د. عارف الشيخ
ذكرنا فيما سبق أن الجنايات على ثلاثة أقسام: جناية على النفس وقد تقدم بيانها، وجناية على ما دون النفس كأن يقطع عضواً، سبق بيانها أيضاً.
والقسم الثالث هو الشجاج وهو الإصابة التي تكون في الوجه أو الرأس، والشجاج إما أن يكون فيه القصاص وإما أن يكون فيه الأرش، والأرش إما أن يكون مقدراً شرعاً وإما ألا يكون مقدراً.
{ فالأرش المقدر هو ما حدّد في الشرع مقابله مقدار من المال، والأرش قد يكون دية كاملة أو نصف الدية أو ربعاً أو عشراً أو نصف عشر الدية كالسن الواحدة مثلاً، انظر الدر المختار: ج5- ص409.
{ والأرش غير المقدر هو ما تكون فيه حكومة عدل، أي ترك تقديرها للقاضي وأهل الخبرة وأمثلتها مثل كسر الضلع أو إزالة الشعر أو حلمة الثدي أو الأصبع الزائدة مثلاً.
والجراحات التي سميت في الفقه الإسلامي بالشجاج هي إحدى عشرة شجة أو عشرة وهي كلها في الرأس والوجه: الحارصة والدامعة والدامية والباضعة والمتلاحمة والسمحاق والموضحة والهاشمة والمنقّلة والآمّة والدامغة، فهي عند الحنفية إحدى عشرة، وعند المالكية عشرة، لأنهم يحذفون الدامعة.
ويقول الفقهاء إن العقوبة الأصلية في الشجاج هي القصاص، لكن إذا تعذر استيفاؤها يصار إلى العقوبة البديلة وهي الأرش، وليس فيما دون الموضحة (الجرح الذي يبين العظم) أرش مقدر في الشرع؛ بل فيه حكومة عدل كما قال الفقهاء.
وأما الجناية على نفس غير مكتملة كالجنين، فإذا ضربت امرأة على بطنها أو أخيفت فأجهضت، فإن الفقهاء في مثل هذه الحالة نظروا إلى المسألة من خلال مبحثين:
1 - أن ينزل الجنين ميتاً، وفي هذه الحالة تكون دية الجنين غرّة عبد أو أمة كما يقول الفقهاء، وتقدر قيمتها بخمس من الإبل أي نصف عشر الدية كاملة.
والدليل ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أنه قال: اقتتلت امرأتان من هذيل، فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها، فاختصموا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فقضى أن دية جنينها غرّة عبد أو وليدة، وقضى بدية المرأة (الأم) على عاقلتها، متفق عليه.
2 - أما أذا نزل الجنين حياً ثم مات بعد الولادة، فعند المالكية أن فيها القصاص إذا كان سبب الموت هو ضرب بطن الأم.
والجمهور قالوا في هذه الحالة لم تكن الجناية على الجنين عمداً؛ بل شبه القصاص إذا كان سبب الموت هو ضرب بطن الأم عمداً أو خطأ فتجب الدية كاملة.
