عادي
شخصيات

بدور القاسمي.. النجاح امرأة

22:45 مساء
قراءة 7 دقائق
بدور القاسمي

الشارقة: أشرف إبراهيم

تعد مسيرة الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي الثقافية الفارقة تجربة حياة كاملة، هذه المسيرة التي لا تشبه غيرها في الوهج والتدثر برداء الهوية الوطنية والتي منبعها الطموح من أجل الارتقاء إلى ما ترنو إليه ضمن مشروعاتها التي تلائم تكوينها الثقافي والمعرفي، ومن الطبيعي أن تدعو منجزاتها في مجال صناعة الكتاب إلى التأمل، وبما يروي عنها ويبرز مزاياها القيادية على المستوى المحلي والعالمي، فالغوص في سجلها المشرق لا يكتفي بذكر ما ورد من آثر وحقائق وإبداعات خارج نطاق العادي والمألوف، فثمة دهشة تقف وراء مبادراتها في محيط النشر الإماراتي والعربي والعالمي، ومدى تأثيرها في نفوس أبناء الوطن وبخاصة المرأة.

مسيرة الشيخة بدور القاسمي ثرية، فهي علم من أعلام الثقافة وقيادية بارزة تنسج مبادراتها على ضفاف الحلم والطموح، ومن يقترب من عالمها كامرأة خليجية وعربية مبدعة عليه أن يستحضر العديد من المشاهد والصور ضمن الذين رووا عنها في عناوين الصفحات التي تتزين بحضورها الآسر في وجدان الثقافة العربية.

الشيخة بدور القاسمي نموذج مسكون بالمغايرة والمثابرة واتساع المنظور؛ إذ تسير بإنسانيتها المعهودة وبهويتها الإماراتية التي لا تفارقها في كل المحافل الدولية والمناصب التي تولتها على وتيرة مبنية على الثقة بالنفس، ولما لا وهي التي نشأت في أجّل البيئات وأكرمها وأعظمها أثراً في الفضاء القيمي والفكري والعلمي والأدبي والإبداعي، فمسيرتها كتاب مفتوح لمن يستجلي قيمة الانتماء للوطن وإبراز مكانته في أبهي صورة.

النشأة الأولي

ليس غريباً على شخصية معطاءة مثل الشيخة بدور القاسمي وهي تخطو نحو حلمها في البداية أن تفتح عيناها على مساحات لا متناهية من الحكمة والعلم والصبر، ومحبة التجوال في عوالم الفكر النابض بكل إبداع وجمال ودهشة، فقد تفتحت أمامها خزائن الأدب في معية والدها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، فقرأت وتعلمت وتثقفت في دوحة قل مثيلها في النماء والعطاء والانفتاح على تاريخ طويل من المعرفة، فتأثرت بشخصية سموه، وهو الأديب والمفكر والشاعر وصاحب المبادرات العظيمة في أفق الثقافة الإنسانية، والتي لا يزال أثر هذه المبادرات في واقعنا المعيش باق ومحفز على الإبداع والإلهام، وفي هذه الأجواء المضاءة بنور العلم والمعرفة والإحساس المرهف بقيمة الكتاب عاشت أبهى سنوات العمر وهي تنظر إلى مثل أعلى بحجم صاحب السمو حاكم الشارقة الذي أعطى الضوء لطموحها أن يسابق الزمن، ويخطو نحو تمثيل مشرف لوطنها في المحافل الدولية، فقد عززت بحق مكانة الشارقة بفكرها وسعيها الدؤوب من أجل توفير بيئة داعمة تسهم في الارتقاء بالنشر العربي على مستوى العالم.

طموح

كانت البداية في قطاع النشر الإماراتي حافلة بمنجزات تنبئ عن رؤية ثاقبة للمحيط الثقافي الذي تنتمي إليه؛ إذ أسست دار «كلمات» التي سرعان ما تحولت إلى شركة عالمية في مجال النشر، فقد كانت لديها رغبة عارمة على تبنى مشروعات تخدم وطنها وتتقدم به إلى آفاق واسعة ضمن جهودها من أجل تعزيز ثقافة القراءة وتيسير الكتب ووصولها لأكبر قطاع من الناس، وقد استطاعت أن تخطو بهذه الدار إلى ما تطمح إليه من انتشار ومن ثم تحقيق أهداف على المستوى المحلي والعالمي، فكانت صناعة مجتمع للنشر من ضمن أولوياتها التي وضعت لها استراتيجيات ملموسة على أرض الواقع، فكانت هذه الدار نقطة الانطلاق والمحور الذي صاغت من خلاله سطور مضيئة في تاريخ النشر بوجه عام من خلال المبادرات التي سابقت بها الزمن، وأضحت علامة مضيئة؛ إذ وفرت الدار أعداداً ضخمة من الكتب لكي تصل إلى الأطفال اللاجئين والذين حاصرتهم الحروب والمتأثرين بالصرعات والحروب وفي كل أنحاء العالم.

وقد شغلت الشيخة بدور مناصب عدة، ضمن قطار الطموح الذي لا يتوقف لديها عند الوصول إلى محطات أبعد مما تتصوره الأحلام نفسها، فقد استطاعت بجهودها ورؤيتها الطموحة إلى عالم النشر أن تكون نموذجاً للمرأة الإماراتية المحافظة على هويتها، الملهمة أيضاً للمرأة في ربوع الوطن الغالي، حيث قبلت المنافسة وتحدت كل الظروف واستطاعت باستحقاق وعن كثب لأن تصل إلى منصب رئيسة الاتحاد الدولي للناشرين لتكون أول امرأة عربية تتولى هذا المنصب الرفيع، وثاني امرأة على مستوى العالم بعد الأرجنتينية آنا ماريا كابانيلاس، فهكذا لا يهدأ الطموح بداخلها وهي تقطع مسافات محفوفة بالإيمان بأن العمل من أجل هدف أو غاية هو مكسب لوطنها العزيز، وإضافة حقيقية لمسيرة إمارة الشارقة في استكمال مبادرتها الفارقة من أجل الإنسان هنا وهناك، وفي كل مكان في هذه المعمورة، فقد كان شغلها لهذا المنصب تأثير كبير في قطاع صناعة الكتب، لكونها تملك رؤية ومحاطة بهالات فكرية كرستها من أجل خدمة صناعة النشر والناشرين على المسوى المحلي في الإمارات، وعلى المستوى العالمي، وقد حققت طفرات خلال توليها هذا المنصب الذي جسد طموح كل امرأة عربية في أن تسير على خطى الشيخة بدور القاسمي، كونها تسعى أيضاً إلى تعزيز دور المرأة وتمكينها معرفياً.

الطفل في الوجدان

إيماناً منها بضرورة الاهتمام بالطفل وحقه في أن يقرأ وينمو ضمن بيئة معرفية محلقة فقد كان للشيخة بدور بالغ الأثر في الاهتمام والعناية بثقافة الطفل، وتوفير كل مستلزماته المعرفية ومن ثم البحث عن سبل تمكنه من العيش في ظلال أحلام صغيرة، لكنها لدى الشيخة بدور أخذت منحى آخر، حيث كان اهتمامها بتوفير الكتاب أمراً لازماً لكل الأطفال في جميع أنحاء العالم، وقد كانت دعوتها إلى سد الفجوات التي تحيل بين الكتاب والطفل أثر في تعميق ثقافة رحبة تتسع لكل الأطفال، حيث إنها خلال ترؤسها جلسة بعنوان «سد الفجوة.. أهمية وصول الكتب إلى الأطفال حول العالم» أبرزت دعوتها بوضوح وذلك ضمن فعاليات معرض لندن الدولي للكتاب؛ إذ أوضحت أن الكتاب بالنسبة للطفل شريان حياة فهو الذي ينمي لديه الخيال ويوسع دائرة معارفه، ويضعه على طريق المعرفة وذلك بمعان ودلالات متعددة، فقد ألمحت إلى أن الصراعات والحروب تحول بين الأطفال والكتاب، وهذا المنحى يبرز الشخصية الإنسانية لها، وهو ما يبلور حقائق ملموسة عن أدوارها الحيوية التي كان لها أثر حقيقي في إثراء عالم الطفل معرفياً، وبسبل حديثة وناجزة.

تطمح الشيخة بدور القاسمي دائماً إلى تمكين الأطفال من تعلم أساسيات القراءة والكتابة مهما كانت الظروف، وأن يمتلكوا الحق في الوصول إلى التعليم الأساسي لبناء عالمهم المعرفي، حيث طوعت مؤسسة كلمات إلى ما تهدف إليه وأسهمت من خلالها في الوصول إلى العديد من أطفال العالم في أربع قارات من العالم وهي: آسيا وإفريقيا وأوروبا وأمريكا الجنوبية: ومن ثم دعمهم، حتى اللاجئين والمكفوفين وضعاف البصر في كل أنحاء العالم دعمتهم عبر مبادرتي «تبن مكتبة، وأرى»

دور محوري

الحب والعاطفة النبيلة تجاه إمارة الشارقة عوامل رئيسية في وجدان الشيخة بدور القاسمي التي كانت ولا تزال الصورة المشرقة التي تجسد الهوية من خلال السعي الدؤوب من أجل إطلاق مبادرات تدعم النشر المحلي، وتحث على تطوره بصورة كبيرة وذلك بفضل جهودها التي أحدثت أثراً ملموساً في هذا الإطار، فقد اختصرت زمناً بأكمله من أجل تطور صناعة النشر لتصبح أكثر شمولية، فشخصيتها القيادية أهلتها إلى القيام بدور محوري في ترسيخ قواعد فارقة لتحديد معالم مستقبلية يحظى بها هذا القطاع الذي لمسه ناشرون وقراء، فقد أطلقت «صندوق الأزمات للناشرين الإماراتيين» من خلال توفير ميزانية ضخمة في أزمة كورونا الماضية، حتى يتم استكمال المشاريع الإبداعية على أكمل وجه، ومن ضمن جهودها تأسيس مناصب قيادية في صناعة النشر، إضافة إلى مبادرة الصندوق الإفريقي للابتكار في النشر بالتعاون مع دبي العطاء والاتحاد الدولي للناشرين لدعم المشاريع التي تهدف إلى تعزيز التنمية المستدامة والتعليم والنشر في القارة الإفريقية فعطاؤها بلا حدود بدعمها المتواصل لصناعة النشر والناشرين على المستويين المحلي والعالمي، ويكفي أنها قامت بسلسلة من الزيارات الدولية واجتمعت مع ناشرين في مختلف أنحاء العالم من أجل العمل على ضرورة محاربة الرقابة والضغوط والممارسات الترهيبية على الناشرين من أجل حرية الإبداع. لقد استفادت الشيخة بدور من الاطلاع على أزمات النشر العالمي وقدمت حلولاً بناءة من أجل اتساع أفقه في الإمارات، وهو ما أسهم في دعم مسيرته وتنميته وازدهاره بشكل ملموس.

محطات

في يناير 2023، عُينت الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي رئيسة للجامعة الأمريكية في الشارقة ورئيسة لمجلس أمنائها، بهدف التوفيق بين النهج التعليمي للجامعة من جهة وبين أولويات الشارقة فيما يتعلّق بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية، والقوى العاملة، والابتكار، من جهة أخرى. وتحقيقاً لهذه الغاية، تعمل الشيخة بدور القاسمي على تحقيق التميّز في مجالات التدريس، والبحث، والخدمة العامة، بما يُسهم في تخريج طلبة عالميين مؤهلين لقيادة المستقبل في مجتمعاتهم وفي دولة الإمارات العربية المتحدة والعالم.

وتعمل الشيخة بدور على إقامة تعاون أعمق بين الجامعة والصناعة في مجال البحث والتطوير بصفتها رئيسة مجلس الإدارة ورئيسة مجمع الشارقة للبحوث والتكنولوجيا والابتكار. وهي تشرف على الجهود التي يبذلها المجمع، الذي تقدّر قيمته بنحو 150 مليون دولار أمريكي، لتعزيز مكانة الشارقة وجهةً رائدة عالمياً في مجالات التكنولوجيا الناشئة.

وبصفتها رئيسة هيئة الشارقة للاستثمار والتطوير (شروق)، ساعدت الشيخة بدور بجهودها المتواصلة على جذب أكثر من 4 مليارات دولار أمريكي من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتوفير أكثر من 20 ألف فرصة عمل، وزيادة نمو الناتج المحلي الإجمالي للشارقة بنسبة 78٪. ومن خلال عملها رئيسة لمركز الشارقة لريادة الأعمال (شراع)، ساعدت الشيخة بدور في تسريع تطوير منظومة ريادة الأعمال في الشارقة ودعم 150 شركة ناشئة، ما أدى إلى جذب استثمارات بقيمة 128 مليون دولار أمريكي وتوفير 1400 وظيفة.

أسست الشيخة بدور جمعية الناشرين الإماراتيين، والمجلس الإماراتي لكتب اليافعين، ومشروع «ثقافة بلا حدود» لتعزيز نمو قطاع النشر الإماراتي الذي تزيد قيمته على 300 مليون دولار أمريكي. كما أسست «مجموعة كلمات للنشر»، وهي شركة عالمية في مجال النشر وتكنولوجيا التعليم تمتلك اليوم حقوق الترخيص والتوزيع في 54 دولة. كما ترأست لجنة الشارقة عاصمة عالمية للكتاب 2019، وقادت الجهود الرامية إلى تأسيس جمعية الإمارات لإدارة حقوق النسخ.

في 2022 كانت الشيخة بدور أول عربية وثاني امرأة تتولى رئاسة الاتحاد الدولي للناشرين منذ تأسيسه في عام 1896. كما أطلقت مبادرة «ببلش هير» (PublisHer)، وهي منصة عالمية تضم في عضويتها أكثر من 1000 امرأة من النساء الرائدات في مجال النشر والمهتمات بالتصدي لتحديات التنوع والشمول في النشر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3jmzn28j

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"