عادي
نتنياهو زار 3 دول في حوض النيل وأعاد العلاقة مع 3 في غرب القارة السمراء

«إسرائيل» تغرز سكينها المسمومة في خاصرة العرب وإفريقيا

04:05 صباحا
قراءة 8 دقائق
كتب: عمار عوض
شكلت زيارة رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو إلى أوغندا وكينيا وإثيوبيا، بعد ربع قرن من آخر زيارة لرئيس حكومة في الكيان الصهيوني إلى إفريقيا التي كانت تقاطع «إسرائيل»، موقفاً جديداً في إطار الصراع العربي «الإسرائيلي»، ورغم أن الكيان حقق نقطة لصالحه في هذا الإطار، لكنه خسر أيضاً هدفه الاستراتيجي بان يحظى بمقعد مراقب في الاتحاد الإفريقي الذي رفض حتى فكرة زيارة نتنياهو لمقره، ناهيك عن أن يحصل على عضوية مراقب فيه مثل ما هو حال الجامعة العربية، وهو مكسب استراتيجي في هذا السياق.
بيد أن «إسرائيل» استطاعت أن تكسب في غفلة من العرب فرش البساط الأحمر لها وعقدها قمة في كمبالا التي جمعت رؤساء دول أوغندا وكينيا وإثيوبيا ورواندا وجنوب السودان وبوروندي، واتفاقهم على العمل المشترك سياسياً واقتصادياً، ومكمن الخطورة أن هذه الدول تمثل دول حوض النيل الذي يعد شريان الحياة لأكبر نسبة سكان عربية في مصر والسودان، كما أن هذه الدول تشكل الحد الفاصل بين شمال القارة ذي التوجه العربي وبين جنوب القارة الإفريقي، ووجود «إسرائيل» في هذا المجال الحيوي يمكن أن يعزل الجنوب الإفريقي عن ارتباطه ومناصرته للقضية العربية المركزية (فلسطين) وغيرها، ولم يكتف الكيان بتلك الزيارة وتمدد في الأيام الماضية نحو غرب القارة وأعاد العلاقة مع دول مثل توغو وغينيا وتشاد.
لكن بالنظر للنصف الآخر من الكوب نجد أن إفريقيا لم تكن بعيدة عن العرب عموما والخليج تحديداً، ورأينا كيف تعامل القادة الأفارقة مع قضايا أثارها مجلس التعاون الخليجي في ما يخص اليمن أو إيران، أو التحالف العسكري الإسلامي الذي دعت له السعودية ودعمه الخليج والذي ضم اكثر من 10 دول إفريقية، وشهدنا زيارات لرئيسي وزراء إثيوبيا وتشاد إلى السعودية ورئيس جنوب إفريقيا إلى دول خليجية، وارتفاع معدل تفاعل المسؤولين الرفيعين العرب والخليجيين بالزيارات إلى العديد من الدول الإفريقية.

عودة بعد انقطاع

تعود العلاقات الدبلوماسية بين «إسرائيل» والدول الإفريقية إلى بداية ستينات القرن الماضي أيام حركات التحرر من الاستعمار الأوروبي، لكن تلك العلاقة تقلصت وانقطعت في أعقاب الحرب العربية «الإسرائيلية» عام 1973، حيث وقفت معظم الدول الإفريقية إلى جانب العرب، و انحازت للقضية الفلسطينية. فالاحتلال المستمر للأراضي الفلسطينية إلى جانب عامل آخر أكثر قوة، هو إقامة «إسرائيل» علاقة دافئة مع نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا قبل سقوطه في عام 1994، جعل الدول الإفريقية تنظر إلى «إسرائيل» على أنها دولة احتلال تحتل أراضي الغير بالقوّة العسكرية، ومنذ ذلك التاريخ كان الاحتلال يحاول كسر عزلته في المجال الدّولي، وذلك بكسب ود الدول الإفريقية ومحاولة ترميم علاقته معها.
وحسب تصريح نتنياهو غداة انطلاق جولته الإفريقية التي وصفت بالتاريخية، فإنها تكون بمثابة العودة إلى القارة السمراء والولوج إليها من البوابة العريضة، وأن «إسرئيل» لديها فرصة كبيرة لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية مع بعض الأسواق الناشئة الواعدة في إفريقيا.
تعتبر زيارة نتنياهو أول زيارة من نوعها يقوم بها رئيس وزراء «إسرائيلي» إلى دول إفريقيا جنوب الصحراء منذ زيارة إسحاق شامير التي شملت أربع دول في غرب القارة عام1987.
ومع قطع معظم الدول الإفريقية علاقاتها الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني، إلّا أن «إسرائيل» ظلت على علاقة وثيقة ولو بشكل غير رسمي مع معظم تلك الدول، وتضاعفت تجارتها مع إفريقيا من 54.8 مليون دولار إلى 104.3 مليون دولار وتركزت بالأساس في الزراعة والتكنولوجيا.

كسر الطوق

من المفارقات العجيبة واللافتة للنظر أن «إسرائيل» تمتلك رصيداً كبيراً لدى بعض الدّول الإفريقية في ميادين الاستخبارات والتدريبات العسكرية، وقد استمرت مساعداتها العسكرية المقدّمة لتلك الدول حتى في ظل سنوات القطيعة الدّبلوماسية، خاصة في مجال تدريب قوات الشرطة، وقوات الحرس الرئاسي لعدد من الدول الإفريقية مثل زائير (الكونغو الديمقراطية حالياً) والكاميرون، كما تنشط هذا المساعدات في إثيوبيا ودول القرن الإفريقي، حيث ساهمت في نقل الخبرات الفنية إلى تلك الدّول عن طريق برامج تدريبية معينة.
مما لا شك فيه أن الكيان يعاني من عزلة دولية حيث يتعرض لانتقادات شديدة بسبب مواقفه المتعنتة والمتشددة حيال الحقوق الفلسطينية واستمرار الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ورفضه لمبادرة السلام العربية ومراوغته بشأن حل الدولتين.

تأتى هذه الزيارة في إطار محاولة «إسرائيل» الرامية إلى كسر تلك العزلة، خاصّة بعد الاتفاق الذي وقّعه الكيان مع تركيا قبل أسبوع من جولة نتنياهو، حيث تحاول «إسرائيل» كسب شركاء آخرين في القارة السمراء، والهدف من ذلك كسب أصوات الدول الإفريقية في المحافل الدّولية، كما تسعى «إسرائيل» إلى الحصول على عضوية مراقب في الاتحاد الإفريقي، وطالبت بذلك كلًّا من كينيا وإثيوبيا مراراً، لما يحققه ذلك من ضمان تواجدها في القارة لأن الانضمام إلى الاتحاد يعني أن لها علاقة غير مباشرة مع دول شمال إفريقيّا، لكن هذا المسعى لا يمكن تحقيقه في هذه الظروف، حيث رفض الاتحاد الإفريقي استقبال نتنياهو في مقره بأديس أبابا على هامش زيارته إلى إثيوبيا. ما يعني أن الاتحاد لن يوافق على منح «إسرائيل» العضوية.

مدخل زراعي امني

من واقع رصد العلاقات التي تربط «إسرائيل» بالدول الأربع التي زارها نتنياهو نصل إلى نتيجة منطقية، هى أن التعاون قائم منذ سنوات وليس وليد اللحظة، فبالنسبة لأوغندا نجد أن وزير الخارجية «الإسرائيلي»، أفيغدور ليبرمان، زارها عام 2009 ورافقه مسؤولون أمنيون واستخباريون، وكذلك 20 من رجال الأعمال وممثلي الشركات «الإسرائيلية»، وهي الزيارة التي تفجر بعدها ارتفاع المطالبات بتعديل اتفاقية مياه النيل التي رفضتها مصر والسودان وقادت في الختام إلى ان تشرع إثيوبيا في بناء سد النهضة الذي تعتبره مصر خطرا على امنها القومي والمائي.
وفى الوقت نفسه قام وفد من شركة المياه والري «الإسرائيلية» بزيارة أوغندا لتنمية ووضع خطة لنظم الري، لتقليل الاعتماد على مياه الأمطار في تلك المناطق، وبهدف رفع الإنتاجية الزراعية وتفادي موجات الجفاف.
أما رواندا فتعتبر «إسرائيل» أحد شركاء الدعم والتنمية للنظام، وتعتبر العلاقات بين البلدين جيدة ومرشحة للتنوع والزيادة فى المستقبل، ففي 2008 قام الرئيس الرواندي بأول زيارة للكيان، حيث شارك في احتفالات مرور 60 عاما على ما يسمى تأسيس «إسرائيل»، التي تحاول دائما التركيز في خطابها إلى النخبة الرواندية على التماثل القائم بين رواندا والكيان، الذي يمتد ليشمل مقارنة حجم كل من الدولتين الصغير وسط جيرانهما الكبار، حيث تتمكن رغم حجمها من التفوق على جيرانها عسكرياً وحضارياً مروراً بمأساة الإبادة الجماعية التي عانى منها اليهود والروانديون.
تتراوح قيمة الصادرات «الإسرائيلية» السلعية إلى رواندا سنوياً ما بين 1.6 إلى 2 مليون دولار، في حين تبلغ الصادرات الرواندية حوالى 1.9 مليون دولار سنوياً تتمثل في الشاي وبعض مواد التعدين. كما يتركز التعاون في جانبي التدريب العسكري للجيش الرواندي وقوات الحرس الجمهوري خاصة، وتشرف شركات «إسرائيلية» على تأمين المطار في العاصمة كيغالي إلى جانب وجود شركات «إسرائيلية» تعمل في الزراعة وتطوير نظام الري.
ونجد ان كينيا التي قطعت علاقتها مع «إسرائيل» عام 1973 عقب حرب أكتوبر، التي شهدت تضامنا إفريقياً مع المواقف العربية، أعادت العلاقات عام 1988، وبعدها تطورت العلاقة في مجال الأمن والاستخبارات في إطار الحرب على الإرهاب إلى جانب الزراعة فتقوم «إسرائيل» من خلال الماشاف (مركز التعاون الدولي التابع لوزارة الخارجية «الإسرائيلية») بتنظيم دورات سنوية للكوادر الكينية في المجالات الزراعية، بالإضافة إلى دورات تدريبية في مجال الأمن، وهناك اتفاق موقع بين البلدين للتعاون الأمني في مجال مكافحة الإرهاب وتقدم «إسرائيل» الكثير من المساعدات الفنية لكينيا في مجال بناء قدرات الكوادر لإدارة موارد المياه وبصفة خاصة أساليب الري الحديثة.
إثيوبيا التي تعتبرها «إسرائيل» دولة مؤثرة ومفتاحية لاحتضانها مقر الاتحاد الإفريقي والتي أعادت فتح سفارتها فيها عام 1988 بعد قطع العلاقات عقب حرب أكتوبر، وأنشأت بها وحدة تابعة لجهاز المخابرات (الموساد) تحظى بالاهتمام بسبب موقعها، وكونها دولة غير عربية أو إسلامية مجاورة للمنطقة العربية، بالإضافة إلى الدور الذي تلعبه في أمن البحر الأحمر والحرب على الإرهاب والتطرف في منطقة القرن الإفريقي وفى الصومال بشكل خاص.
وتعتبر «إسرائيل» من أهم موردي السلاح لإثيوبيا في مقابل أن يسمح النظام الإثيوبي بتهجير اليهود الفلاشا إلى فلسطين المحتلة، وتعتبر إثيوبيا من أكثر الدول التي تمتنع عن التصويت على قرارات الأمم المتحدة التي تتخذ ضد الممارسات «الإسرائيلية» في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

خلف الستار

كشف الدبلوماسي «الإسرائيلي» السابق بوعاز بيسموت في صحيفة «يسرائيل اليوم» النقاب عن قيام مدير عام وزارة الخارجية دوري غولد بزيارة تاريخية إلى دولة تشاد الإفريقية قبل أيام قليلة، وتباحث مع رئيسها حول تطوير العلاقات بين الجانبين، في إطار السياسة «الإسرائيلية» الجديدة تجاه القارة الإفريقية، عقب الجولة الواسعة التي قام بها رئيس الحكومة نتنياهو. وأضاف أن العلاقة «الرومانسية» الناشئة بين «إسرائيل» وإفريقيا، بمبادرة من نتنياهو، آخذة بالتعمق شيئا فشيئا، وهي اليوم تقود الاتحاد الإفريقي، حيث تتوق «إسرائيل» للعودة إليه بعد تجميد عضويتها كمراقب منذ 25 عاما.
وأكد أن تشاد واصلت إقامة علاقات مع مستشارين «إسرائيليين»، وأعربت عن تفاخرها بهذه العلاقات، حتى أن رئيسها ادريس ديبي تحدث مؤخرا عن إعجابه ب«إسرائيل» وقواتها الأمنية خلال محادثة له مع دبلوماسيين من الكيان.
وكشف أن رئيس توغو سيقوم بزيارة «إسرائيل» في القريب العاجل، تمهيدا لجولة جديدة سيقوم بها نتنياهو بعد أشهر عدة، وستكون هذه المرة في غرب إفريقيا، عقب زيارته الناجحة إلى شرق القارة قبل أسبوعين.
بدوره، ذكر إيتمار آيخنر المراسل السياسي لصحيفة يديعوت أحرونوت أن تجديد العلاقات مع غينيا بعد قطيعة منذ عام 1967 يعدّ إغلاقا لمرحلة تاريخية امتدت 49 عاما، موضحا أن عدد الدول الإفريقية التي ليست لديها علاقات دبلوماسية كاملة مع «إسرائيل» يتقلص مع مرور الوقت، وزعم أن بين «إسرائيل» وغينيا علاقات صداقة قديمة، حتى قبل إقامة العلاقات الدبلوماسية، و«إسرائيل» تشعر بالفخر لمشاركتها في الجهود الدولية لمحاربة فيروس إيبولا الذي يهاجم غينيا أيضا، وهي مستعدة لتقديم قدراتها وإمكانياتها كافة في كل المجالات التطويرية لصالح غينيا، كاشفا النقاب عن أن وزير الخارجية ليبرمان التقى قبل خمس سنوات رئيس غينيا في باريس.

مدخل للعودة

من الواضح ان التعاون «الإسرائيلي» الإفريقي يتركز في ثلاثة محاور هي الزراعة والمياه والامن ولو كان لدى الدول العربية رغبة في استبقاء الافارقة إلى جانب قضاياهم المركزية في المحافل الدولية، فان المدخل يتمثل في رفع حجم التبادل التجاري والاستثمار الفعال في افريقيا التي تعد ارض الفرص وعلى رأس ذلك اقامة تحالفات عسكرية ومناورات مشتركة بين الجيوش العربية والإفريقية ورفع مستوى التعاون الاستخباري في اطار مكافحة الارهاب او غيره فان العالم اليوم صارت المنافع فيه تبادلية ويجب ان يجد العرب ما يقدمونه لافريقيا وليس البكاء على اطلال الموقف الإفريقي المقاطع ل «إسرائيل» في حرب 1973.

تحرك فلسطيني

رغم الجهود «الإسرائيلية» في القارة الإفريقية، فإنه لا زال هناك عدد من الدول الإفريقية التي لا ترتبط بعلاقات دبلوماسية مع «إسرائيل»، منها مالي، والنيجر، وتشاد، وجيبوتي، والصومال، والسودان.
وكان رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس (أبومازن)، زار الخرطوم الاسبوع الماضي وناقش مع الرئيس السوداني، عمر البشير، التحركات «الإسرائيلية» في شرق إفريقيا، وكشف وزير الخارجية الفلسطيني، رياض المالكي، عن مناقشة البشير وأبومازن لزيارة نتنياهو لأربع دول إفريقية، واجتماعه مع سبعة مسؤولين من دول إفريقية، وقال للصحفيين: تابعنا هذه الزيارات التي قام بها رئيس الوزراء «الإسرائيلي»، إلى أربع دول إفريقية، وعقد اجتماعات مع 7 مسؤولين من دول إفريقية في شرق القارة. ولفت المالكي إلى أهمية وضرورة وجود تنسيق وتحرك عربي مشترك حيال القارة الإفريقية، ل»لجم» أي محاولات ««إسرائيلية»» لإحداث اختراق له علاقة بمواقف الاتحاد الإفريقي والدول الإفريقية، حيال القضية الفلسطينية وعدالة القضية الفلسطينية. ويعتبر السودان مدخلا جيدا لافريقيا جنوب الصحراء ويمكن ان يلعب دورا اكبر في محاصرة التمدد «الإسرائيلي» او التقليل من اضراره وفاعليته.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"