عادي

ليبيا.. الانتخابات مؤجلة

22:12 مساء
قراءة 4 دقائق
اجتماع لجنة (6+6) الليبية في المغرب

د. محمد فراج أبو النور*

تتجه الأوضاع الأمنية في مدينة بنغازي، عاصمة الشرق الليبي، إلى الاستقرار بعد نجاح قوات الجيش الوطني بقيادة المشير حفتر في إخماد الاضطرابات التي حاولت إثارتها مجموعة إرهابية تحت قيادة «المهدى البرغثي» وزير الدفاع السابق في حكومة فايز السراج، والذي ينتمي أصلاً إلى إحدى قبائل منطقة بنغازي، وأعلن الجيش الوطني الليبي اعتقال «البرغثي» وتقديمه للمحاكمة العسكرية، بعد اشتباكات عنيفة انتهت بهزيمة المجموعة التي يقودها.

كان «البرغثي» ضمن قيادات الجيش الوطني الليبي في مرحلة تأسيسه، لكنه انشق عليه، وارتكب مذبحة ضد إحدى وحداته عام 2016 ثم فر إلى طرابلس وانضم لحكومة السراج، وعاد إلى المنطقة الشرقية الشهر الماضي على رأس مجموعته الإرهابية ضمن قوافل المتطوعين لإغاثة «درنة» بعد كارثة إعصار «دانيال» في محاولة لاستغلال الموقف وخلق مرتكز لهم في الشرق، إلا أن الجيش الوطني رصد المجموعة منذ وصولها، وتحرك ضدها بمجرد بدء محاولتها لإثارة الاضطرابات.

وبقدر ما تكشف هذه الواقعة عن انحراف تفكير «البرغثي» ومجموعته وانعدام المشاعر الإنسانية لديهم تجاه كارثة بفداحة ما أصاب منكوبي درنة، فإنها تسلط الضوء على تعقيد الأوضاع الأمنية في ليبيا، وأيضاً على مدى تطرف وشراسة الجماعات الإرهابية في «الغرب» وخطرها على أمن البلاد.

سقوط السياسيين في «امتحان درنة»

كارثة درنة- التي كان يفترض أن تكون مناسبة لاستعادة الوحدة الوطنية، وتلاحم الجهود من أجل مواجهة آثارها- سرعان ما اتضح أنها تحولت إلى موضوع للمزايدات تبادل الاتهامات وتسجيل النقاط من جانب الأطراف في مواجهة الخصوم.

والحقيقة أن الجيش الوطني الليبي كان المؤسسة الرسمية الوحيدة التي أبدت استجابة فورية لمواجهة الكارثة وإغاثة المنكوبين، وتعبئة كل جهودها في هذا الاتجاه، بالتضافر مع الجهود الشعبية المتفانية والسخية، ومع المساعدات العربية والدولية.

أما حكومة الدبيبة، فقد كان تركيزها منذ الساعات الأولى للكارثة على تحميل المسؤولية لحكومة «الشرق» وتوجيه الاتهامات لها بالإهمال والتقصير والفساد، وتوجيه النيابة العامة للتحقيق بهدف إثبات هذه التهم، مع الحرص على استباق نتائج التحقيق الذي يستغرق وقتاً طويلاً بالضرورة.

علماً بأن حكومة «الوحدة الوطنية» شريك أساسي في المسؤولية عن السدود وعن كل المرافق العامة بحكم سيطرتها على موارد البلاد وعلى المصرف المركزي، وبحكم ادعائها بأنها الحكومة المعترف بها دولياً.

ومن ناحية أخرى، فإن الدبيبة اعتمد (ملياري دينار- نحو 400 مليون دولار) لمواجهة الكارثة والبدء في إعادة الإعمار. أما حكومة «الشرق» من جانبها فقد ألقت بالمسؤولية على حكومتي السراج والدبيبة، وعلى مجلس بلدية درنة، علماً بأن صيانة السدود خارج مسؤولياته، وإن كل سدود البلاد لم يتم إجراء صيانة لها منذ عقود.

واتخذ البرلمان قراراً بتخصيص «10 مليارات دينار- نحو ملياري دولار» لإعادة الإعمار، مع علم الجميع بأن المصرف المركزي لا يخضع لسيطرة مجلس النواب، وأن توفير هذا المبلغ أمر مشكوك فيه.. والأهم من ذلك أن إزالة الأنقاض وإسكان المنكوبين بصورة لائقة، وتعويضهم عن خسائرهم الكبيرة هي المسألة الأكثر إلحاحاً.

ودعا البرلمان والحكومة إلى عقد مؤتمر للدول المانحة لإعادة إعمار درنة، ثم اتضح أن هذه مسألة تصطدم بكون حكومة الدبيبة هي المعترف بها دولياً، فتم تعديل الدعوة إلى «مؤتمر للشركات الدولية والليبية».. لكن الدبيبة دعا البنك الدولي إلى تقديم المساعدة والإشراف على إدارة العملية كلها، مع أنه يعلم حق العلم أن البنك الدولي لن يقدم على مساعدة أو إدارة مشروع كهذا في دولة منقسمة على نفسها؛ بل يمكن القول إنها «دولة فاشلة» تعمها الفوضى مثل ليبيا، وأن النتيجة الوحيدة لمثل هذه الدعوة هي إثارة الارتباك والبلبلة حول فكرة «مؤتمر الشركات» الذي تدعو إليه حكومة «الشرق»، ونظراً لضعف الاستجابة، فقد أعلنت الحكومة تأجيل المؤتمر من 10 أكتوبر/تشرين الأول إلى 1-2 نوفمبر/تشرين الثاني) بدعوى وجود «أسباب لوجستية».

وهكذا أصبحت مواجهة كارثة درنة، وإعادة إعمارها موضوعاً جديداً للانقسام والمزايدات.. وواضح أن المعاناة الإنسانية لسكان درنة والمناطق المحيطة بها مرشحة للاستمرار طويلاً.

الانتخابات.. في مهب الريح

معروف أنه كان قد تم الاتفاق بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، ربيع هذا العام، على أن يقوم البرلمان بإجراء تعديل على الإعلان الدستوري «التعديل الثالث عشر» يتم بمقتضاه تكليف لجنة مشتركة من الجانبين «6+6» بإعداد قانوني انتخابات الرئيسي، وانتخاب البرلمان ليمثلا قاعدة دستورية يتم على أساسها إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية (مجلس الأمة المكون من مجلسين للنواب والشيوخ) على أن يتم تشكيل حكومة موحدة مصغرة جديدة تقوم بإجراء الانتخابات، مع إقالة حكومة الدبيبة المنتهية ولايتها، وأن يعتمد البرلمان مخرجات لجنة (6+6) من دون إجراء أية تعديلات عليها، وكان مقرراً أن تجري الانتخابات قبل نهاية هذا العام.

إلا أن سقوط خالد المشري في انتخابات رئاسة مجلس الدولة، وانتخاب «محمد تكالة الإخواني» المتشدد والمقرب من الدبيبة، عكس سيطرة اتجاه أكثر تشدداً على المجلس، وأدى إلى إعلانه رفض مخرجات لجنة (6+6) مستنداً بصورة أساسية إلى رفض تعديل على (المادة السابعة عشرة- الفقرة الرابعة) بخلاف ما يقضي به التعديل الثالث عشر، الذي ينص على أن «كل من ترشح (للرئاسة) يعتبر مستقيلاً من منصبه بقوة القانون»، بينما تقضي الفقرة الرابعة المعدلة بأنه يحق للمرشح في العودة إلى منصبه إذا لم ينجح في الانتخابات، أي أن مرشحاً مثل حفتر يمكن أن يعود إلى قيادة الجيش في حالة سقوطه في الانتخابات الرئاسية.

وكان عقيلة صالح رئيس البرلمان قد أجرى هذا التعديل- بموافقة المشري- على مشروع قانون لجنة (6+6) واعتبره مجلس الدولة تحت قيادة «تكالة» أمراً مخالفاً للتعديل الثالث عشر، وغير دستوري، وبالتالي مبطلاً للقانون بمجمله وهكذا عادت مسألة الانتخابات إلى نقطة الصفر.

وإذا أضفنا إلى هذا عدم حماس الولايات المتحدة والدول الغربية الكبرى لإجراء الانتخابات، والفوضى الأمنية الضاربة، واستمرار انقسام المؤسسات السيادية، يصبح واضحاً أن الانتخابات مؤجلة إلى وقت لا يعلمه إلا الله.

ولا عزاء للشعب الليبي.

* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdzhynjb

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"