عادي
ثلاثة أنماط تتكرر معالجتها في وسائل الإعلام

«سلافوي جيجك» يرصد ست زاويا للعنف

00:15 صباحا
قراءة 3 دقائق

القاهرة: «الخليج»

هل يسبب تطور الرأسمالية والحضارة ارتفاعاً في وتيرة العنف أم يحد منه؟ هل يكمن العنف في فكرة «التجاور» على بساطتها؟ وهل تقتصر ردة الفعل تجاه العنف اليوم على التفكر؟ هذه بضعة أسئلة يعالجها المفكر السلوفيني سلافوي جيجك في كتابه «العنف.. تأملات في وجوهه الستة» (ترجمه إلى العربية فاضل جتكر)، ويرسم أجندة جديدة تحدد السبيل الأمثل للتفكير في العنف، والوصول إلى حلول لمشكلات يسببها، من خلال محاجة ثقافية لأي عنف تتجه العولمة أو الرأسمالية أو الأصولية أو اللغة إليه.

يحلل جيجك ثلاثة أنماط من العنف تتكرر معالجتها في وسائل الإعلام: الهبات الشبابية اللاعقلانية في ضواحي باريس في عام 2005، والهجمات الإرهابية، والفوضى في نيو أورلينز بعد إعصار كاترينا، ثم يتابع عمله بتسليط الضوء على تناقضات منطق التسامح، عطفاً على التظاهرات العنيفة احتجاجاً على رسوم النبي محمد الكاريكاتورية، في إحدى الصحف الدنماركية.

ماذا يريد جيجك من هذا الكتاب؟ إنه يرى أن هناك عملية عقاب لمرتكبي العنف وإدانة العنف على أنه شر، وهي عملية أيديولوجية بامتياز، وتشكل تشويشاً وإرباكاً يسهمان في حجب الأشكال الأساسية للعنف الاجتماعي، ومن الأعراض المرضية العميقة، أن تكون المجتمعات الغربية التي تبدي ألواناً مختلفة من الحساسية والضيق حيال العنف، قادرة في الوقت نفسه على استنفار كثير من الآليات الرامية إلى شل الحساسية تجاه أشنع أشكال العنف، وغالباً ما تتخذ هذه الآليات صيغة التعاطف الإنساني مع الضحايا أنفسهم.

يرى جيجك أنه بعد إجراء التغييرات الضرورية، يصح القول أيضاً على العمل الجماعي الكبير المنظم، وفي هذا الصدد تشكّل الثورة الثقافية الصينية درساً وعبرة على هذا الصعيد، فقد ثبت أن تدمير الأوابد القديمة لم يكن نفياً فعلياً للماضي، بل لعله كان نوعاً من العبور العاجز إلى الفعل، ونوعاً من التنفيس الذي يؤكد عدم القدرة على التخلص من الماضي، إن في الأمر نوعاً من العدالة الشعرية الخيالية في واقع أن النتيجة النهائية لثورة ماو الثقافية هي الطفرة الراهنة غير المسبوقة لجملة من الديناميات الرأسمالية في الصين.

الإبادة الوحشية

ينطبق الأمر نفسه على ألمانيا النازية، حيث لا يجوز أن نمكن مشهد الإبادة الوحشية للملايين من أن يخدعنا، على حد تعبير جيجك، فمشكلة هتلر على بشاعتها المفرطة واتصافها بقدر هائل من الجنون وانعدام الحس السليم، بدت كما لو كان الأمر لم يكن عنيفاً بما فيه الكفاية، فالتوصيف الذي يقدم هتلر مسؤولاً عن موت الملايين، لكنه رجل جريء يسعى إلى غاياته بإرادة فولاذية، ليس مقززاً للنفس أخلاقياً فحسب، بل هو أيضاً توصيف خاطئ بكل بساطة.

لم يبادر هتلر للحركة إلا للوقوف في وجه التغيير الفعلي، أي تغيير حقيقي، لقد تحرك هتلر لمنع التهديد الشيوعي، خشية أن يحدث تغيير فعلاً، أما استهدافه لليهود، فلم يكن في نهاية الأمر سوى نوع من الإزاحة والاستبدال لتجنب العدو الحقيقي: نواة العلاقات الاجتماعية الرأسمالية بالذات، لقد مسرح هتلر مشهداً ثورياً لتمكين النظام الرأسمالي من البقاء والاستمرار.

وتتمثل العبرة الكامنة في العلاقة المعقدة بين العنف الذاتي ونظيره النظامي أو المنهجي، في أن العنف ليس صفة مميزة لأفعال معينة، بل هو موزع بين أفعال وسياقاتها، بين النشاط وعدم النشاط، وبين الحركة والجمود، إن من شأن الفعل نفسه أن يعد عنيفاً أو غير عنيف، تبعاً للسياق. إن عدم القيام بأي تحرك يكون أحياناً أقوى التحركات التي يمكن القيام بها.

وبلغة التحليل النفسي، كما يشير جيجك، فإن عزوف الناخبين عن الاقتراع شيء أشبه بالرفض والتبرؤ والعزوف النفسي، الذي هو تحرك جذري راديكالي من الكبت، ففي الإزاحة في نظر فرويد يبقى المكبوت مقبولاً فكرياً من الشخص، لأنه مسمى، ومنفي في الوقت نفسه، لأن الشخص يرفض الاعتراف به.

وهكذا فإن امتناع الناخبين عن الذهاب إلى مراكز الاقتراع وعزوفهم عن الإدلاء بأصواتهم ليسا سوى فعل سياسي حقيقي ينتصب في الوجوه بقوة مع خواء أنظمة اليوم الديمقراطية، فبدلاً من مواجهة العنف مباشرة، يتعرض هذا الكتاب للعنف من ستة جوانب، فهناك ما يضفي في العمق شيئاً من الحيرة على أي مواجهة مباشرة لهذا العنف، فعندما يقصفنا الإعلام بوابل من صور العنف، فنحن في حاجة إلى أن نتعلم للوقوف على الأسباب الكامنة وراء العنف.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdd84u9e

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"