فرص الاقتصاد المصري

05:07 صباحا
قراءة 5 دقائق

رغم سخونة الجدل السياسي في مصر بعد عام من ثورة يناير/ كانون الثاني 2011 التي أطاحت الرئيس حسني مبارك، فهناك اهتمام متزايد بالوضع الاقتصادي للبلاد انعكس في تعيين حكومة جديدة قبل نهاية العام المنصرم إلى جانب استغلال الاقتصاد في التجاذبات السياسية في البلاد .

ووسط أجواء انتخابات يتقدم فيها التيار الإسلامي ليقود البرلمان وربما حكومة ما بعد الفترة الانتقالية، واستمرار إرهاصات الثورة المطالبة بنقل السلطة من المجلس العسكري الحاكم إلى سلطة مدنية، تعمل السلطات الحاكمة الآن على ضبط بعض السياسات الاقتصادية التي تستهدف إقناع الخارج بالأساس بأن المسار الاقتصادي في مصر الذي بدأ مع مطلع القرن مستمر كما هو إلى حد كبير .

وبعيداً عن السياسة، لم يكن اختيار المجلس العسكري لتشكيل الحكومة في نوفمبر/ تشرين الثاني إلا لخبرته الحكومية السابقة في عهد مبارك، وتحديداً قدرته على التعامل مع الخارج وضبط الإنفاق العام على الدعم والخدمات، وتزامن ذلك مع تراجع الحكومة المصرية عن موقفها الرافض للاقتراض من الخارج والاكتفاء فقط بالاقتراض من السوق المحلي .

ومع أن زيارة وفد صندوق النقد الدولي إلى القاهرة والتي كانت مقررة في ديسمبر/ كانون الأول أجلت لعدة أسابيع، لكن الحديث عن خط ائتمان من الصندوق لمصر بأكثر من 3 مليارات دولار لم يتوقف .

وربما تطلب الأمر إعطاء حكومة الجنزوري فرصة لضبط الحسابات العامة قليلاً بما يحسن شروق القرض . وبالفعل بدأت الحكومة في إجراءات تقليل الدعم على الغاز والكهرباء للمصانع والمستثمرين بنحو الثلث تقريباً، وكذلك الحديث عن ترشيد الإنفاق الحكومي في قطاعات أخرى .

إلا أن الوضع المالي لا يزال صعباً، خاصة مع زيادة التضخم وتراجع العائدات للميزانية العامة . ومع أن معدل التضخم يتراجع منذ مطلع العام الماضي، إلا أنه ارتفع في نوفمبر/ تشرين الثاني إلى 1 .9 في المئة من 1 .7 في المئة في أكتوبر/ تشرين الأول . لذا لم تتمكن الحكومة من اقتراض كامل المبالغ التي طلبتها من السوق المحلية في أربعة مزادات متتالية على أذون الخزانة، وفي المزاد الأخير مطلع العام الجديد اشترى المقرضون من بنوك وصناديق محلية 75 .2 مليار جنيه من سندات الدين الحكومي في مزاد طرحت فيه الحكومة سندات لمدة ستة اشهر بقيمة 3 مليار جنيه . هذا رغم ارتفاع الفائدة على سندات الدين المصرية، ففي خلال العام الماضي ارتفع العائد على أذون الخزانة المصرية من 7 .10 في المئة إلى 5 .14 في المئة .

ونتيجة الاعتماد على الاقتراض المحلي تضررت المالية العامة للحكومة، إذ ارتفعت مدفوعات الفوائد على الدين في الربع الأول من العام المالي 2011/2012 أي الفترة من يوليو/ تموز إلى اكتوبر بنسبة سنوية 9 .22 في المئة، ومثلت تلك المدفوعات 28 في المئة من إجمالي الإنفاق الحكومي العام . كذلك زادت أجور القطاع العام بنسبة 4 .24 في المئة والإنفاق على الدعم بنسبة 7 .40 في المئة . ومع أن العجز زاد في تلك الفترة بنسبة 5 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من العام المالي السابق (2010/2011) إلا أنه تراجع كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي ليصل إلى 3 في المئة مقابل 3 .3 في المئة للربع الأول من العام المالي السابق . ويرجع ذلك إلى موارد إضافية من منح وقروض عاجلة بنحو 2 مليار دولار شكلت 5 .18 في المئة من إجمالي موارد الميزانية العامة . وتسعى الحكومة جاهدة للوصول إلى نسبة العجز المستهدفة في ميزانية العام الحالي وهي 6 .8 في المئة . وتشير التوقعات إلى أن نسبة العجز يمكن أن ترتفع إلى 5 .11 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي . كما أن العملة المصرية تتعرض لضغوط أمام الدولار الامريكي، وأدى تدخل البنك المركزي المصري لشراء الجنيه وبيع الدولار لوقف تدهور العملة إلى السحب من الاحتياطي النقدي بالعملات الأجنبية .

وتراجع الاحتياطي من 36 مليار دولار في ديسمبر 2010 إلى 20 مليار في نهاية نوفمبر الماضي، أي أن احتياطي النقد الأجنبي لم يعد يكفي إلا لتغطية واردات أقل من خمسة أشهر . وبسبب كل تلك العوامل السلبية، واستعداداً لقيام حكومة الجنزوري بضبط أرقام المالية العامة بما يجعلها قادرة على الاقتراض من الخارج، كان قرار المجلس العسكري الحاكم بمنح كمال الجنزوري صلاحيات رئاسية .

فتلك الصلاحيات المفترضة لا علاقة لها بالسياسة ولا الاستجابة لضغوط شعبية داخلية، إنما فقط لتمكن الحكومة من الاتفاق مع المؤسسات الدولية وأولها صندوق النقد الدولي . ومع أنه يصعب تصور أن تكون حكومة الجنزوري مطلقة الصلاحيات في إرساء أسس سياسة اقتصادية داخلية دائمة، إلا أن ممارساتها في الفترة الانتقالية حتى صيف 2012 ستمهد لاستعادة الوضع السابق على تنحي مبارك وتولي المجلس العسكري الحكم . أما القوى المدنية التي تستعد للعب دور قيادي في البلاد، وفي مقدمتها تيار الإسلام السياسي، فلا يتصور أن سياساتها الاقتصادية يمكن أن تختلف كثيراً . وإذا كان البعض يتحدث عن استلهام نماذج اقتصادية مثل ما في تركيا أو ماليزيا أو جنوب إفريقيا، فإن هذا يعني أيضاً نمط تنمية رأسمالي يعتمد نظام السوق الحر بتكييفات محلية طفيفة .

وهناك حديث عن التيار الإسلامي بدأ بالفعل صياغة ملامح سياسة اقتصادية لمصر استباقاً لنتائج الانتخابات البرلمانية التي يتوقع أن يحصل فيها على أغلبية مريحة . ويعكف حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية للإخوان المسلمين على إعداد خطة اقتصادية تستهدف خفض العجز وتحقيق النمو . ومن بين المقترحات تحصيل ثمن الأراضي التي منحت مجاناً لرجال الأعمال بسعر السوق كاملاً الآن ومراجعة اتفاقيات تصدير الغاز والنفط وتوصيل الغاز الطبيعي للمنازل على نطاق واسع على اعتبار أن ذلك يمكن أن يوفر أكثر من 30 مليار جنيه من الدعم الموجه لصادرات الغاز وفروق أسعار تصدير . هذا إلى جانب فرض ضريبة إضافية على الاتصالات وضريبة على أرباح رأس المال ومراجعة شاملة لنظام الدعم لضمان وصوله إلى مستحقيه فقط .

في النهاية، لا يتوقع أن تتمكن حكومة الجنزوري من استعادة وضع ما قبل 25 يناير ،2011 وبما أنها حكومة انتقالية فلن ترسم السياسة الاقتصادية منفردة . إلا أن الأغلبية البرلمانية القادمة لا تبدو مختلفة كثيراً، والأرجح أن فرص الاقتصاد المصري للنمو لن تختلف كثيراً عن تقديرات ما كان سابقاً على التغيير في إطار سياسة جلب الاستثمارات وإعادة الهيكلة الطموحة التي بدأت مع حكومة أحمد نظيف السابقة عام 2002 .

خبير اقتصادي

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"