ثمن "الديمقراطية" في العراق

04:22 صباحا
قراءة 4 دقائق
تكتسب الذكرى الخامسة لاحتلال العراق من قبل قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، أهمية خاصة على الصعيدين المحلي الأمريكي والخارجي الدولي. ففي الوقت الذي يستعر التنافس بين المرشحين للوصول إلى البيت الأبيض، يعاني الاقتصاد الأمريكي حالة أقرب إلى الركود والكساد، ومؤشرات صرف الدولار والنمو في أمريكا في الحضيض، الأمر الذي انعكس، ليس فقط على الاقتصاد الأمريكي، وإنما شمل الاقتصاد العالمي، كون أمريكا تستحوذ على 60% من الاقتصاد العالمي. إن هذا الواقع جعل الأمريكيين، يدركون بأن الحالة الصعبة التي يعيشها بلدهم هي نتيجة احتلال العراق، الذي كلف خزينتهم ثلاثة آلاف مليار دولار، ناهيك عن الخسائر البشرية بين قتيل وجريح ومعاق جسديا ونفسيا، الأمر الذي حثهم على تنظيم مظاهرات في عدد من الولايات الأمريكية استنكاراً لمواصلة احتلال العراق، هذا الاحتلال الذي وصفه بوش بأنه "انتصار استراتيجي على تنظيم القاعدة والإرهاب"، مدعياً أن "أي انسحاب من العراق سيؤدي إلى إغراقه في بحيرة دم".لم يعد الرئيس بوش الابن يذكر الديمقراطية التي من أجلها ركب جواده الفولاذي وصهل نحو العراق، ولم يعد يتحدث عن السلام والطمأنينة للعراقيين، الذين يتعرضون يومياً لأبشع أنواع القتل والخطف والتعذيب على يد قواته وحلفائه والعصابات التي انتشرت كالنار في الهشيم، فالعراق لم يعد عراق الكرامة والمجد والرخاء للمواطن العراقي، وإنما تحول إلى عراق للخوف والتشريد واللجوء والخطف والرعب من القادم. إن نظرة مباشرة على الواقع الإنساني العراقي تكشف عن أرقام مذهلة، هي تقريبية في الأساس، لأن المعلومة لم تعد تصل بشكل شفاف لوسائل الإعلام والمنظمات الدولية والإنسانية. فالمفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة دائمة الشكوى من الزيادة المستمرة في أعداد النازحين العراقيين داخل حدود العراق، يواجهون مصاعب في إيجاد أماكن يلجأون إليها بعد ارتفاع عدد المحافطات التي تعتذر عن استقبالهم وتوفير الاحتياجات لهم، لأن 11 محافظة من بين 81 محافظة عراقية ترفض استقبالهم، وتقول مصادر المنظمة إن عدد النازحين العراقيين داخل العراق حتى العاشر من اكتوبر/تشرين الأول 2007 بلغ مليونين ومائتي ألف نازح، ما يهدد بتفجير الأوضاع في البلاد، نتيجة معاناتهم اليومية والصحية ونتيجة انتشار وباء الكوليرا ومشاكل صحية أخرى. هذا ناهيك عن العراقيين الذين لجأوا إلى دول الجوار، أو تشتتوا في أصقاع المعمورة. إن ثمن الديمقراطية التي ادعت إدارة البيت الأبيض العمل من أجلها كلف العراقيين عشرات الآلاف من القتلى ، وقد لفتت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقرير لها من نيويورك، في 25 إبريل/نيسان ،2007 أن على الحكومة العراقية أن تعود إلى سابق ما اعتادته من الإعلان الفوري عن الأرقام الرسمية للإصابات في صفوف المدنيين. وقال التقرير إن الحكومة العراقية في الماضي كانت تكشف عن البيانات الرسمية الخاصة بالإصابات والوفيات بين المدنيين؛ وذلك مؤشرٌ مهم على الكلفة البشرية للحرب، إلا أن الحكومة، وفي تغييرٍ واضحٍ لسياستها، ترفض تزويد الأمم المتحدة بالمعلومات الراهنة التي طلبتها من أجل تقريرها الجديد عن حقوق الإنسان الذي صدر في ابريل/نيسان 2007.إن ما يعلن من إحصائيات وأرقام يتم من خلال القنوات الرسمية، التي لا تريد أن تصور الواقع على أنه مأساوي، بينما الحقيقة أمر مختلف كليا، خاصة أن حجم ما ألقي من قنابل على العراق يعطينا تصورا واضحا عن حجم الأضرار بين البشر والمؤسسات والبنية التحتية، فقد ألقي على العراق عشرات الآلاف من الأطنان من القنابل ومنها ما كان مغلفاً باليورانيوم المشع، لرفع كفاءتها التدميرية، ولكي تتمكن من اختراق الجدران الإسمنتية المحصنة. وتشير تقديرات دولية أن نسبة 44% من السكان يمكن أن يصابوا بالسرطان بعد عشر سنوات، وأصابع الاتهام تشير إلى اليورانيوم المشع حسب ما ذكر موقع (الأجندة الخفية) على الإنترنت لجون بيجلار. ويقول الدكتور عياد محمد علي باش المدرس في كلية الإدارة والاقتصاد في جامعة بابل، في دراسة له نشرت في الموقع الإلكتروني لمركز الفرات للدراسات الاستراتيجية حول واقع العراق خلال الثلاثة عقود الماضية بأن الحرب الأخيرة جاءت لتضيف خراباً آخر أقوى وأشد من السابق، حيث دمرت معظم البنية التحتية الرئيسية والمنشآت الرسمية وغير الرسمية ماعدا وزارة النفط التي ظلت محمية من قبل قوات الاحتلال، وهذا ما يرجح ذريعة النفط كسبب رئيس للحرب عليه، أما الذي بقي منها فقد سرق أو حرق من أجل تكريس الاحتلال وتعزيزه. وعلى خلفية ذلك وغيره، فإن الأوضاع الحقيقية التي يعيشها الاقتصاد العراقي من طاقات إنتاجية عاطلة بنسبة تتجاوز (90%)، وتضخم جامح وصل إلى أربعة أرقام أو أكثر، وارتفاع معدلات البطالة والتي قدرت بأكثر من 50% قد تلقي بظلالها على مستويات المعيشة في العراق وتراجعها عن مستوياتها السابقة فضلاً عن تدني مستوى الخدمات المقدمة في مختلف المجالات كالخدمات الصحية والتعليمية وغيرها. لقد مرت خمس سنوات على احتلال العراق، كأنها أكثر من خمسين سنة إذا قيست بحجم الخراب والدمار، ولا أحد يتوقع انفراج الحالة قريبا، لأن آثار الفتنة التي خلقتها قوات الاحتلال لن تغسلها عشرات السنين، فهناك النعرات الطائفية التي تستشري بين الناس، والتي تهدد بحرب أهلية، والفقر الذي ارتفعت نسبته بصورة خطيرة، وآلاف الأيتام والمعاقين والأطفال المشردين، كل ذلك مسكوت عنه، والتقارير الإعلامية لا تنقله، وإذا ما أضفنا (الحياد) العربي من قضية العراق، فإننا لا نتنبأ بأوضاع أحسن خلال السنوات الماضية، خاصة وأن الكيان الصهيوني يعيش حالة سرور كون العراق، الذي كان يمثل أكبر قوة عسكرية في المنطقة، قد استسلم للفراغ والخراب.إن ثمن الديمقراطية الذي تكبده العراق والمنطقة لا يرقى إلى النتائج، وإلى الواقع الأسود الذي يعيشه هذا البلد العربي، ويكفي أن نقرأ كل يوم أخبار التفجيرات والقتل والخطف والدمار، يكفي أن نقرأ عن عمليات انتحارية في مجالس للعزاء وفي التجمعات الدينية، حتى ندرك المأساة التي يعيشها العراق، خاصة أن كل الوقائع لا تبشر بانفراج. نحن لا نرسم صورة سوداوية للعراق، لأن الصورة هي التي ترسمنا، ولهذا فإن الجهد العربي لإنقاذ هذا البلد أصبح مطلوباً أكثر من أي وقت مضى، ولكن هذا (المطلوب) يعاني أيضا من مأساة.. والدائرة تدور والله المستعان.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"