عادي

كرة القدم تمنحك رفاهية التفكير

20:47 مساء
قراءة 4 دقائق

القاهرة: «الخليج»

تعد كرة القدم الرياضة الأكثر شعبية على هذا الكوكب، ليس لأنها سهلة اللعب، ولكن كما يوضح الفيلسوف والروائي الإنجليزي ستيفن مامفورد، هناك عالم من التعقيد المثير للاهتمام وراء القواعد المباشرة للعبة، حيث يوجه مامفورد القراء للتفكير في كثير من القضايا بخصوص جوهر اللعبة، كيف يمكن لفريق أن يكون أكبر من مجموع لاعبيه؟ ما أهمية المصادفة والحظ في اللعبة؟ ما قيمة الفوز بأي ثمن؟ هل يمكن العثور على الجمال الحقيقي في كرة القدم؟ كيف تملكتنا كرة القدم على هذا النحو؟ ما تفسير سحرها العميق الآسر؟

هذا ما يهدف إليه مامفورد في كتابه «فلسفة كرة القدم.. ما وراء اللعبة»، يريد التحقيق والبحث بمنهج فلسفي، وهو ما يعني أنه سيفكر في الموضوع بطريقة أكثر تعميماً وتجريداً، لكنه على ثقة من أن ما يطرحه منطقي في عقل أي مشجع كرة قدم، وليس عليك أن تكون خبيراً في الفلسفة لتقرأ هذا الكتاب، ولا تخف إن لم يسبق لك تناول نص فلسفي، فالفلسفة ليست على النحو الذي نتصوره، لا تربط بينها وبين مزاجية جوزيه مورينيو على سبيل المثال، قد يكون مديراً فنياً لامعاً، لكنه ليس فيلسوفاً، غرض الفلسفة هو توضيح الأمور، وليس أن تجعلها أكثر صعوبة.

يشير المؤلف إلى أنه ليس معنى أنك غاضب متقلب المزاج أنك بذلك صرت عميقاً، ويتساءل: ما ضرورة الفلسفة هنا خاصة وأن كرة القدم بسيطة للغاية؟ جزء من نجاح اللعبة هو سهولة فهمها، تحتاج فقط إلى تحديد مرميين في أي من طرفي أي مساحة خالية، من الأرض، وفريق يحاول إدخال الكرة في مرمى الفريق الآخر، بينما يدافع عن مرماه، لا شك أن هذه البساطة هي سر الجاذبية، لكن الأمر ينطوي على ما هو أكثر من تفسير الجاذبية العالمية لكرة القدم، لأن بساطة كرة القدم خادعة كذلك.

*ثراء

يقول المؤلف: يمكنك بالطبع فهم كرة القدم بشكل سطحي، لكن يمكنك أيضاً فهمها بشكل أعمق، ويمكننا جميعاً مشاهدة المباراة نفسها، ومن ثم يكون لكل منا رأيه الخاص بشأنها، إنها رياضة يسهل فهمها، وكل وافد جديد على عالم كرة القدم يتبين ذلك، ومع هذا فإنها تنطوي على ثراء تكتيكي، وفلسفي، يستدعي الانتباه إليه، وهناك جوانب عديدة لكرة القدم، والعديد من المستويات التي يمكن فهمها من خلالها، وبغض النظر عن مستوى مشاركتك، سيكون لك فيها شيء يناسبك.

يرى المؤلف أن لكرة القدم بطبيعتها طبقات متعددة، تسمح بمختلف وجهات النظر، ودرجات التفاهم، لكنها لا تنفرد بذلك، في كرة القدم 17 قانوناً فحسب (ليست قواعد بل قوانين) وانطلاقاً منها خرج عالم واسع من الاحتمالات، تسمح القوانين بأي عدد من الألعاب الممكنة، وبالمثل يحتوي الشطرنج على ستة أنواع فقط من القطع، لكل منها قواعد حركتها البسيطة، ومنها ومن لوحة 8 في 8 نحصل على عدد من حركات الشطرنج الممكنة أكبر من عدد الذرات الموجودة في الكون الذي نعرفه، ويمكننا أن نفهم حركات وتكتيكات الشطرنج بأي مستوى من مستويات تطور الفكر.

مع ذلك – كما يؤكد المؤلف – فإن احتمالات كرة القدم أكبر منها، إذ لا توجد حدود لعدد اللعبات المحتملة على الإطلاق، فعلى عكس الشطرنج لن تجد في كرة القدم حركة تتكرر طبق الأصل مرتين، بالطبع تتكرر النتيجة النهائية نفسها للمباراة، لكن كل مباراة متفردة، وتختلف طريقة إحراز الأهداف فيها، وبطريقة لم تضاهها أي لعبة أخرى في التاريخ، والتمريرات والتسديدات وحركة الكرة، جميعها ذات مسار فريد في كل مرة.

ينفتح باب احتمالات لا حصر لها منذ انطلاق المباراة، ويكون المتفرج دائماً في وضع عدم يقين، حتى في ظل وجود توقعات معقولة بشأن الفريق الفائز بالمباراة، لكنها تبقى مليئة بالمفاجآت، لذلك يقتضي فهم كيفية وسبب تطور لعبة تنفيذ تحليل بصورة أو بأخرى.

يوضح المؤلف أنه لا عجب أن أولئك الذين يشاهدون كرة القدم ينغمسون أحياناً في التفكير ويشرعون في تحليل ما يرونه على مستوى أكثر فلسفية، توفر لهم كرة القدم مهرباً وملاذاً بعيداً عن هموم العمل والحياة، تنسى هذه الأشياء عندما تنغمس في مباراة، وتستمتع بفترة من الخمول التام، تمنحك كرة القدم رفاهية التفكير، إذ يمكن للمرء أن يفكر في طبيعة الرياضة، وما يتشعب عن ذلك من تفكير في الحياة والأخلاق والعالم والميتافيزيقا.

من بين هذه الأفكار – كما يوضح المؤلف – أن لكل مدرب أسلوبه الذي يرتبط بفلسفة ما، بعض المبادئ العامة الشاملة أو المعايير المتعلقة بما يريد المرء تحقيقه وكيفية قيامه بذلك، ربما يتم التعبير عن هذه الفلسفة بطريقة مبسطة أساسية لكنها لا تفتقر إلى القوة، وهنا تبدو «فكرة الفوز بأي ثمن» فلسفة معقولة على سبيل المثال، لكننا نرى أنه يمكن تحديها أخلاقياً في الوقت ذاته.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc527ra9

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"