحالة التي يشرف عليها.

ونزيد على ذلك بوجوب توافر بعض السمات السلوكية التي تساعده على أداء عمله أهمها الأمانة، وأدبيات التعامل مع ذوي الإعاقة، ومهارات التواصل الفعال مع الأسرة، والمدرسة، لما سيكون له من دور في تنفيذ، وأداء، الخطة التعليمية والتأهيلية، ولابد من وجود جهات حكومية تحدد مهام معلم الظل، وكذلك الترخيص له، والوقوف على مؤهلاته العلمية، إضافة إلى تحديد المستحقات المالية، والالتزامات القانونية، والأخلاقية لهذه المهنة، وتمثل الإطار المرجعي من كافة النواحي.

حل بديل

1

ومن جانب الفعاليات المجتمعية، فأكدت وجوب تأهيل معلمي ظل، وتحديد رسوم مادية محددة لهم، تكون غير مبالغ فيها، فيما اقترح حيدر طالب أربيع أمين عام الاتحاد العالمي للمعاقين حلاً بديلاً عن معلمي الظل، تمثل في أنه يجب على المدارس الحكومية التي فيها فصول دمج للطلبة الذين يعانون صعوبة التعلم، أو طيف التوحد، أن تفتح فصولاً لهم في الفترة المسائية لإعادة تدريسهم الحصص الدراسية الصباحية ذاتها، وبشكل فردي، لتكريس المعلومات الدراسية مرة أخرى لديهم، تغلباً على صعوبة التحصيل التي قد تكون واجهتهم في الفترة الصباحية، مع زيادة عدد الطلاب في الفصل الدراسي، وهذا قد يساعد الأسر على عدم الاستعانة بمعلم ظل، وفي الوقت ذاته تجنبهم تحمل الكلفة المرتفعة له.

اختلاف المهام

1

يوضح لؤي علاي، أن هناك اختلافاً بين مهام المرافق للشخص المعاق، وبين معلمي الظل، وذلك حسب نوع الإعاقة، وشدتها؛ حيث يقول: في مجال التعليم، والدمج، يحتاج الطفل أو الطالب من أصحاب الهمم إلى مرافق تعليم، وهو معلم ظل متخصص للتعامل مع شريحة معينة من المعاقين، وفق مستوى الإدراك الذهني لأي منهم، لإيصال المعلومة لهم، وهذا النوع من المرافقين الاختصاصين، هم الذين يكملون برنامج الدمج في المدارس، وبالطبع فهؤلاء المعلمين الخبراء قلة، وبسبب تخصصهم، وجهدهم، تعد أجورهم أكثر من غيرهم، أما النوع الثاني من المرافقين، فهم من يرافقون المعاقين صحياً، ويعملون على مساعدتهم في الحركة، والتنقل، فضلاً عن مراعاتهم طوال فترة تواجدهم في المدرسة، وهذا النوع من المرافقين يضطر الآباء لجلبهم لأبنائهم بشكل فردي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2dm8ezwn

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"