أي عقوبات؟.. الأمريكيون أكبر مصدر للاستثمارات الأجنبية في روسيا

00:18 صباحا
قراءة 4 دقائق

ليونيد بيرشدسكي *

في تقرير الاستثمار العالمي لعام 2019، عزت «أونكتاد» انخفاض تدفقات الاستثمارات الروسية لعام 2018 إلى جهود الحكومة لتحفيز رجال الأعمال الروس على استرجاع ممتلكاتهم إلى البلد الأم.
يواجه الباحثون عن بيانات موثوقة حول حركة الاستثمارات الأجنبية المباشرة في العالم، صعوبات شتى في الحصول على معلومات حول العلاقات الثنائية بين الدول وحصة كل دولة من تلك الاستثمارات. وتسهم عمليات البحث عن ملاذات قانونية أو ضريبية، والاستثمار بالوكالة، في التعتيم على أنشطة دول تخضع للحصار أو العقوبات.
إلا أن خبيراً اقتصادياً في منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «أونكتاد» توصل إلى طريقة لتجاوز الكثير من العقبات؛ تتيح فرصة تعقب بيانات دول كبيرة؛ مثل: الصين وروسيا.
ووفقاً للأونكتاد، فإن ما بين 30٪ و 50٪ من الاستثمار الأجنبي المباشر يمر عبر طرف ثالث هو غالباً دولة «ناقلة»، مما يجعل من الصعب تحديد مصدر الاستثمارات الأساسي. ولا يزيد عدد حكومات العالم التي تكشف رسمياً عن حجم الاستثمار الأجنبي المباشر الذي يتدفق عليها من مصدره الأساسي على عشر دول، لا تضم الاقتصادات الناشئة طبعاً. من هنا تنبع صعوبة تقدير مدى تأثير العقوبات الأمريكية والأوروبية على حركة الاستثمارات الغربية في روسيا، أو مقدار أموال المستثمرين الأمريكيين في الصين؛ بسبب الحرب التجارية التي شنها الرئيس دونالد ترامب عليها.
وشهدت السنوات الخمس الماضية تعدد الطرق التي يتبعها خبراء الاقتصاد في تصحيح بيانات الاستثمارات الأجنبية لمعرفة المستثمر الفعلي. وفي عام 2017، اقترح خبيران اقتصاديان في صندوق النقد الدولي تحديد أرقام الاستثمار الأجنبي المباشر المبلغ عنها رسميًا بناءً على البيانات التي أبلغت عنها الدول القليلة التي تهتم بالكشف عن المستثمر النهائي. إلا أن التقديرات الناتجة لم تكن دقيقة؛ بل تقريبية إلى حد ما، لأن تلك البلدان هي اقتصادات غربية متقدمة، واللجوء فيها إلى طرف ثالث «ناقل» يختلف عنه في الأسواق الناشئة.
في وقت سابق من هذا العام، اقترح برونو كاسيلا، الخبير الاقتصادي في «اونكتاد» طريقة أكثر تعقيداً لكشف الدول «الناقلة». يعتمد ذلك على تقييم احتمالات قيام بلد معين بالعمل كمعبر قضائي إلى «ناقل» آخر، ثم تغذية هذه الاحتمالات في نموذج باستخدام نظام رياضي يعرف باسم سلاسل ماركوف. وقد جرب كاسيلا طريقته في البلدان التي لديها إحصاءات أكثر شفافية في مجال الاستثمار الأجنبي المباشر، مثل ألمانيا وفرنسا وسويسرا والولايات المتحدة. استناداً إلى البيانات الخاصة بالأصل الفوري للاستثمار، وحقق نموذجه نتائج قريبة جداً من البيانات الفعلية المُبلغ عنها عن البلد التي هي المستثمر النهائي.
في ملحق تقرير الاستثمار العالمي لهذا العام، استخدمت «أونكتاد» طريقة كاسيلا؛ لتقدير حصص الاستثمار الأجنبي المباشر التي مصدرها المستثمر النهائي. وقد اختلفت النتائج اختلافاً جذرياً عن البيانات التي أبلغت عنها معظم البلدان. وكان الفرق شاسعاً بشكل خاص بين أرقام أونكتاد وبيانات البنك المركزي الروسي.
ولم يخطر ببال أي شخص، بما في ذلك البنك المركزي الروسي، أن تكون قبرص وهولندا وبرمودا أكبر المستثمرين الأجانب في روسيا. وغالباً ما كان يعتقد القائمون على البنك المركزي الروسي أن مبالغ الاستثمار المبلغ عنها هي لرجال أعمال روس يشعرون بالقلق إزاء افتقار بلدهم إلى قوانين حماية الملكية. وبالفعل، وجدت «أونكتاد» أن 6.5 ٪ من الاستثمار الأجنبي المباشر في روسيا - حوالي 28.7 مليار دولار، طبقاً لبيانات عام 2017 كانت من أصل روسي.
لكن تقديرات «أونكتاد» أظهرت أيضاً زيادة كبيرة في الاستثمار الأوروبي والأمريكي. فالولايات المتحدة، وفقاً لنموذج كاسيلا، هي أكبر مستثمر في الاقتصاد الروسي؛ حيث تبلغ قيمة استثماراتها غير المعلنة حوالي 39.2 مليار دولار. ولعل هذا يفسر سبب عدم تصعيد العقوبات الأمريكية إلى الحد الذي يغري الكرملين على مصادرة أموال المستثمرين الأمريكيين. والشيء نفسه ينطبق على الاتحاد الأوروبي.
أما بالنسبة لروسيا، فإن رد الاستثمارات التي تم تسجيلها على أنها أجنبية؛ لكنها ليست كذلك، لا يزال هدفاً سياسياً مهماً. ففي تقرير الاستثمار العالمي لعام 2019، عزت «أونكتاد» انخفاض تدفقات الاستثمارات الروسية لعام 2018 إلى جهود الحكومة لتحفيز رجال الأعمال الروس على استرجاع ممتلكاتهم إلى البلد الأم.
وفقاً للمنظمة أيضاً، فإن الولايات المتحدة هي أكبر مستثمر أجنبي في الصين؛ حيث تبلغ حصتها 9.7٪ من إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تدفقت على الصين، على الرغم من أن الصين نفسها تعلن باستمرار عن تدفقات استثمار ضخمة من جيرانها الآسيويين،
وأن حصة الولايات المتحدة الرسمية من الاستثمار الأجنبي المباشر هي 3٪ فقط.
وتظهر الرؤية التي توفرها هذه التقديرات في العلاقات الاقتصادية الفعلية للدول مدى فائدتها إذا أبلغت المزيد من الدول عن مصدر استثماراتها الأجنبية المباشرة الأساسي، وليس فقط عن المستثمرين المباشرين. مثل هذا الإبلاغ من شأنه أن يجعل من السهل معرفة نطاقات الاختصاص القضائي التي يتم استخدامها بشكل متكرر من قبل مستثمرين من بلدان محددة.
ويمكن أن يكون ذلك مفيداً في سن الأنظمة الضريبية والقانونية المشتركة، ليس فقط للحد من أنشطة التهرب الضريبي، ولكن أيضاً للتعرف إلى ميزات المناخ التنظيمي الذي يحظى باهتمام المستثمرين بشكل خاص. ولعل هذا ما ينبغي على قادة مجموعة العشرين التفكير فيه وهم يناقشون هدفاً رئيسياً من أهداف المجموعة وهو جعل العولمة أكثر شفافية.

* بلومبيرج

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"