عادي
المهرجان يخصص برنامجاً للتقنية الجديدة

الواقع الافتراضي.. قفزة تكنولوجية إلى مستقبل جديد للسينما

03:45 صباحا
قراءة 6 دقائق
دبي:عبير حسين

في البداية كان الصوت، ثم إضافة الألوان، وبعد عدة عقود جاءت الأبعاد الثلاثية، واليوم تبدأ تقنية الواقع الافتراضي. هكذا يمكن التأريخ للقفزات المهمة، والتطورات المذهلة التي شكلت ملامح الفن السابع منذ عرف العالم السينما على يد الأخوين لومير عام 1895 وحتى الآن.
وعلى الرغم من أن استخدام تقنية الواقع الافتراضي (VR) سينمائياً ما زالت في بداياتها الأولى، فإنها تبشر بتطور مذهل، وتغيير كبير سيطرأ على التجربة السينمائية التي لن تقتصر على إمكانية مشاهدة الأفلام من زوايا مختلفة، وربما معايشة التجربة مع أبطال القصة، لكنها ستذهب إلى أبعد من ذلك بكثير من الفرص التي ستمنحها لصناع السينما المستقلة، إضافة إلى التقنية الهائلة التي ستطرأ على كاميرات التصوير السينمائي بعد ابتكار عدسات بزاوية 360 درجة، وتطوير تقنيات التصوير مثل (4K) إضافة إلى شاشات الأبعاد الثلاثية.

جيسكا بريلهارت المخرجة الرئيسية للواقع الافتراضي الخاص بشركة «غوغل»، تقول: «الواقع الافتراضي متعلق بالتجربة، والذكريات والأحلام. إنه يلتقط اللحظات والمشاعر بطرق صريحة وغير معدلة. هنا ستصبح تجربة المشاهدة أكثر خصوصية، ومشحونة باللحظات الفريدة والمشاعر الخاصة».
ومبكراً أدرك مهرجان دبي السينمائي أهمية التقنية الجديدة التي ستصبح مثار اهتمام السينمائيين والمشاهدين خلال الأعوام المقبلة، فأضاف إلى جدول أعمال دورته الحالية، برنامجاً جديداً بعنوان «Diffrent Reality» يقدم من خلاله تجربة فريدة ومميزة عبر 10 أفلام متنوعة تعرض بتقنية الواقع الافتراضي عدة قضايا مهمة، وتلبي أذواق طيف واسع من المشاهدين المتحمسين للتعرف إلى التقنية الجديدة.
وإذا كنت من أنصار حماية البيئة، ومن المهتمين بقضايا تلوث الأرض، يمكنك مشاهدة فيلم «عندما نفقد الأرض كلها، هل نتناول الفحم؟» للمخرجة الهندية فايزة أحمد خان، ويصور تجربة مقاطعة «كوربا» الصغيرة وسط الهند؛ حيث تسببت عمليات التنقيب عن المعادن فيها عبر عقود طويلة في تدمير الأرض، وتلويث الهواء والماء، وإصابة الآلاف بالأمراض. أما إذا كنت من المتابعين لأبرز القضايا الإنسانية العالمية التي يعانيها عالمنا اليوم، فيمكنك مشاهدة فيلم «لا حدود» للمخرج الإيطالي العراقي حيدر رشيد، ويوثق خلاله أزمة اللاجئين في إيطاليا، وتجربة متطوعين يديرون بأنفسهم مراكز الاستقبال، ويمثل الفيلم صرخة إنسانية على التباين الشديد بين تعامل المؤسسات مع قضايا اللاجئين.
هواة علوم المستقبليات، أيضاً يمكنهم التمتع بتجربة سينمائية لا تشبه أي مشاهدة سابقة عبر فيلم «إزالة الجليد» للمخرج الأمريكي راندال كلايزر، الذي تدور أحداثه في العام 2045، حين يصبح استخدام النيتروجين السائل شائعاً لتجميد المرضى إلى حين اكتشاف علاجات مناسبة لهم، ونتابع في الفيلم حالة «جوان» بعد استيقاظها من حالتها المجمدة بعد مرور 30 عاماً. إلى جانب عدد آخر من الأفلام أهمها «بحيرة بيكال.. العلم والروحانية: روح الشتاء» للمخرجان الروسي جورجي مولودسوف، والأمريكي مايكل أوين، وفيلم «سكاكين» للمخرج الكندي آدم كوسكو، وفيلم الخيال العلمي «أنا فيليب» للفرنسي بيار زاندروفيتش.
ويقدم المخرج حسن كياني أولى التجارب الإماراتية في عالم سينما الواقع الافتراضي بعرض فيلمه «فلاش» من بطولة ياسر النيادي، وإبراهيم استادي، وخالد النعيمي، وكسينيا جيورنو. ويكشف الفيلم سلسلة من الأحداث الغامضة عبر رحلة لطالب إماراتي عائد من الدراسة في الخارج، ويقرر الانطلاق في رحلة مع الأصدقاء القدامى. وساهمت منحة «إنجاز» من سوق مهرجان دبي السينمائي في دعم الفيلم.
وتحت عنوان «هل تغير تقنية الواقع الافتراضي الفن السابع؟» نشرت مجلة «نيوزويك» الأمريكية تحقيقاً موسعاً لفتت في بدايته إلى الاهتمام المتزايد بالتقنية الذي بدا واضحاً في عرض عدة أفلام بمهرجان «صن دانس السينمائي» الذي يقام في «بارك سيتي» بولاية «يوتاه»، ومهرجان «كان» الذي خصص جزءاً كبيراً من فعاليات «NEXT» لعرض أفلام قصيرة بتقنية (VR) نجحت في اجتذاب عدد هائل من الجمهور. واستعرض التقرير المحاولات التقنية الجادة التي تتبناها شركات تقنية عملاقة للاستفادة من تقنيات الواقع الافتراضي في عالم السينما، بعد عدة سنوات من نجاحها على منصة الترفيه والألعاب الإلكترونية. وأشار إلى أن «فيس بوك» كانت أولى الشركات التي أنشأت استوديو خاصاً لصناعة الواقع الافتراضي داخل استوديوهات «أوكيلوس» وأنتجت بالتعاون مع شركة «بيكسار» فيلم «LOST» (مفقود) عرض ضمن فعاليات مهرجان «صن دانس».
جايسون روبن مدير قسم المحتويات في «أوكيلوس»، يقول، إن للواقع الافتراضي مستقبلاً مذهلاً على صعيد التعليم والثقافة والسياحة والسينما، ولن يتوقف عند حدود الترفيه، مشيراً إلى زيادة عدد الشركات الناشئة في «وادي السليكون» في «بالو ألتو» بولاية كاليفورنيا الهادفة إلى ابتكار تقنيات جديدة في تصوير الأفلام بالواقع الافتراضي، ومن أشهرها شركة «جاونت في آر» التي أنتجت بالتعاون مع ستديوهات «نيو ديل ستدوديوز» فيلم «كاييجو فيوري» باستخدام كاميرا بزاوية 360 درجة، التي تستخدم بدورها عدسة «غو برو» الثقيلة المعدلة من «غوغل»، وتعمل الشركة على تطوير كاميرا رقمية متطورة يمكنها معالجة ملفات الفيديو ذات البيانات الهائلة المكونة من مئات الغيغا بايت. كما تبحث عن كيفية ابتكار تقنيات جديدة بغية تحريك مثل هذا الكم الكبير من البيانات.
وأعلنت شركة «سامسونغ» عن الدخول في شراكة مع «ديفيد ألبرت» المنتج المنفذ لمسلسل The walking dead الذي أعلن قبل عدة أسابيع تعاقده مع ستوديو «سكايباوند» لإنتاج سلسلة من الفيديوهات الخيالية بتقنية VR.

فرص وتحديات جديدة

على الرغم من التوقعات المتفائلة لازدهار تقنية الواقع الافتراضي سينمائياً، فإن التحديات التي تواجه انتشارها ليست بالهينة، إذ ما زالت السماعات التي يُفترض أن ترتدى لمعايشة التجربة، غير متاحة بأسعار مناسبة للمشاهدين العاديين، كما أن إنتاجها حالياً يقتصر على 4 شركات عالمية فقط. كذلك يجب عدم الإفراط في التفاؤل باقتراب تنفيذ فيلم روائي كامل بالتقنية نظراً للصعوبات التقنية التي ما زالت تواجه إنتاج كاميرات تصوير فائقة السرعة، وسهلة الاستخدام بزاوية 360 درجة، فضلاً عن مشكلة تحديث دور السينما لتتوافق شاشاتها مع التقنية، ومدى إمكانية تجاوز الدوار الذي يشعر به المتفرج بعد خلع نظارات الواقع الافتراضي، وهي نفس المشكلة التي واجهت تقنية 3D في بدايتها.
المخرج الأمريكي الشهير ستيفن سبيلبيرغ أعلن صراحة خلال مشاركته في فعاليات مهرجان «كان» السينمائي في مايو/ أيار الماضي عن مخاوفه من أن يكون الواقع الافتراضي مستقبل الأفلام، مبرراً ذلك بأن هذا يعني سيطرة التقنيين على صناعة السينما، وهنا تساءل: «إذا كان المشتغلون بالتكنولوجيا سيصنعون أفلاماً، ماذا سيبدع الفنانون؟».

مهام إنسانية

«صينية معدنية دائرية يحيط بها 4 أطفال، وفيها أطباق ملئت بالمعكرونة، والحمّص، واللبنة، والزيتون، والباذنجان المخلل. نظرت إلى اليسار فإذا بإبريق شاي فضي. ونظرت يميناً، فالتقطت عيناي كيساً بلاستيكياً فيه خبز. وُضعت الصينية على أرضية أسمنتية لم تكتمل بعد، غُطيت بأغطية شتوية ثقيلة، بينما علقت الملابس الشتوية الثقيلة على ماسورة مياه. رفعت رأسي إلى أعلى، فإذا بي أرى مصباحاً يتدلى من سقف أسمنتي لم يكتمل. وعندما نظرت مجدداً إلى أسفل، رأيت طفلة رضيعة تقترب مني وتحاول أن تحدّق في عيني، إلى أن أدركت أنني لم أكن هناك في الواقع وأنها كانت تحاول التحديق في كاميرا تصور بمجال 360 درجة. نزعت السماعات من أذني وخلعت طوقها من وجهي. كنت غارقاً في واقع آخر.. واقع افتراضي».
تلك كانت كلمات المخرج بسام سبتي، على مدونة البنك الدولي بعد مشاهدته للفيلم الإنساني الذي يتناول واقع اللاجئين السوريين، أمونة وفياض سلوم، وأطفالهما الأربعة الذين يعيشون في مخيم عشوائي للاجئين في بيروت، الذي صور بتقنية الواقع الافتراضي وأنتجه البنك الدولي.
يقول بيتر فون إلينغ، مخرج الفيلم: «إنهاء الفقر هو مسعى معقد وصعب. وتعد أفلام (VR/‏‏360) وسيلة أخرى من وسائل استعراض محاولات مواجهته والتأثير العميق الذي يمكن أن تحدثه في حياة من يكابدون الفقر».
هناك أيضاً «الغيوم فوق سيدرا»، الفيلم الذي صور بتقنية الواقع الافتراضي ويستعرض حياة أكثر من 90 ألف لاجئ سوري في «مخيم الزعتري» بالأردن، ونجح الفيلم عند عرضه خلال مؤتمر المانحين الإنساني عام 2015، في جذب تبرعات بلغت 3.8 مليار دولار خصص منهم 2.5 مليار للاجئين السوريين متجاوزين الحد الأقصى المتوقع للمساعدات سلفاً الذي قدر بنحو 2.3 مليار دولار.
فيلم «موجات الرحمة» المصور بتقنية VR نجح هو الآخر في اجتذاب مليارات الدولارات عند عرضه خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة 2015 ويتتبع حياة أحد الناجين من وباء «إيبولا»، في الأحياء الفقيرة بمنطقة «ويست بوينت» بالعاصمة الليبيرية منروفيا.

فئة خاصة في «جوائز إيمي»

هل ستصبح لأفلام الواقع الافتراضي منافساتها السينمائية الخاصة، أم ستطرح للمنافسة أمام الأفلام التقليدية؟ سؤال طرحه نقاد عدة بعد إدراج «جوائز إيمي» الشهيرة لفئة خاصة بأفلام الواقع الافتراضي ضمن دورتها الأخيرة في سبتمبر/أيلول الماضي، ومنحت خلالها أولى الجوائز في الابتكار لفيلم «هنري» من إنتاج استوديوهات «بيكسار»، للمخرج راميرو لوبيز داو.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"