ضريبة الثروات الأمريكية لا تحل مشكلة التفاوت الطبقي

00:55 صباحا
قراءة 3 دقائق
ليونيد بيرشدسكي *

المشكلة الرئيسية في فرض ضرائب على الثروات، والتي كانت محور مناقشات السياسة الاقتصادية هذا العام، ليست في صعوبة جمعها وتحريض رأس المال على الهروب، بل هي أن تلك الضريبة لن تحقق الهدف المعلن، وهو الحد من عدم المساواة.
وتعكس مقترحات ضريبة الثروات لمرشحي الرئاسة الأمريكية إليزابيث وارين وبيرني ساندرز، صوراً من الاهتمام المتجدد بفكرة فرض الضرائب ليس فقط على الدخل، بل على الثروات. قد يكون السبب الأكثر قبولاً وراء هذه الطروحات ذلك الذي تحدث عنه هذا العام الاقتصادي الفرنسي توماس بيكيتي في كتابه الجديد «رأس المال والأيديولوجيا». تتمثل فكرة بيكيتي في أنظمة ضريبية ملزمة تسفر عن تبديد تمركز الثروات. مثل هذه الأفكار الجريئة لم تصدر حتى عن أكثر الأمريكيين عدوانية.
تظهر التجربة الأوروبية أن إيرادات ضريبة الثروات عادة ما تكون منخفضة بدرجة محبطة، ومن الصعب إدارتها وجمعها. هذا هو السبب الرئيسي الذي جعل معظم الدول التي جربت الضرائب المفروضة على الثروات، تفشل في تحصيل الكثير من العائدات. في عام 1985 كانت عشرين دولة تفرض مثل تلك الضريبة، ثم ألغتها جميعاً، ما عدا أربع دول هي سويسرا وإسبانيا والنرويج وبلجيكا، وكانت فرنسا آخر من ألغاها عام 2017.
وتحصل سويسرا أعلى مستويات الإيرادات من ضريبة الثروات، حيث بلغت نسبة 1.1٪ من الناتج الاقتصادي في عام 2018. وتتراوح ضريبة الثروات في سويسرا بين 0.3 ٪ و 1 ٪ من القيمة الصافية، وتؤثر في أثرياء البلاد وفي الطبقة الوسطى. ونظراً لكونها مصدراً متميزاً في تحقيق الواردات، اختار إدوارد وولف من جامعة نيويورك، النموذج السويسري لعرضه على الولايات المتحدة في ورقة عمل تم نشرها مؤخراً.
وحدد وولف مبلغ 121 ألف دولار كحد أدنى للثروة لفرض الضريبة على أسرة مكونة من شخصين، أي متوسط دخل الشرائح المختلفة في المجتمع السويسري، بحيث يبدأ معدل الضريبة التدريجي من نسبة 0.03٪ إلى 0.5٪.
بناءً على هذا النموذج، فإن 44.3٪ من الأسر الأمريكية كانت ستدفع الضريبة في عام 2016، وهذا يعادل 189.3 مليار دولار سنوياً، أي 1٪ من الناتج الاقتصادي لعام 2016، ونحو 10.5٪ من إجمالي إيرادات ضريبة الدخل الفيدرالية. من المنظور السياسي، يجب موازنة ذلك مع تداعيات تخفيض فاتورة ضرائب الأسرة الأمريكية بنسبة 15٪ أي أكثر من 500 دولار. وضمن هذه المعطيات لن تكون الضريبة فعالة في الحد من عدم المساواة.
هذه نتيجة مباشرة للإيرادات الصغيرة نسبياً التي ستولدها الضريبة التي لن تمنح الحكومة الكثير من المال لإعادة توزيع الثروات.
وأجرى وولف أيضاً مراجعة على الاقتراح الضريبي للسيناتور إليزابيث وارين، والذي يتناسب مع نموذج بيكيتي أكثر من تناسبه مع الطريقة السويسرية التي تضع الناس في مستويات متقاربة أمام التقييم الضريبي بغض النظر عن حجم ثرواتهم. فإذا كان هدف المرشحين الحصول على مزيد من الأصوات، فسيكون من الأسهل تبرير مثل هذه الضريبة، حيث إنها تطال فقط 0.7٪ من الأسر الأمريكية. فضلاً عن ذلك، ستحقق عائدات تزيد بنسبة 60٪ تقريباً على الضريبة مقارنة مع النموذج السويسري، والتي تبلغ نحو 303 مليارات دولار.
لكن في كلا النموذجين لن ينخفض معامل «جيني» لقياس التفاوت الطبقي. وبعبارة أخرى، فإن تغريم الأغنياء لن يفعل الكثير للحد من عدم المساواة، لأن العائدات التي يتم جمعها بحاجة إلى إعادة توزيع على نطاق أوسع. ولن تجدي طروحات بيكيتي وغيره من الخبراء في العالم التي تحاصر الأغنياء بفرض الضرائب التي حتى لو شملت الطبقة الوسطى، لن تكفي عائداتها لدعم الفقراء والمعدمين في ظل أي برنامج ضريبي مقبول سياسياً، ويتم التخطيط له عن بعد.
والسبب الذي دفع البلدان الأوروبية للتخلي عن فرض الضرائب على الثروات هو أنها اختارت استخدام أنظمة ضرائب الدخل المتقدمة وضريبة الاستهلاك المرتفعة. (الحد الأدنى لضريبة القيمة المضافة في الاتحاد الأوروبي هو 15٪، ولكن المتوسط يبلغ 22٪). هذه الضريبة سهلة التحصيل وإيراداتها أكبر، بشكل يزيد من مساهمتها في تضييق الفجوة بين الفقراء والأغنياء.
من هنا فإن ما تفعله كل دولة أوروبية عضو في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية يعطي نتائج أفضل مما تطبقه الولايات المتحدة التي قد تكون مقترحات ضريبة الثروات التي تروج لها تثير الشعور بالبهجة، لكنها ليست فعالة في كبح التفاوت الطبقي.

* بلومبيرج

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"