عادي

أول حكمة فلسطينية لـ «الخليج»: كأس العالم للسيدات مجرد بداية.. والقدس سر نجاحي

14:52 مساء
قراءة 6 دقائق
«الخليج» تحاور أول حكمة فلسطينية
«الخليج» تحاور أول حكمة فلسطينية

الشارقة : محمد الأصمعي

دخلت هبة سعدية، التاريخ، بمشاركتها كأول حكمة فلسطينية على مستوى السيدات والرجال، وأول حكمة عربية من آسيا، في كأس العالم للسيدات، في نسختها التاسعة، التي أسدل الستار عليها، الأحد، 20 أغسطس، بفوز منتخب إسبانيا بالبطولة، إثر تغلبه على نظيره الإنجليزي بهدف نظيف في المباراة النهائية التي احتضنها ملعب ستاديوم بأستراليا.

«الخليج»، أول صحيفة عربية، أجرت حواراً مع هبة سعدية، التي اقتحمت عالم تحكيم كرة القدم، لتثبت قدرة المرأة العربية على النجاح والتفوق في مجال كان حكراً على الرجل.

هي ابنة القدس، المولودة في يناير عام 1989، والتي كابدت المجد حتى عانقته.. ركضها داخل الملعب بنظرات التحدي على الرغم من أنها ترزح تحت وطأة الحزن إثر وفاة أبيها الذي غيبه الموت قبل أيام من بطولة كأس العالم للسيدات، شغفها الدائم بتحقيق حلم والدها الذي كان سنداً لها، وحلم الطفلة الصغيرة بأن تكون نموذجاً لفتاة عربية يحتذى عندما تكبر، كل ذلك أعطى هبة سعدية، قوة عجيبة في مواصلة مشوارها الذي كانت نقطة الانطلاق الحقيقية فيه عام 2016، عندما حصلت على شارتها الدولية في ستوكهولم، كما جعل منها امرأة عربية لا تنكسر تحت ضربات موجعة أدمت قلبها، وإنما حولت دجى الليل إلى فجر وضاح، تخرج منه طاقة نور تحيل انكساراتها إلى انتصارات.

لعقت هبة سعدية، الصبر، عملاً بمقولة منسوبة لـ «حوط بن رئاب الأسدي»: «لا تحسب المجد تمراً أنت آكله.. لا تبلغ المجد حتى تلعق الصبر»، بيد أن أحلامها لا تتوقف عند بلوغها مجد المشاركة في تحكيم مباريات لكأس العالم، وإنما تعتبرها بداية، فالأحلام ممتدة مادامت الحياة، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.

  • أكبر محفل رياضي

* أول حكمة فلسطينية على مستوى السيدات والرجال، وأيضاً أول حكمة عربية من آسيا..ما شعورك؟

- أجابت: «سعيدة و فخورة بأني استطعت تمثيل فلسطين وغرب آسيا و الفتاة العربية المحجبة في أكبر محفل رياضي في العالم».

  • قدرة المرأة العربية

* منذ دخولك مجال التحكيم.. هل كنت تتوقعين أن يصل بك الأمر إلى التحكيم في هذا المحفل العالمي؟

- قالت هبة سعدية: «بداية كان هدفي إثبات قدرة المرأة على الوجود في مجال التحكيم، لكن بعد ذلك، و ليس بكثير، أصبح لديّ حلم الوصول إلى كأس العالم، وعملت بجد و إصرار وتحدٍ للوصول وتحقيق الحلم».

  • الأحلام لا تتوقف

* وماذا بعد مونديال السيدات.. هل توقف حلم هبة سعدية؟

- نظرت بتحدٍ قائلة: «الأحلام لا تتوقف.. حلم كأس العالم تحقق، وتحقيقه فتح لي أبواب آمال أحلام جديدة و سأعمل على تحقيقها بإذن الله.. أحلامي بدأت من كأس العالم، وليست نهايتها المونديال».

* ماذا عن تجربة التحكيم للرجال؟

أجابت: «قمت بالفعل بتحكيم مباريات رجال على المستوى الآسيوي في كأس الاتحاد الآسيوي في فيتنام ونهائيات كأس آسيا للشباب تحت ٢٣ عاماً في أوزباكستان، كما أدير مباريات رجال الدرجة الأولى في الدوري السويدي، وكانت التجربة مفيدة للغاية بالنسبة لي؛ إذ اكتسبت منها خبرات كثيرة».

  • الداعم الأول

* وماذا عن أسرتك الصغيرة «العائلة»؟

- ردت وعلامات الحزن والأسى ارتسمت على وجنتيها وكادت أن تنخرط في البكاء «لولا دعم العائلة لما كنت على ما أنا عليه الآن، توفي والدي منذ فترة قصيرة، وكنت أحلم بأن يراني في هذا المحفل العالمي. أبي هو السند بالنسبة لي، هو الذي أسير بظله حتى بعد وفاته».

* وهل اعترض أحد من أسرتك على دخولك في هذا المجال الصعب؟

- «على العكس تماماً، فقد كانت أسرتي أكبر داعم لي طول الوقت، وقد لعبت كرة السلة في بداياتي؛ إذ إنني خريجة كلية التربية الرياضية، وعندما تحولت إلى تحكيم كرة القدم رحبوا بالفكرة».

  • من أجل القدس

* وماذا عن أسرتك الكبيرة فلسطين؟

- قالت هبة سعدية «فلسطين كانت دائماً هي الحافز الرئيسي لاستمراري في المكافحة لتحقيق ذاك الحلم، في كل مرة أشعر بها بلحظات الضعف كنت أردد في نفسي لأجل القدس، ولأجل رحلة لجوئنا الطويلة سأستمر».

* وأسرتك الأكبر الوطن العربي.. ماذا يمثل لك؟

- أجابت بنبرات صوت مملوءة بالفخر: «كم أشعر بالفخر عندما أسمع كلمة الحكمة العربية، وكم أشعر بالسعادة عند رؤيتي لتشجيع العرب من خارج حدود فلسطين وفخر الإعلام العربي بإنجازي، نعم نحن العرب قادرون، كنا وما زلنا».

وأضافت: «التحدي للفتاة الفلسطينية والعربية ونصرة المرأة العربية، هذا كان السبب الأول لدخولي مجال التحكيم، بالطبع ليس من السهل تقبل الجميع فكرة وجود العنصر الأنثوي في الميدان، وذلك خلق لي تحديات كثيرة بداية، لكن مع الإصرار والاجتهاد لإظهار مستوى عال من اللياقة البدنية والفنية خلال المباريات استطعت الوصول إلى مستويات متقدمة تحكيمياً».

  • نموذج يحتذى

* أصبح عليك عبء بعد النجاح لأن كثيراً من فتيات العرب صرن ينظرن إليك باعتبارك نموذجاً ملهماً... بماذا تنصحين كل فتاة؟

- «لا أعتبره عبئاً بقدر اعتباره مسؤولية رائعة وكبيرة بأن أكون مصدر إلهام للفتيات وتحفيزهم على أنه لا شيء مستحيل». ونصيحتي هي: «تابعي واستمري نحو هدفك، لا تجعلي المحبطون حاجزاً بينك و بين حلمك و دائماً رددي: نعم أنا قادرة والله معي».

  • أصعب اللحظات

* ما أصعب لحظة صادفتك في المونديال؟

- قالت الحكمة العربية: «خلال المونديال مررت بأصعب اللحظات في مسيرتي التحكيمية، حيث إني أصبت باليوم الثاني مباشرة من وصولي لأستراليا، و بناء عليه توقفت قرابة أسبوعين بداعي الاستشفاء، فكانت اللحظات تمر كالساعات، وكنت في فترة تحدٍ كبيرة مع نفسي على أني لن أسمح للإصابة بأن تكون العائق بيني وبين الحلم الذي سعيت طويلاً لتحقيقه وقد أصبحت على مشارفه، والعمل للتغلب على كل الضغوط بمساندة الاتحاد الآسيوي، وخاصة رئيس لجنة الحكام، هاني بلان ومديرها، شمسول، فعملت بجد وإصرار وتحدٍ مع إخفاء الكثير من المشاعر والدموع داخلياً لأثبت للمسؤولين في الفيفا، أني قوية بما يكفي للعودة سريعاً وأنني أمتلك القدرة على وجودي في الميدان».

* من أول من هاتفك عقب إنجازك التاريخي؟

أهلي وزوجي هم أول من اتصلوا بي لتهنئتي.

  • من هنا كانت البداية

* سؤال كنا نريد أن نبدأ به، لكن الحدث التاريخي اضطرنا إلى تأخيره، وهو مشوارك، كيف بدأت مسيرتك في عالم التحكيم؟

- بعد انتهائي من دراسة التربية الرياضية مدرّسةً وخلال وجودي في الملعب، صادفت تدريباً لحكام دمشق دون وجود العنصر الأنثوي بينهم في ذلك الحين، فجال في خاطري سؤال: لماذا لا يوجد إناث؟ من هنا كانت بدايتي، مع إصراري على تحقيق النجاح وأن المرأة العربية قادرة على أن تتفوق في أي مجال.

  • المناسبات الاجتماعية

* ماذا عن الحياة الاجتماعية لهبة سعدية؟

- قالت الحكمة الدولية: «للتحكيم أيضاً ضريبة والحياة الاجتماعية إحدى تلك الضرائب، ففي كثير من المناسبات لا أستطيع الوجود لأسباب مواعيد المباريات التي غالباً ما تكون في العطلات و أحياناً بسبب حمل التمرين العالي الذي يحتاج مني راحة تامة كي أستعيد نشاطي لليوم التالي؛ فالتمرين شبه يومي، إضافة إلى البطولات الخارجية والتي بدورها تبقيني بعيدةً عن الأهل والأصدقاء لفترات ليست بقليلة».

  • كارت أحمر

* ما الفاول الذي ارتكبته هبة سعدية في حياتها؟

- «كل الأخطاء هي عبارة عن دروس، لا يوجد إنسان بلا أخطاء فلولاها لما كنت قوية بما يكفي لتحدي كل الظروف الصعبة في حياتي».

* ومن تعاقبينه بكارت أحمر في حياتك؟

- ردت قائلة باختصار «أعداء النجاح».

* من ساعدك في مسيرتك وتدينين بالفضل له في مسيرتك؟

- أجابت: «الفضل لله، ومن ثم للمحاضر الدولي و الآسيوي علي الطريفي، فبعد الأحداث السورية واضطراري لمغادرة دمشق لماليزيا ثم للسويد أصبح حلم التحكيم ينجلي في كل مرة بسبب صعوبة الظروف، ففي كل مرة كنت أبدأ حياتي من الصفر في بلد يختلف عني في عاداته ولغته وتقاليده، لكنه شجعني في كل مرة للاستمرار، فكان حلمه وجود عربية محجبة من عرب آسيا في المحافل الدولية، ورأى في الإرادة والمستوى المطلوب لتحقيق ذاك الحلم للتحكيم العربي الآسيوي».

  • خطوة جريئة

* الخطوة الجريئة في التحكيم.. كيف بدأت من الأصل؟

- شردت هبة، وكأنها تستعيد بدايات شغفها بالتحكيم، وقالت: «بدأت من الأحياء الشعبية في دمشق، ففي ظل عدم وجود العنصر الأنثوي رسمياً، فكانت لدي الجرأة لإيجادها شعبياً وليس فقط رسمياً، رغبة مني في ممارسة التحكيم بشكل أكبر، فكنت أدير بما يعادل مباراتين في اليوم بهدف التمرين أكثر وأكثر. الأحياء الشعبية أدين لها بالكثير من خبراتي». وأضافت هبة سعدية: «نشأت في دمشق، وذلك بمخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، ذاك المكان الذي خرج منه خيرة الأطباء و المهندسين والمؤثرين علمياً وعملياً في المجتمع في كافة المجالات».

  • تحديات جديدة

واستطردت: «أجبرتني الظروف على الانتقال لدول جديدة خلقت لي الكثير من الصعوبات والتحديات وأيضاً تعلمت الصبر والإصرار، فتحكيمياً كان علي دائماً العمل بشكل فردي، من خلال التمرين وحيدة وتطوير المستوى اللياقي بدون إشراف مختص، والبحث عن آخر تعديلات القانون، والعلاج من الإصابة عند حدوثها، والتمرين الفني من خلال التدريبات الذاتية».

وأوضحت: «في كل مرة كان عليّ إظهار مستوى أفضل من المتوقع، كي أثبت للاتحادات في الدول الجديدة أني أستحق بأن أكون حكماً في قائمة حكام النخبة، وأقود مباريات المستويات العليا. إنها أحلامي التي لا أتنازل عنها».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/44k3mbhd

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"