عادي

جسر للجمال بين الأصالة والمعاصرة

00:50 صباحا
قراءة 6 دقائق
الطغراء

الشارقة: علاء الدين محمود

دورة عاشرة جديدة لملتقى الشارقة للخط، الذي تنظمه دائرة الثقافة في الشارقة، ذلك الحدث الفريد من نوعه على مستوى العالم والذي تحتضنه عاصمة الثقافة والإبداع العربي والإسلامي، الذي يحتفي بالخط والفنون العالمية المعاصرة التي تعتمد الحرف مفردةً بصرية، ومنذ أولى انطلاقاته ظل ذلك الملتقى بمثابة منصة تعكس حيوية الخط العربي وآفاقه الفنية والجمالية، وتناقش، بحضور فنانين وخبراء قضايا اللوحة والتكوينات الإبداعية والممارسات الجمالية الأخرى التي يحضر فيها الحرف عنصراً مهماً من عناصر جماليات التراث التقليدي العربي بما فيه من عمق، وما يعكسه من طروحات فكرية وروحية ناهيك عن دوره في التقاء الحضارات والثقافات العالمية في مكان واحد.

تثاقف

أصبح الملتقى بالفعل علامة ثقافية فارقة في فنون العالم، بما يعكسه من قيم فنية وجمالية، فهو يحتضن الأشكال الفنية كافة، وعلى رأسها الخط العربي الذي يتفرد به ذلك التراث العظيم، ومع كل دورة جديدة، يضمن الملتقى استمرار رسالته الجمالية فناً يخاطب العين والعقل، ولعل أكثر ما يؤكد تفرد هذا الخط، أنه قد أصبح في بؤرة اهتمام خطاطي العالم، ممن يحرصون على حضور دوراته المتعاقبة، وبالتالي صارت هنالك عدة تيارات ومفاهيم وأفكار ورؤى مرتبطة بالخط، ممارسة وأفكارا ورؤى، ما يسهم في ترسيخ هذا الفن، وصولاً إلى دورته الجديدة «العاشرة» التي تعقد تحت شعار (ارتقاء) التي تشهد بدورها حضور فنانين من كافة دول العالم.

ارتقاء

في كل دورة جديدة يطرح الملتقى شعاراً جديداً، وفي الدورة الحالية طرح شعار «ارتقاء»، وهو يحمل دلالات ومفاهيم جمالية ووجدانية، ويحمل دلالة السمو والفكري والروحي، ويشير في معانيه إلى الصعود نحو حيز مفتوح، فهو بناء ونحت ينمو إلى أعلى، والارتقاء هو علو في الواقع والمخيّلة، وليس أقدر من اكتشاف المخبوء في الجمال مخيلةً تجمح للارتقاء نحو عوالم بصرية ساحرة.

ومن هذا المنطلق، فإن الارتقاء يصبّ في كافة المجالات العلمية والثقافية والفنية، فالإنسان يرتقي وفق اجتهاده إلى مرحلة أرقى مما هو عليه، وكذلك الفنان بممارسته واطلاعه، فإنه يرتقي إلى فضاءات أوسع وأعلى، وعبر تلك المفاهيم والأفكار، فإن الملتقى يؤكد قيم الارتقاء في المعنى والمبنى، حيث يرتقي الفنان بعمله بحسن اختياره للنصوص وإتقانه لكتابتها وإظهارها بأبهى حُلة، عن طريق دمج المجملات والمُحسّنات الزخرفية والفنية في العمل.

أصالة ومعاصرة

يحتل مفهومي الأصالة والمعاصرة مكانة جوهرية في الملتقى، فيبرز الاتجاه الأصيل من خلال الصيغ الفنية المتعارف عليها في إنتاج اللوحة ويشترط فيه الالتزام بالتقاليد الفنية والجمالية من حيث النص، وتسلسل القراءة والأدوات المستخدمة من ورق وحبر وتذهيب وزخرفة، ضمن تنوع الصيغ الفنية المعروفة، كالتركيبات الدائرية والبيضوية أو المربعات والمستطيلات وغيرها من تراكيب الديواني الجلي والعادي بأنواعها، فيما يشمل الاتجاه المعاصر كافة الفنون الخطية الحديثة والمعاصرة، من أعمال حروفية ونحت وفنون تركيب ومفاهيمية وغيرها.

حوارية

هذه الثنائية تحمل في طياتها حوارية بديعة، تعبر عنها لوحات وتجهيزات وأعمال إبداعية تؤسس لقيمة الفنون العربية والإسلامية العريقة، وتكشف عن التطور الكبير الذي يشهده الخط العربي، ما يشير إلى أن الفنون التراثية في العالمين العربي والإسلامي ليست صيغاً جامدة؛ بل قابلة للتطور والانسجام مع روح العصر، وذلك من سمات الخط العربي الذي يجد بالفعل اهتماماً راسخاً وكبيراً من قبل المؤسسات الخاصة والرسمية، فهو خط يحمل هوية جمالية وفنية عربية واسلامية، لذا يصبح الخط محل احتفاء واهتمام، وفي هذا الاتجاه، فقد لعبت الشارقة دوراً كبيراً في فن الخط العربي عبر مهرجانات ومتلقيات ومناسبات ومؤسسات، تحتفي به لكونه فناً عربياً إسلامياً خالصاً، ولأنه يحفظ الهوية والتراث والذاكرة.

حفظ التراث

لا شك أن الحفاظ على التراث العربي وفنونه وهو تعبير أصيل بصورة وأساليبه، هو الاتجاه الغالب في الملتقى، الذي يحرص على ممارسة الخط وفق قواعده الراسخة التي تلتزم بأصول الخطوط وأشكالها وموازينها ونسبها، والتي تكشف القيم الجمالية لتلك الخطوط، والابتكارات المضافة على التقاليد الخطية، فالأصيل ليس اتجاهاً منغلقاً لا يقبل التجديد، بل هو منفتح على الصياغات والأفكار الجديدة التي تشحذ خيال الفنان، وفي هذا السياق، فإن اتجاه الأصالة لا يعبر عن انغلاق؛ بل هنالك العديد من الأعمال الفنية الخطية داخل هذا التيار تقدم رؤى جمالية تنفتح على كل أوجه الحياة والوجود، والقضايا الروحية والفلسفية، وهناك أعمال تناقش أفكاراً وقضايا تهم المجتمع في مشاهده اليومية وممارساته الدينية.

اختلافولئن كانت الأصالة، تعتمد الممارسة التقليدية الراسخة، فإن التجارب الإبداعية المعاصرة تمارس فعل التحرر من القوانين الصارمة، لكنها تؤسس لقوانينها الخاصة وتحرز رؤى مختلفة، فتعمل على توظيف الحرف عنصراً بصرياً، مع جنوح نحو التشكيل، وهو الأمر الذي يعبر عن اتجاه حديث في الفنون البصرية المعاصرة، للانفتاح على عوالم جديدة تحمل رؤى وأفكاراً جمالية تنشد الاختلاف وتذهب إلى ما بعد الخط، ووراء ما هو ظاهر في العمل الفني، ويستخدم الفنانون في هذا الاتجاه خلاصة التطور في الوسائط التقنية الحديثة، ويوظفونها في الأعمال بما ينتج عنصراً حرفياً يتجاوز البعدين، ليخلق بعداً ثالثاً وأكثر على صعيد المادة والفراغ.جدلية

يسعى كل من التيارين «الأصالة والمعاصرة»، عبر جدلية إبداعية لتقديم حوارية بصرية وفكرية بديعة، ولئن عبر كل من التيارين عن موقف مختلف من حيث الفكر والمفهوم من الخط، فإن الذي يجمع بينهما هو الحرف العربي الذي هو ثابت وينتج اتجاهات مختلفة من التعبير، كما أن الاتجاهين يلتقيان في حضرة الإبداع والجمال، ولئن كانت الأصالة تنشد الحفاظ على قواعد الخط العربي، فإن المعاصرة تنشد اتفاقاً يتواءم مع روح العصر والحداثة، ليكون المستفيد من تلك الحوارية البديعة هو فن الخط العربي الذي يتطور في كل حين ويقدم للعالم أجمع صوراً جمالية وإبداعية فريدة، ولئن كانت هنالك أهمية موضوعية لعمليتي الإبداع والتجديد فمن الضروري أن يأتي مرتكزاً على أصالة القديم، مشيراً إلى أنه يقف ضد المفاهيم التي من شأنها أن تدمر أصالة الخط العربي.

رؤى فلسفية

وخلال النسخة الحالية من الملتقى، يجتمع أكثر من 146 فناناً من العالم، نحو ممارسات فنية تحمل رؤاهم الفكرية والفلسفية والإبداعية لمقاربة ثيمة الملتقى «ارتقاء»، عبر الاتجاهين الأساسين «الأصالة والمعاصرة»، بأعمال ترتقي بالنفس البشرية، وتغوص في عمق الأشياء وجوهرها، وهي المضامين والمفاهيم التي من شأنها أن تضيف المزيد من الأبعاد الجمالية، بحيث لم يعد معها الخط فناً يعتمد على البصر فقط، وإنما يحتاج إلى كل الحواس من أجل قراءة المضمون الجمالي والفكري في اللوحة، وتلك علاقة جدلية فريدة، فمثلما أن الفنان يعمل جاهداً من أجل إحداث اختراق على مستوى ما وراء الحرف من خلال رؤية عميقة في اللوحة والعمل المعين، فإن ذلك يتطلب أيضاً من المشاهد أن يبذل جهداً في تفكيك اللوحة والعمل، من خلال البصر والإصغاء للعمل الفني، واكتشاف روحانيته وما يحمله من فكرة، وهذا من شأنه أن يشكل تطوراً كبيراً على مستوى فن الخط العربي والفنون الإسلامية الأخرى بشقيها الأصيل والمعاصر، وكل تلك المفاهيم تحمل دلالات شغف الفنانين نحو التأمل في الحياة والوجود، وهو الأمر الذي يكسب فن الخط في كل مرة أفكاراً جديدة ومختلفة.

حاضن بصري

وذلك الأمر نجده في كل الفنون الإسلامية الأخرى التي دائماً ما تبحث عن أفق جديد، فعلى الدوام ظلت فكرة مقاربة الفنون الإسلامية، وتأصيلها من أجل أن تكون ماثلة وحاضرة ضمن الإبداع العالمي في صورته العصرية، هاجساً لكل الفنانين العرب المهتمين بالتراث والتشكيل والحروفيات والزخارف والهندسة، ويبدو هذا الهاجس مبرراً؛ إذ إن الفنون البصرية الإسلامية ضاربة في القدم وفي عمق التراث، وبالتالي تبرز الحاجة إلى الاهتمام بهذا النوع من الفن حاضناً بصرياً للتراث والهوية العربية والإسلامية، وذلك ما يفعله تماماً ملتقى الخط منصةً إبداعية فنية بصرية تعمل على أن يظل فن الخط حاضراً على الدوام ويعانق أفكاراً جديدة ليظل راسخاً ضمن الفنون البصرية العالمية الأخرى.

ذائقة

يسهم الملتقى في رفع الوعي بالثقافة البصرية، ويمنح فرصاً لقراءة اللوحة الخطية على أسس فنية وما تحتويه من معانٍ ومفاهيم لها صلة بالألوان والأشكال والخطوط، كما يمنح فرصة التعرف إلى الاتجاهات الجمالية للخطاط وأسلوبه وطرق تفكيره الإبداعي، لذا، فالملتقى هو منصة مهمة للتعريف بالخط العربي وجمالياته

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc78m9h9

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"