بين فلسطين وجنوب إفريقيا

03:39 صباحا
قراءة 3 دقائق

إن الدوائر الاستراتيجية الإسرائيلية، التي تحركها العقيدة الصهيونية، تبغض كل البغض، وترفض كل الرفض، أي تشبيه، ولو من بعيد، بين القضية الفلسطينية، وقضية جنوب إفريقيا سابقاً، لأنها بطبيعة الحال ترفض أن يكون مصير قضية فلسطين، مطابقاً لمصير قضية جنوب إفريقيا، أي سقوط نظام التمييز العنصري، وعودة الحكم في البلاد إلى السكان الأصليين، يشاركهم في ذلك من أحب البقاء في البلاد من أحفاد الغزاة البيض، أسياد نظام الحكم البائد .

الطريف في الأمر، أنه إلى جانب رفض نظام الحكم في إسرائيل، أن يشبهه أحد بنظام الحكم السابق في جنوب إفريقيا، فإن هذا الحكم، ومن قبل العام ،1948 أي من قبل قيام إسرائيل، كان وما زال يرتكب حتى يومنا هذا أعمالاً سياسية تقربه أكثر فأكثر من نظام الحكم البائد في جنوب إفريقيا، بل تجعله توأم ذلك النظام .

فمنذ سنوات الاستعمار البريطاني لفلسطين، بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، أي طوال فترة التحضير لإقامة إسرائيل، ونظام غزو الرجل الأبيض القادم من شتى بقاع أوروبا إلى فلسطين، هو تطبيق حرفي لنظام الغزو السابق للرجل الأوروبي الأبيض جنوب إفريقيا، والاحتلال التدريجي لأراضي سكان البلاد الأصليين . الفارق الوحيد بين النظامين ان الغزاة البيض لجنوب إفريقيا كانوا يتولون مباشرة مقاليد البلاد شيئاً فشيئاً، بينما كان غزاة فلسطين من أتباع الديانة اليهودية، يعملون تحت إمرة وبدعم من قوات وسلطات الاستعمار البريطاني لفلسطين .

لكن قرار تقسيم فلسطين في العام ،1947 أفرز قيام إسرائيل في العام ،1948 الذي جاء تطبيقاً مشوهاً لقرار التقسيم، بدليل أنه حقق سيطرة الغزاة الأوروبيين اليهود على ثلاثة أرباع فلسطين التارخية، بينما كان قرار التقسيم لا يمنحهم سوى النصف بزيادة ضئيلة (56 في المئة) .

وبين العامين 1948 و،1967 أقامت الصهيونية في القسم الذي احتلته من أرض فلسطين التاريخية نظام تمييز عنصري إزاء السكان العرب الاصليين، مطابقاً لنظام التمييز العنصري في جنوب إفريقيا .

لكن المشروع الصهيوني العنصري لم يكتمل في مطابقته لنظام جنوب إفريقيا السابق، إلا بعد العام ،1967 أي بعد أن استكملت القوات الإسرائيلية احتلال كامل التراب الفلسطيني، وقد زادت العنصرية الصهيونية على عنصرية نظام جنوب إفريقيا، في كلتا الجولتين (1948 و1967)، إذ كانت تطرد في كل مرة أقصى ما يمكنها من السكان العرب الأصليين، تنفيذاً لخطة لا سابق لها في جنوب إفريقيا، هي امتلاك أكبر مساحة ممكنة من الأرض الفلسطينية، بأقل عدد ممكن من سكانها الأصليين .

ولقد اعملت السلطات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية، المعتبرة أراضي محتلة وفقاً للقانون الدولي، استيلاء وتهويداً بإقامة أقصى ما يمكن من المستعمرات الإسرائيلية، الكبيرة والصغيرة، وشق الوحدة الجغرافية للضفة الغربية بجدار فصل عنصري قطّع أوصالها، وقضى على وحدة الأرض الفلسطينية التي كان يمكن أن يطبق عليها حل الدولتين، تطبيقاً مشوهاً، يجعل من الدويلة الموعودة، مجرد إقليم تابع لعنصرية النظام الصهيوني، بحكم ضآلة ما تبقى من الأرض التي كان يملكها السكان الأصليون، وبحكم تقطيع أوصال هذه الأرض تقطيعاً مدروساً، للقضاء على احتمالات قيام دولة طبيعية فيها .

إن الصورتين المتقابلتين للنتائج الجغرافية - السياسية لنظامي التمييز العنصري في فلسطين وجنوب إفريقيا، ترجح كفة النظام الإسرائيلي في ارتكاباته العنصرية، إذ اكتفى نظام جنوب إفريقيا العنصري، بفرض حكمه على سكان البلاد الأصليين، ولم يطردهم من أرض وطنهم، ويمنعهم من أي احتمال للعودة إليها .

لقد أصبح حل الدولتين لتسوية القضية الفلسطينية في حكم الأوهام، بحكم ارتكابات النظام العنصري الصهيوني، وأصبحت إزالة الجريمة التي ارتكبت في العامين 1948و،1967 لا حل لها، سوى تصفية النظام العنصري الصهيوني، تماماً كما فعل المجتمع الدولي بالنظام العنصري لجنوب إفريقيا، وإعادة الوحدة الجغرافية إلى أرض فلسطين التاريخية، مع عودة كاملة للسكان الأصليين، الذين طردوا منها على دفعات .

هذا هو الحل الواقعي الوحيد، أما الحديث عن حل الدولتين، فهو الوهم بعينه .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"