بين التمكين والاستدامة قصة نمو

23:15 مساء
قراءة 4 دقائق

سفين سميت *

في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، اجتمع المئات من قادة الدول والرؤساء التنفيذيين في بالي بإندونيسيا لحضور قمة الأعمال العالمية «قمة العشرين»، والتي تمحورت موضوعاتها المدرجة على جدول الأعمال حول ثلاثة أهداف مترابطة، وهي الاستدامة، الشمول، والنمو الاقتصادي.
وبعيداً عن تعارضها الظاهر، يمكن أن تعزز هذه الأهداف الثلاثة بعضها بعضاً؛ إذ يمكن لعالم مستدام احتواء تغير المناخ والحفاظ على رأس المال الطبيعي والتنوع البيولوجي. ومن شأن الشمولية أن تخلق فرصاً اقتصادية وتقدماً مشتركاً للجميع. وبينما يعتقد البعض أن النمو الاقتصادي لا يتوافق مع مكافحة تغير المناخ، من الضروري ابتكار الموارد المالية اللازمة لخلق عالم مستدام وشامل، شريطة استخدام هذه الموارد بشكل صحيح.
لتقدير نطاق التحديات المقبلة، فحصنا مؤشرين مهمين للغاية. أولاً، قمنا بقياس فجوة الاستدامة، وهي الاستثمار الإضافي في تقنيات الانبعاثات المنخفضة التي يجب على كل بلد القيام بها لتحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050. ونظراً لأن العالم يسير على الطريق الصحيح لاستنفاد «ميزانية الكربون» الخاصة به بحلول عام 2030، أي مقدار ثاني أكسيد الكربون المسموح بانبعاثه دون التسبب في مستويات خطِرة من الاحتباس الحراري، فالوقت بات قليلاً للقيام باستثمارات مهمة. وسيتطلب الانتقال إلى اقتصاد خالٍ من الصفر اتخاذ خطوات حاسمة بحلول نهاية هذا العقد.
أما المؤشر الآخر فنسميه فجوة التمكين، وهي مستوى الاستهلاك المطلوب لتلبية الاحتياجات الأساسية مثل الغذاء والطاقة. وللمؤشر دخل تقديري يتجاوز الضروريات، ويكون قادراً على مواجهة حالات الطوارئ. ووفقاً لحساباتنا، يبلغ خط التمكين 11 دولاراً للفرد يومياً في البلدان الفقيرة، و55 دولاراً في البلدان الغنية. وفي حال تمكنت كل أسرة في العالم من الوصول إلى هذا المستوى من الاستهلاك بحلول عام 2030، فإن كل شخص بالغ سيخرج من دائرة الفقر إلى حالة من الأمن الاقتصادي بحلول عام 2050. ولكن هنا أيضاً سيحتاج العالم إلى إجراء تحولات جذرية قبل نهاية هذا العقد.
يمكن أن يساعد النمو الاقتصادي على الوصول إلى كلا الهدفين، فباستطاعة الحكومات إنفاق جزء من دخلها المكتسب من النمو للنهوض بالأسر الفقيرة إلى الطبقة الوسطى العالمية، مع تخصيص جزء آخر لبناء بنية تحتية خضراء.
في الوقت نفسه تشير الأبحاث التي قدمناها في قمة العشرين إلى أن النمو وحده لن يكون قادراً على سد فجوات الاستدامة والتمكين. وإذا حافظت البلدان والمناطق التي درسناها على مستويات الإنفاق الحالية الخاصة بها فلن يتمكن سوى القليل من سد أكثر من نصف فجوة التمكين بحلول عام 2030، ولن يسد أي منها أكثر من نصف فجوة الاستدامة. في الولايات المتحدة على سبيل المثال، تقدر فجوة التمكين ب 5 تريليون دولار، وفجوة الاستدامة 5.6 تريليون دولار. وإذا نما الاقتصاد الأمريكي بوتيرة سنوية تبلغ 2.1% لبقية العقد، فستغلق الدولة 36% فقط من فجوة التمكين، و7% من فجوة الاستدامة خلال السنوات السبع المقبلة.
لكن الوضع مختلف تماماً في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث تُقدر فجوة التمكين بأكثر من 10.3 تريليون دولار، مع فجوة استدامة تصل إلى 600 مليار دولار. ومن المتوقع أن يسد النمو 6% فقط من فجوة التمكين، و25% من فجوة الاستدامة.
ولسد هذه الفجوات يجب تعزيز النمو الاقتصادي بقوى إضافية، وهنا يمكن للابتكار الذي تقوده الأعمال بالنسبة للمبتدئين تغيير نموذج النمو الحالي بطرق أكثر توجهاً نحو الشمول والاستدامة. تنفق الشركات الكبرى في مجموعة العشرين أكثر من تريليوني دولار سنوياً على البحث والتطوير، وبالتالي، فإن لها دوراً حاسماً تلعبه في تطوير تقنيات وحلول جديدة لتقليل تكاليف التحول إلى الاستدامة. وعندما تكتشف هذه الشركات كيفية تقليل كلفة البنية التحتية منخفضة الانبعاثات، يمكنها المساعدة على إعادة توجيه النمو نحو الاستدامة عن طريق تحويل تفضيلات المستهلكين نحو المنتجات الخضراء كما فعل صانعو السيارات الكهربائية في السنوات الأخيرة.
في الوقت نفسه، يمكن أن يساعد الابتكار الذي تقوده الأعمال، والمصحوب باستراتيجيات وسياسات عامة تمكّن من التعليم، والتدريب، ورعاية الأطفال، والرعاية الصحية، والتوظيف الشامل، في سد فجوة التمكين من خلال زيادة دخل العمال. ويمكن للحكومة والعمل الخيري أيضاً توجيه الحوافز والموارد العامة نحو الاستدامة والشمول. وعلى سبيل المثال تستطيع الحكومات تعبئة المزيد من رأس المال الخاص للمشاريع المستدامة من خلال الاستثمار فيها، وهو نهج يُعرف بالتمويل المختلط. كما يمكن أن تشجع ضرائب وإعانات الكربون للمشاريع منخفضة الكربون المستثمرين على سد فجوة الاستدامة. أو قد تلجأ الحكومات إلى استخدام مدفوعات التحويل المباشر لرفع المزيد من الأسر عن خط التمكين.
لكن لسوء الحظ، لا يمكن سد فجوات التمكين والاستدامة الحالية في العالم على الفور. ومع هذا ينبغي أن تكون هذه صرخة استنفار بدلاً من التقاعس عن العمل. وعلى الشركات مواجهة التحدي والابتكار؛ وعليهم أيضاً اغتنام الفرص العديدة الموجودة بالفعل. وبالمثل، يجب على الحكومات والدول المانحة التركيز على نواحي العجز التي تعانيها الأسواق حالياً. فإذا عمل قطاع الأعمال والقطاعات العامة والاجتماعية معاً، فسيتحقق النمو المستدام والشامل الذي يحتاج إليه العالم بشكل عاجل.
* شريك أول ورئيس مجلس إدارة معهد «ماكينزي العالمي» (بروجيكت سينديكيت)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdj697su

عن الكاتب

شريك أول ورئيس مجلس إدارة معهد «ماكينزي العالمي» (بروجيكت سينديكيت)

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"