عادي

«الشعر النبطي».. ابن «العربية» الفصيحة

23:10 مساء
قراءة 4 دقائق

الشارقة: علاء الدين محمود
كثيرة هي المؤلفات والمقالات التي تناولت الشعر النبطي في علاقته بالعربية الفصيحة؛ حيث يرى كثيرون أنه ينتمي إليه، بل وذهب آخرون إلى أنه ضارب في القدم؛ حيث إن تلك الكتابات في مجملها قدمت إضاءات ساطعة حول الشعر الشعبي ونسبة مفرداته وألفاظه إلى الفصحى، وهو جدل كبير ظل قائماً إلى اليوم.

كتاب «النبطي الفصيح.. غوص في لغة الشعر النبطي»، للكاتب والباحث والشاعر سالم الزمر، الصادر في طبعته الأولى عن مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث، عام 2013، وهو من الدراسات البحثية المهمة في الشعر الفصيح، ففيه إحاطة شاملة بكلمات وألفاظ الشعر النبطي، وقد نجح الكتاب في رد أكثر من 290 مفردة وردت في الشعر النبطي الإماراتي إلى أصولها العربية الفصيحة، وعمل المؤلف على إجلاء وتوضيح وإثبات حقيقة ارتباط الشعر النبطي باللغة العربية الفصيحة.

ويستغرق الكتاب في توضيح هذه الكلمات والمفردات التي تقارب ال 290، ومنها: «الرمسة»، و«جعد»، و«سبسب»، و«دل»، و«الخرس»، و«دساسة»، و«مسدي»، و«الربخ»، و«سواعير» و«دن»، و«مرحت»، و«حاس»، و«خوع»، وغيرها، والمؤلف يركز على أشهر تلك المفردات في الشعر النبطي الإماراتي، ويقدم العديد من النصوص لكبار الشعراء.

جدل

يُسهم الكتاب في إثراء النقاش حول الشعر الشعبي الإماراتي ومصادره، وهي نقاشات ومحاورات لم تنقطع، ففي حين يرى البعض أن الشعر النبطي هو نظم عمودي يشبه الشعر العربي التقليدي، في أوزانه وقوافيه وشكله، ولا يختلف عنه إلا في كونه يُقال باللهجة العامية البدوية؛ أي إنه متفرع من الشعر العربي التقليدي الفصيح، ولم يفصله عنه في الأساس سوى انحراف اللغة وفساد الألسنة، وجد آخرون أن الشعر النبطي أقدم من الفصيح، وهو الذي توارثته العرب من عصر الأنباط، وقد لفت كثير من الباحثين إلى أنماط لغوية متعددة أطلقوا عليها لهجات أحياناً، ولغات أحياناً أخرى، تمثلت في نطق بعض الحروف والكلمات، وفي كل الأحوال فإن هذا الجدل يدلل على أن القبائل العربية حافظت على وجودها واستقرارها وعاداتها وتقاليدها الإيجابية، كالكرم والفخر وإجارة المستجير والفروسية، وسجلت ذلك في أشعارها النبطية.

والمؤلف عمل على تأكيد أن الشعر الشعبي المسمى في الإمارات بالشعر النبطي، ليس بدعاً من الشعر، وليس هجيناً بعيداً عن العربية، بل هو ابنها؛ لأن لغته لغتها لولا تحلله من قواعد النحو والصرف في الفصحى وشعرها، هو أمر أشار إليه المفكر ابن خلدون في مقدمته التي وصف فيها الشعر النبطي بالشعر البدوي، وأما ألفاظه فما هي إلا العربية الأصيلة التي تزخر بها مراجع اللغة وأمهات الكتب، والكتاب يضم عدة أبحاث ومقالات كتبها الزمر في الصحف، ويعرض فيه مجموعة من الألفاظ التي تحتويها قصائد كثير من شعراء النبط الأوائل والأفذاذ، بدءاً من الماجدي بن ظاهر، مروراً بمبارك العقيلي، وراشد الخضر، وأحمد بوسنيدة، وسعيد بن عتيج الهاملي، من أجل الوقوف على تلك الألفاظ التي يحسبها الناس عامية غير فصيحة، فهو يردها إلى أصلها الفصيح مستعيناً بالقرآن الكريم، وكتاب «لسان العرب» وغيره من كتب اللغة، مورداً قبل إيراد اللفظ أبيات شعراء النبط الإماراتيين، ونُبذاً من قصائدهم وشواهد على تلك الألفاظ من الشعر العربي الفصيح والآثار القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، وأدلة اللغويين على فصاحتها.

ويلفت المؤلف، إلى أن أهل الإمارات، الأوائل على الأقل، جلهم إن لم يكن كلهم هم عرب أقحاح، جميعهم ينتسبون إلى قبائل هاجرت من الجزيرة العربية، ومنهم من ينحدر من القبائل الأزدية في عمان، وهي جميعها تتكلم بلهجات عربية تغلب عليها في الوسط والغرب خاصة، لهجة واحدة تختلف أحياناً في نطق بعض حروفها ومخارجها حتى في الإمارة الواحدة، أما في الشمال الشرقي في المناطق التي تسمى الشميلية أو الساحل الشمالي؛ فلهم لهجة تقترب أكثر من لهجات أهل عمان، ربما لأن بعضها ينتمي إلى قبائل تنحدر أصولها في الأغلب من القبائل المنتشرة في الإمارات وعمان، وهي لهجة تتميز بسمات معروفة منها، أولاً: نطق القاف أحياناً كما هي دون قلبها إلى الجيم المصرية، وثانياً: قلب الكاف شيناً في بعض المواضع، وتلك لا شك لهجة من لهجات العرب تسمى الكشكشة، والتي ظهرت في لهجات القبائل الأولى كربيعة ومضر وبني سعد، ومازال في العرب الآن من يأتي بها في أرض الجزيرة العربية، وكذلك قبائل النقبيين في الإمارات وأهل اليمن، ويقدم المؤلف الكثير من الشواهد على ذلك من عيون الشعر النبطي.

خصائص

يشير الكتاب إلى المناطق الوسطى والغربية في الإمارات، ويرى أنها الأماكن التي اشتهر فيها الشعر النبطي المعروف، وهو ذو لهجة عربية أشبه بتلك التي عند أهل الصحراء، مما يؤيد تسمية ابن خلدون، في مقدمته، للشعر النبطي بالنظم البدوي، ويوضح الكتاب أن لهجة الشعر النبطي عموماً في الإمارات، هي متشابهة وتتميز عن بعضها في بعض الكلمات، فيما تمتاز لهجات أهل الإمارات عموماً بمميزات وخصائص تختلف فيها عن الفصحى مثل: التسكين في أواخر الكلمات، والإمالة وقلب الجيم ياء، وكذلك قلب الكاف إلى حرف أعجمي، والضاد إلى ظاء، والواو المهموزة في بعض الأفعال والأسماء إلى واو، وإضافة الألف في وسط بعض الأفعال، وإضافة ألف مكسورة قبل الأفعال للمضارع، وكذلك التنوين الذي تنفرد به لهجات الخليج، ومنها الإماراتية، كما أن بعض الكلمات تنطق على أشكال مختلفة.

اعتمد المؤلف في إنجاز الكتاب على عدد كبير من المصادر، بينها بالإضافة إلى المصادر اللغوية، 20 من أبرز دواوين شعراء النبط الإماراتيين، من بينهم ديوان المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وديوان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، والكتاب لا يكاد يترك شاردة أو واردة حول أصول المفردات التي توظف في الشعر النبطي، إلا ويبين أصولها العربية في المواقع التي وردت فيها، سواء الشعر العربي القديم، أو ما ورد في القرآن الكريم أو الأحاديث النبوية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mw27f27a

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"