عادي

«زيكا».. الفقر والسياسة يحددان تكاليفه

03:27 صباحا
قراءة 4 دقائق
من أمراض الفقر، التي تتحمل المناطق الفقيرة وسكانها الشطر الأعظم من تكاليفها، دون أن يعني ذلك أنها مقصورة عليها.

أثار إعلان منظمة الصحة العالمية أن فيروس زيكا قد يصيب ما يبلغ أربعة ملايين شخص في الأمريكيتيْن، ردّ فعل شعبيّ غير متناسب، على الوباء المتنامي. ولكن زيكا، الذي يشكل مدعاة لقلق حقيقي بصورة مؤكدة، لا يستحق الذعر الذي تثيره التغطية الإعلامية المكثفة التي بدأت في أواخر عام 2015. وفي حين إن الذعر عامل مهم في استنهاض همم الحكومات لإبداء استجابات قوية في مواجهة تفشي المرض، فإنه يؤدي على الأرجح إلى ردود فعل سياسية على زيكا قصيرة الأمد- وإجراءات عامة ظاهرة مثل الكشف في المطارات، والحجْر الصحّي، وحملات التوعية- بدلاً من اتباع نهج أكثر عقلانية ودواماً لمواجهة الأسباب الجذرية للوباء.

وزيكا جزء من فئة الأمراض التي تُعرف باسم أمراض الفقر التي تستوطن المناطق الفقيرة حيث يتيح نقص البنية التحتية للصحة العامة انتشار الأمراض دون مقاومة كبيرة. وينتقل فيروس زيكا عن طريق فصيلة من البعوض تشمل نوع البعوض المسؤول عن نشر حمى الضنك والحمى الصفراء. وتنتعش تجمعات هذا النوع من البعوض في مناطق مثل الأحياء الفقيرة الممتدة في البرازيل، وتعززها عوامل من بينها وفرة المياه الراكدة، وضعف مرافق الصحة العامة والصرف الصحي، وارتفاع الكثافة السكانية.
والمجتمعات الفقيرة التي يُحتمل أن تتأثر بزيكا أكثر من غيرها، هي ذاتها الأقل تجهيزاً لمواجهة المرض. والبنى التحتية الجيدة للصحة العامة، لا تُقام بين عشية وضحاها، وقد تنقضي عدة عقود قبل أن تتحسن الظروف في الأحياء الفقيرة في البرازيل إلى الدرجة التي يمكن عندها احتواء الأمراض مثل زيكا بصورة فعالة، ومعالجتها على نطاق محلي.
وصُنّاع السياسة، عندما يواجههم شبح وباء وشيك، فإنهم يواجهون تحدّييْن حقيقيّيْن: الأول مسألة كيفيّة منع انتشار المرض فعلاً، والثاني، كيفية تهدئة روع جمهور الناخبين، بأكبر قدر من الفاعلية.
وعلى الرغم من أن القلق الأول، أهمُّ من دون شك، من حيث تقليل مُجْمل الأثر الصحي العام للمرض، فإن القلق الثاني لا ينبغي استبعاده باعتباره مجرد ممارسة للحفاظ على الذات من ناحية سياسية. فالخوف من المرض، الذي يمكن في بعض الحالات أن يكون أشدّ عدوى من المرض ذاته، يمكن أن تكون له آثارٌ اقتصادية واجتماعية سلبيّة حقيقيّة.
وفي الحالات القصوى، يمكن أن يشلّ الخوف من المرض، اقتصاد البلاد ويطغى على البنيان الاجتماعي إلى درجة الأزمة- كما شهدنا في غربيّ إفريقيا في أعقاب انتشار مرض إيبولا. وبصرف النظر عن الدوافع، فإن إجراءات الدولة الرامية إلى تهدئة المخاوف، جيدة عموماً لكل من عالم الأعمال، والصالح الاجتماعي العام.
وينشأ الخطر الحقيقي عندما تقف جهود اجتناب الخوف، في طريق تنفيذ سياسة سليمة للصحة العامة. فتطبيق الكشف عن الإصابة وحظر السفر، قد يخلق شعوراً زائفاً بالأمان، مما يؤدي بالناس في المناطق التي يُعتقد أنها آمنة، إلى اعتقاد زائف بأنهم في منجى من الخطر، ويشجعهم بالتالي على سلوكٍ أشدّ خطراً، ويزيد احتمالات الإصابة. واتخاذ خطوات بسيطة مثل تشجيع الحكومات للمواطنين على الممارسات الصحية الجيدة، لاجتناب الأفراد الذين يُحتمل أن يكونوا مصابين، والتبليغ عن أعراض المرض، يمكن أن تحقق الكثير في إبطاء انتشار الوباء من دون التسبب بذعر مباشر بالضرورة.
وبالنظر إلى أن الانتشار الجغرافي لمرض زيكا، يبدو حتميّاً على نحوٍ متزايد، فإنّ على الحكومات الآن أن تستبقه في الأماكن التي يحتمل أن يُسبب فيها أكبر الخسائر، وأن تضع خططها بناءً على ذلك. وإذا كان تجنبه غير قابل للتطبيق، فإن التأهب لمواجهته هو الاستراتيجية التالية المثلى.
والفقر عامل أساسيٌّ في تحديد المنطقة التي يصيبها المرض بضربته الموجعة. وفي البرازيل، يمكن أن تكون تجربتا الفئتيْن الغنية والفقيرة في المجتمع، اللتين تواجهان مرض زيكا، مختلفتين بدرجة مذهلة، بناء على مقدار الثروة. والأداء السيئ للبرازيل في التصنيفات العالمية للتفاوت في الدخل يسلط الضوء على التحدي الذي يواجهه البلد؛ فعلى الرغم من أن البرازيل ليست بين أفقر الدول في العالم من حيث القيمة المطلقة- وتأتي في واقع الأمر، أعلى بقليل من المتوسط العالمي لإجمالي الناتج المحلي للفرد الواحد- فإن تركيز الرخاء ضِمْن جيوب سكانية صغيرة نسبياً يعني أن ملايين من أفقر البرازيليين يعيشون في ظروف أدنى كثيراً ممّا ينبغي أن يعتبر مقبولاً.
وممّا يؤسَف له، أنّ مرض زيكا، على الأرجح، يفاقم عدم المساواة القائمة بين المناطق الغنية والفقيرة على الصعيد العالمي، وعلى الصعيد المحلي أيضاً. وعندما لا تكون تكاليف المرض موزعة على السكان بالتساوي، فإن الفئات الأضعف تضطر لا إلى مقارعة المرض ذاته وحسب، بل مقارعة التبعات الاجتماعية- الاقتصادية التي ترافقه أيضاً.

ولكي تكون أي خطة للحدّ من التكاليف البشرية لمرض زيكا، فعالة إلى أقصى درجة ممكنة، يجب أن تأخذ في الاعتبار أصول زيكا باعتباره من أمراض الفقر. والعالم المتقدم ليس محصّناً من الأمراض التي تظهر في الدول الفقيرة. وما دامت ظروف العيش في مجتمعات مثل الأحياء الفقيرة في البرازيل، تسمح بازدهار الأمراض وأنواع النواقل مثل البعوض، فإن أوبئة جديدة ستستمرُّ في الانتشار. ويعتمد الصراع الدائم بين الإنسان والميكروبات على قدرة كل من الطرفين على التكيف. ومع أخذ ذلك في الاعتبار، فإن أيّ ترقية متواضعة لنظم الرعاية الصحية وصيانة الصحة العامة المحلية في المناطق المعرضة للإصابة، ستكون عميقة الأثر في الحدّ من الخسائر البشرية جرّاء انتشار الأمراض في المستقبل.

جوشوا كروسكال

خريج برنامج كلية ميدلبري بولاية فيرمونت الأمريكية في السياسة الدولية والاقتصاد. موقع: انترناشيونال بوليسي دايجست

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"