عادي
مشهد مؤثر من مسرحية «العاصفة»

«ميرندا».. لوحة من قلب الدراما الشكسبيرية

00:21 صباحا
قراءة 4 دقائق
20
اللوحة

الشارقة: علاء الدين محمود

لعل أكثر ما يميز تجربة الرسام البريطاني جون وليام ووترهاوس «1849 – 1917»، هو استلهام لوحاته وأعماله الفنية لفضاءات الأساطير والأدب، وهي عوالم ثرية ومحتشدة بالغرائبية وكل ما يعشقه الإنسان، لذلك كانت رسوماته تجد قبولاً كبيراً وسط الناس العاديين إضافة إلى النقاد ومؤرخي الفنون، كما كان يركز بصورة خاصة على المرأة، وذلك ما جعل له بصمة خاصة عرف واشتهر بها، ولعل تلك الإجادة والبراعة التي عرف بها الفنان تعود إلى كونه قد نشأ في بيت فني فوالداه هما ويليام وإيزابيلا ووترهاوس، وكانا من أشهر رسامي ذلك الوقت، وقد عمل والده على تعليمه الرسم، ثم ألحقه بالأكاديمية الملكية للفنون سنة 1870، فكان أن أنتج أول لوحة له لتعرض في الأكاديمية في عام 1874، ودأب على تقديم اللوحات للأكاديمية سنوياً إلى لحظة وفاته، وهو من الفنانين الذين وجدوا تقديراً عالياً من قبل النقاد.

لوحة «ميراندا والعاصفة»، من أشهر وأجمل وأفضل الأعمال الفنية لووترهاوس، رسمها عام 1916؛ أي قبل وفاته بعام، وتعتبر ضمن آخر أعماله، واللوحة تنتمي إلى أسلوبية الفنان الذي يغوص في عوالم الأسطورة والأدب الذي يتمثل الغرائبية والميثولوجيا، وفي هذه اللوحة يستلهم الرسام فضاءات الأديب والمسرحي البريطاني وليم شكسبير في مسرحيته «العاصفة»، وهي ليست المرة الأولى التي يدخل فيها الفنان إلى أدب شكسبير فقد اشتغل على العديد من اللوحات المستوحاة من مسرحيات شهيرة للأديب الكبير، فهناك لوحة «أوفيليا»، التي استدعى فيها عوالم مسرحية «هاملت»، وكذلك قام برسم «جولييت»، بطلة العمل العظيم «روميو وجولييت»، وكذلك قام برسم «كليوباترا»، و«سيّدة جزيرة شالوت»، إضافة إلى الكثير من اللوحات التي تأخذ المشاهد إلى عالم محبب هو «الأسطورة»، لذلك فإن لوحة «ميراندا والعاصفة»، امتداد لذلك الألق، لكن الفنان بذل فيها المجهود التقني الأكبر، لذلك كانت من أجمل لوحاته.

ألهمت أحداث مسرحية «العاصفة» عدداً من الفنّانين الفيكتوريين فصوّروا منها العديد من المشاهد في أعمالهم، مثل فرانك ديكسي وجون ميليه وهنري فوسيلي وانجيليكا كوفمان وآخرين.

وصف

في هذه اللوحة، التي اعتبرت من الأيقونات الفنية، يرسم ووتر هاوس مشهداً ل«ميرندا»؛ بطلة «العاصفة» والتي قيل إنها قد مثلت لأول مرة عام 1611، ويعالج فيها شكسبير قضية القدر والإرادة الإنسانية من خلال بطل العمل بروسبيرو، الذي يحرك كل الأحداث متسلحاً بمعرفته الهائلة بالسحر، وتعد هذه المسرحية ضمن المسرح الأخلاقي، وتحمل تأكيداً على أن الإنسان إذا لم يتزود بالقوة والعلم يصبح شخصاً ضعيفاً تهزمه القوى البشرية.

وتطل هذه اللوحة على الصراع داخل المسرحية، فبروسبيرو حاول أن ينتزع عرش أخيه الملك أنطونيو ونجح في ذلك الأمر لبعض الوقت، لكن أنطونيو استطاع بعد مجهود كبير أن يستعيد تاج ملكه من أخيه، ولم يكتف بذلك بل قام بطرد ذلك الأخ الخائن ونفيه بعيداً إلى جزيرة نائية، وكان بصحبة بروسبيرو ابنته ميراندا، حيث عاشا في ذلك المكان الموحش الذي يحيط به البحر من كل مكان، وكان يسكن في تلك الجزيرة العجيبة مخلوق غريب يدعى «كاليبان»، وعندما استقر بهما المقام، بدأ بروسبيرو في توظيف قدراته السحرية التي يملكها لجعل «كاليبان» وغيره من الأرواح الموجودة في الجزيرة طوع أمره.

ومرت السنوات، وفي أحد الأيام حدث وأن مرت سفينة الملك أنطونيو ومرافقيه من أمام شاطئ الجزيرة التي يعيش عليها بروسبيرو وابنته، وكانت تلك فرصة سانحة للانتقام، حيث يلجأ بروسبيرو لاستخدام سحره مرّة أخرى، ليخلق عاصفة بقصد إغراق سفينة أنطونيو، وتحاول ميراندا عبثاً إقناع أبيها بضرورة العفو عن عمّها والعدول عن خطته لإغراق السفينة، غير أن ذلك لم يحدث، إذ تحطمت المركب، لكن نجا الركاب ومن بينهم أنطونيو، وحاكم نابولي وابنه فيرديناند، ولجأ الجميع إلى الجزيرة، غير أن حيل وألاعيب بروسبيرو، الناجمة عن حقده الشديد على أخيه، لم تتوقف عند هذا الحد، إذ يقوم باستخدام قواه السحرية مرة أخرى في تضليل شقيقه أنطونيو وحاكم نابولي، إذ جعلهم يسيرون في الجزيرة بلا هدى، وأدخلهم في أجواء متقلبة بين البرودة المتجمدة والحر الشديد حتى تخور قواهم، وفي نهاية المسرحية يُعاقَب بروسبيرو على أفعاله الشريرة، بينما يقع فرديناند ابن حاكم نابولي في حب ميراندا، ويتمكّن من أخذها من تلك الجزيرة العجيبة والعودة بها إلى الوطن، بعد أن توّجها ملكة على قلبه.

تركز اللوحة في مشهديتها، بصورة خاصة على شخصيّة ميراندا والتي يعني اسمها «الأعجوبة»، وهي الفتاة الطيبة الحنونة والتي تمثل في هذا الصراع المحتدم جانب البراءة الكاملة التي لم يؤثّر فيها فساد الحياة ومكر البشر، كما أنها تمثل أيضاً نموذج المرأة الفاضلة التي لم تدنسها الخطيئة فهي لم ترَ ولم تتحدّث مع إنسان من قبل باستثناء والدها، فقد قدمت إلى الجزيرة وهي طفلة لا تتجاوز الثالثة، وفي اللوحة نراها وعمرها خمسة عشر عاماً، لذلك عمل الفنان على أن تكون تلك الصفات واضحة في اللوحة من خلال وقوفها وهي في غاية القلق والخوف على مصير هؤلاء البشر في السفينة.

تفاصيل

في اللوحة، تظهر ميراندا وهي واقفة على شاطئ البحر، تراقب تلك العاصفة القوية التي افتعلها والدها، وتشاهد تأثيرها في السفينة التي بدأت تترنح بفعل الرياح القوية، لكن المشاهد لا يستطيع قراءة تعبيرات وجه ميرندا المصوب جهة البحر، وقد وضعت يدها على شعرها، بينما الأخرى على قلبها في إشارة إلى خوفها وهلعها والسفينة تتجه رويداً رويداً نحو الصخور بعد أن عجزت عن إقناع والداها بإبطال سحره القوي، ولكن ليس في يدها شيء لتفعله.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/tz9325xd

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"