النووي الإيراني على خطى الكوري

04:40 صباحا
قراءة 4 دقائق

تشهد منطقة شبه الجزيرة الكورية درجة عالية من التوتر الأمني، مصدره التهديدات الحادة التي تطلقها كوريا الشمالية ضد دول المنطقة، خاصة كوريا الجنوبية واليابان، ويمتد وعيدها إلى حليفتهما الولايات المتحدة، وينذر الوضع الأمني الهش بنشوب حرب عسكرية لا يعد استخدام السلاح النووي فيها مستبعداً على الإطلاق . إن نبرة التهديدات النووية التي تطلقها القيادة المنفعلة في بيونغ يانغ تصعيدية بشكل صريح، الأمر الذي دفع اليابان إلى اتخاذ التدابير الدفاعية اللازمة تحسباً لأي هجوم نووي قد يستهدف المدن الرئيسة، بما فيها العاصمة طوكيو، وتعول كل من كوريا الجنوبية واليابان على مظلة الحماية الأمنية التي كانت الولايات المتحدة قد تعهدت بتوفيرها .

إن القواسم المشتركة بين الأزمة النووية التي تعصف بمنطقة شبه الجزيرة الكورية، والأزمة الأمنية التي تتهدد منطقة الخليج العربي كبيرة، وذلك إلى الدرجة التي تستوجب أن نحسن قراءة واقع الملف النووي الكوري من أجل أن نحسن استشراف مستقبل الملف النووي الإيراني . إن الدرب الذي تسلكه إيران من أجل تطوير برامجها النووية يعد مطروقاً، ومن الواضح أن كوريا الشمالية تعد إحدى الدول التي سارت فيه، ويجدر بدول مجلس التعاون الخليجي أن تضع هذه المسألة في الحسبان، وذلك لسبب أساسي وحرج في آن واحد، وهو أن الملف النووي الإيراني يسير على خطى الملف النووي الكوري .

ينبغي أن يشمل أي سرد سريع لأوجه التشابه بين ملفي بيونغ يانغ وطهران النوويين الجوانب العامة التالية . تسعى كوريا الشمالية وإيران بشكل حثيث إلى امتلاك القدرات النووية ذات الاستخدام العسكري وذلك في إطار مزاج عالمي معارض في مجمله، كما تتخذ الدولتان المقلقتان نهجاً تدليسياً في ذلك المسعى، يعجز عن طمأنة الدول المجاورة لهما، ولا يتردد في اقتراف السلوكيات التي من شأنها فقط أن تضاعف أسباب الخوف والارتياب لدى دول الجوار تجاههما .

وتعاني كل من كوريا الشمالية وإيران تعقيدات تنموية بالمقارنة مع الدول المجاورة لهما في منطقتي شبه الجزيرة الكورية والخليج العربي، الأمر الذي يصنع الاعتقاد بأن الدولتين تهدران الموارد المتاحة لديهما في الإنفاق على التسلح النووي، في الوقت الذي كان يجدر بهما الاعتناء بتحقيق مستويات أداء أفضل في التنمية البشرية ينتفع بها أفراد الشعب في الدولتين . ولا يمكن تفسير هذا الارتباك في ترتيب الأولويات الوطنية لدى القيادتين في بيونغ يانغ وطهران إلا من خلال قاسم مشترك آخر بينهما، يتمثل في الضغينة السياسية التي تكنها العاصمتان تجاه الدول المجاورة، والتي تجد وقودها في خليط متأزم يتشكل من الإيديولوجية السياسية ضيقة الأفق والنرجسية الوطنية العدوانية .

تتسبب الضغينة السياسية في إفساد أجواء العلاقات الأمنية في كل من شبه الجزيرة الكورية ومنطقة الخليج العربي، وتجعل الهواجس الأمنية مسيطرة بشكل مستمر، وتوصل المنطقتين إلى حافة نشوب الحروب المكلفة من الناحيتين البشرية والاقتصادية، كما تفوت هذه الضغينة المتفاقمة فرص تحقيق الفوائد المشتركة التي كان بإمكان الدول المعنية في الإقليمين تحقيقها من خلال الدخول في علاقات مثمرة تعتمد على المصالح المشروعة لدى الشعوب أكثر من اهتمامها بتحقيق المخططات المشبوهة التي تحملها الأجندات الخاصة التي تمليها التوسعات الوطنية، والصدامات العقائدية . كان بإمكان كوريا الشمالية أن تجني الفوائد الكامنة التي يصنعها الدخول الكامل في علاقات الاقتصاد السياسي مع اليابان وكوريا الجنوبية، تماماً، كما كان بإمكان إيران تحقيق فوائد مماثلة من خلال الدخول في علاقات الاقتصاد السياسي مع الدول الثرية في مجلس التعاون، بيد أن هذا الأمر سيظل متعذراً بسبب الأجواء الملتهبة التي تصنعها الطموحات النووية لدى بيونغ يانغ وطهران .

ينبغي أن تكون المواعظ المستفادة من الأزمة النووية التي تتهدد شبه الجزيرة الكورية واضحة تماماً بالنسبة للجميع . إن التهديدات النووية الصريحة التي تطلقها كوريا الشمالية يجب أن تكون نداء إيقاظ بالنسبة إلى كوريا الجنوبية واليابان، تماماً، كما هي بالنسبة إلى مجلس التعاون لدول الخليج العربية . يتعين على الدول التي تقع في نطاق التهديدات التي تصنعها كل من كوريا الشمالية وإيران أن تدرك عدة أمور حاسمة .

أولاً، لا شيء يمكن أن يقف في طريق الدولة التي تمتلك التصميم الكافي على امتلاك السلاح النووي، مهما استغرق المسار الذي تتخذه من أجل تحقيق هذا الهدف من موارد زمنية ومادية، وأغلب الظن أن نجاح بيونع يانغ في نهاية المطاف يعني أن طهران تعتقد بأن نجاحها متحقق لا محالة . ثانياً، يصبح مسعى الحصول على السلاح النووي أكثر يسراً حين يحظى بالموافقة الضمنية، أو الدعم الصريح من قبل دولة أو أكثر من القوى الكبرى، وهو أمر متحقق بالنسبة لكل من كوريا الشمالية وإيران اللتين تلقيان التعاطف والدعم من الصين وروسيا . ثالثاً، تتقلص خيارات المجتمع الدولي إزاء التصرف من أجل منع القوى النووية الناشئة من تحقيق أهدافها حين تلغي الدول الكبرى خيار استخدام الأدوات العسكرية من أجل اجتثاث البرنامج النووي في مراحله المبكرة .

تمتلك كل من اليابان وكوريا الجنوبية الإمكانات التكنولوجية والمادية اللازمة من أجل تطوير قدراتهما العسكرية النووية في وقت قياسي، ولا يمنعهما من القيام بذلك سوى الضمانات الدفاعية التي تقدمها الولايات المتحدة، وقد غدت هذه الضمانات محل اختبار شديد في المرحلة الحالية، وينبغي أن تتمكن طوكيو وسيؤول من الوصول إلى الاستنتاجات الصحيحة بالنسبة إلى الكيفية التي تتعامل من خلالها إدارة أوباما مع تهديدات بيونغ يانغ . يمكن أن تنجح الإجراءات الدفاعية الأمريكية في حماية اليابان وكوريا الجنوبية ضد تهديد الهجمات النووية التي يمكن أن تشنها بيونغ يانغ في لحظات غياب العقلانية، ولكن فداحة مجرد فكرة الاستمرار في العيش تحت طائلة التهديد النووي ينبغي أن تدفع طوكيو وسيؤول إلى تعزيز قدراتهما النووية الذاتية . الأمر ذاته يعد صحيحاً بالنسبة إلى دول الخليج العربية التي يتعين عليها أن تجري الحسابات اللازمة، وتتخذ التدابير المناسبة تحسباً لظروف الأزمة النووية التي سوف تصنعها طهران حين تصل إلى مرحلة تفجر الضغينة التي وصلت إليها بيونغ يانغ أخيراً .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"