عادي

كيف تقضي الأمم المتحدة على الكوليرا في هايتي؟

04:34 صباحا
قراءة 3 دقائق
رالف فريريتشس

بعد أن اعترفت الأمم المتحدة أخيراً، بمسؤولية قوات تابعة لها، عن نشر وباء الكوليرا في هايتي، يجب عليها الالتزام بالقضاء عليه هناك، لحماية المزيد من الأرواح التي يتهددها الوباء.
لا يكفي أن الأمم المتحدة بدأت أخيراً الاعتراف بتورطها في نشر وباء الكوليرا القاتل في هايتي. بل يجب عليها الآن، وبصورة ملحة، أن تفعل كل ما في وسعها للقضاء على الكوليرا في هايتي، قبل أن يموت آلاف آخرون من الناس.
كان وباء الكوليرا قد جُلب إلى هايتي في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2010، من قِبل قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، من نيبال. كان بعض جنود حفظ السلام من نيبال مصابين بالمرض في بلدهم الأصلي. وبالنظر إلى تقارب مساكنهم في معسكرهم، وممارسات الصرف الصحي السيئة، انتشر المرض سريعاً في أنحاء المعسكر النيبالي بالقرب من قرية ميرباليه الداخلية.
وفي المراحل الأولى، تسرّب بعض فضلات البراز الملوثة من المعسكر النيبالي إلى نهر مجاور، أصاب عدداً قليلاً من الهايتيين بالمرض. وبعد ذلك، تم تفريغ الفضلات المتراكمة في المعسكر في النهر المحلي من قِبل مقاول تابع للأمم المتحدة، غير خاضع لإشراف مناسب. ويصب هذا النهر المحلي في نهر ارتيبونايت الرئيسي، الذي يُعتبر سلة الخبز في هايتي، قبل أن يصبّ في البحر الكاريبي.
وفي أعقاب ذلك، انتشر الوباء على طول نهر ارتيبونايت سريعاً، فأودى بحياة 10 آلاف شخص أو أكثر، بالإضافة إلى مَن لا يزالون يموتون كل شهر. ويمكن مقارنة أعداد الوفيات في هذا البلد الفقير، بمجموع أعداد الوفيات التي تعزى إلى وباء إيبولا الذي انتشر في دول عديدة في غرب إفريقيا عام 2014.
وعندما لم يكترث خبراء علم الأوبئة من منظمة الصحة العالمية، و«مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها» في الولايات المتحدة، باكتشاف مصدر تفشي الكوليرا، اتجهت حكومة هايتي إلى عالم الأوبئة الفرنسي، الدكتور رونو بييرو، الذي مضى من خلال تحقيق ميداني دام ثلاثة أسابيع، إلى فك لغز ما قد حدث. وشرعت الأمم المتحدة في حملة تسَتّر نشيطة، دامت أكثر من خمس سنوات.
وفي غضون ذلك، ابتكر بييرو وزملاؤه الفرنسيون والهايتيون استراتيجية للقضاء على الكوليرا في هايتي. وتأخذ تلك الاستراتيجية في الاعتبار أن بكتريا الكوليرا تنتشر بأقل فاعلية لها خلال موسم الجفاف، ثم تندفع منتشرة بسرعة خلال موسم الأمطار. ويؤكد بييرو أنه إذا أمكن القضاء على الكوليرا أثناء موسم الجفاف، فلن يكون هنالك كوليرا تنتشر خلا ل موسم الأمطار، ما لم يتمّ إدخالها مرة أخرى عبر نشاط بشري خارجي.
وعلى مدار السنة، لكن بشكل مكثف خلال موسم الجفاف، تَستخدم هذه الاستراتيجية استجابة سريعة وخرائط تفصيلية لتحديد الأسر التي توجد فيها حالات إصابة بالكوليرا. ويهرع فريق متنقل، فيعالج الحالات التي يتم التبليغ عنها، ويزور الأسر المجاورة مع اتخاذ إجراءات وقائية، منها إضافة الكلور إلى الماء، للحدّ من انتقال المرض من الأسرة الأولى.
وعلى نحو لا يمكن التغاضي عنه، لم توفر الأمم المتحدة تمويلاً كافياً للإبقاء على نشاط الفرق المتنقلة، والإمدادات المتاحة لإخماد الوباء.
ويمكن التفكير أيضاً بإجراء تطعيم شامل لسكان هايتي، ولكن في الوقت الحاضر، لا يتوفر المخزون الضخم الكافي من اللقاح، ولا التمويل اللازم لتوزيعه.
ومن الضروري، على المدى الطويل، إجراء تحسينات أساسية على طرق الحصول على مياه الشرب، وعلى طرق الصرف الصحي، للقضاء على وباء الكوليرا قضاءً مبرماً. ولكن ذلك سيستغرق وقتاً، وفي الوقت الحالي، تعتبَر الاستراتيجية التي يفضلها بييرو ومجموعته، الطريقة الوحيدة للحدّ الفوري من أثر الكوليرا. وبالتمويل الكافي يمكن تحقيق قفزات واسعة للتخلص من المرض خلال فصل الجفاف، الذي يبدأ عادة حوالي شهر نوفمبر/ تشرين الثاني.
ولمّا كانت الأمم المتحدة هي التي أدخلت الكوليرا إلى هايتي، فإنه يجب عليها الآن، أن تلتزم بالقضاء على الكوليرا في هايتي. والزمن ذو أهمية حاسمة، إذ إن مصير كثير من الأرواح الأخرى مرهون بالتصرف واتخاذ الإجراءات اللازمة.

أستاذ فخري في علم الأوبئة في جامعة كاليفورنيا.
مجلة: كومون دريمز الإلكترونية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"