عادي
قراءات

الفلسفة.. قصة بوليسية مشوقة

00:12 صباحا
قراءة 3 دقائق

القاهرة: «الخليج»

الفلسفة.. من الذي يحتاج إليها؟ هذا السؤال وُجِّه إلى خريجي الأكاديمية العسكرية الأمريكية في مدينة ويست بوينت من ولاية نيويورك، يوم 6 مارس 1974، وهو عنوان كتاب «آين راند» الذي ترجمه إلى العربية خالد حافظي، حيث ترى المؤلفة أن معظم البشر يقضون أيامهم، وهم يكافحون للتهرب من ثلاثة أسئلة، والإجابات التي تكمن وراء كل فكرة وشعور وعمل لدى الإنسان، سواء كان واعياً بذلك أم لا: أين أنا؟ كيف أعرف ذلك؟ ماذا عليَّ أن أفعل؟ وبحلول الوقت الذي يكبرون فيه بما يكفي لفهم هذه الأسئلة، يعتقد البشر أنهم يعرفون الإجابات.

أين أنا؟ لنقل في مدينة نيويورك، كما تقول المؤلفة، كيف أعرف ذلك؟ إنه أمر بديهي. ماذا عليَّ أن أفعل؟ هنا لن يكونوا متأكدين تماماً، لكن الجواب المعتاد هو: كل ما يفعله الجميع، ويبدو أن المشكلة الوحيدة هي أنهم ليسوا في غاية النشاط، وليسوا واثقين جداً، وليسوا سعداء جداً، ويعيشون في بعض الأحيان خوفاً لا سبب له، وشعوراً بالذنب غير محدد، لا يمكنهم تفسيره أو التخلص منه، فهم لم يكتشفوا قط حقيقة أن المشكلة تأتي من الأسئلة الثلاثة التي لم تتم الإجابة عنها، وأن هناك عِلماً واحداً فقط يمكنه الإجابة عنها، وهو «الفلسفة».

وتوضح المؤلفة أن الفلسفة تدرس الطبيعة الأساسية للوجود والإنسان، في مقابل العلوم الخاصة، التي تتعامل فقط مع جوانب معينة، تتأمل الفلسفة الكون، ففي عالم الإدراك، العلوم الخاصة هي الأشجار، لكن الفلسفة هي التربة التي تجعل الغابة ممكنة.

لن تخبرك الفلسفة على سبيل المثال بما إذا كنت في مدينة نيويورك أو في مدينة زنجبار (على الرغم من أنها ستمنحك وسيلة لمعرفة ذلك)، لكن هذا ما ستخبرك به: هل أنت في عالم تحكمه القوانين الطبيعية، وبذلك فهو مستقر وثابت ومطلق ومفهوم؟ أم أنك في فوضى غير مفهومة لعالم من المعجزات، التي لا يمكن تفسيرها، وفق دفق غير متوقع، وغير معروف، يكون عقلك عاجزاً عن إدراكه؟ هل الأشياء التي تراها من حولك حقيقية أم أنها مجرد وهم؟ هل هي على ما هي عليه أم يمكن تغييرها بمجرد إتيان فعل من صميم وعيك مثل الرغبة؟

وتشير المؤلفة إلى أن طبيعة أفعالك ستكون مختلفة، وفقاً لمجموعة الإجابات التي ستقبلها، تلك الإجابات هي مجال «الميتافيزيقا»، أي دراسة الوجود على هذا النحو، أو على حد تعبير أرسطو «الوجود بما هو موجود» وهي فرع الفلسفة الأساسي، وبغض النظر عن الاستنتاجات التي توصلت إليها، سوف تواجه بالضرورة الإجابة عن سؤال طبيعي آخر: كيف أعرف ذلك؟ نظراً إلى أن الإنسان ليس كلي العلم، أو معصوماً من الخطأ، وعليك أن تكتشف ما يمكنك ادعاؤه، على أنه معرفة، وكيفية إثبات صحة استنتاجاتك، فهل يكتسب الإنسان المعرفة من خلال العقل أم عبر إحدى القوى المعرفية الأخرى التي تفوق العقل؟ هل يمكن للإنسان أن يحقق اليقين أم أنه محكوم عليه بالشك الدائم؟

ترى المؤلفة أن نجاحك سيكون مختلفاً، وفقاً لمجموعة الإجابات التي ستقبلها، هذه الإجابات هي مجال «الإبستمولوجيا»، أي نظرية المعرفة التي تدرس وسائل إدراك الإنسان، وهذان الفرعان هما الأساس النظري للفلسفة.

إن البشر الذين لا يهتمون بالفلسفة هم في الحقيقة، كما توضح المؤلفة، يتشرّبون مبادئها من خلال السياق الثقافي المحيط بهم، فمن يحدد نبرة ثقافة ما؟ إنها حفنة صغيرة من البشر، «هم الفلاسفة»، ويتبع الآخرون قيادتهم، إما عن طريق الاقتناع أو بشكل افتراضي.

وإذا لم تشعر سوى بالملل عند قراءة نظريات قد تكون غير مفهومة لبعض الفلاسفة، فهناك تعاطف معك، لكن إذا تجاهلتهم قائلاً: لماذا يجب أن أدرس تلك الأشياء وأنا أعلم أنها هراء؟ فأنت مخطئ، فهذا الهراء يتعامل مع أهم قضايا الحياة أو الموت، في علاقة بوجود الإنسان.

إن أفضل طريقة لدراسة الفلسفة هي الاقتراب منها، مثلما يقترب المرء من قصة بوليسية، فيقتفي كل أثر ودليل وتورط من أجل اكتشاف من هو القاتل، ومن هو البطل.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/38tf3hfm

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"