عادي

الجميلات المخادعات

22:57 مساء
قراءة 3 دقائق

الشارقة: علاء الدين محمود

تحاول الترجمة، في مجال الشعر على وجه التحديد، أن تصل إلى درجة قريبة من التماثل مع النص الأصلي، أي ذلك الذي كُتب بلغة أخرى، ويحاول المترجم في هذه العملية أن يتجنب الترجمة الحرفية؛ لأن ذلك الفعل يضر بالنص الشعري، الأمر الذي يجعل المترجم يبذل مجهوداً كبيراً يفرز في النهاية نصاً مختلفاً عن النص الأساسي المترجم عنه، وربما ذلك يشكل أول أبواب ما يعرف بالخيانة في النص، ولكن من المستحيل بطبيعة الحال أن تتم ترجم نص يتطابق تماماً مع اللغة التي نقل إليها، أمر غير مطلوب، وهو في الواقع يقود إلى ابتذال النص، مهما كان المترجم على معرفة كبيرة بلغة النص الأصلية واللغة التي يريد أن يترجم إليها، بالتالي، فإن ما يقوم به المترجم هو تأويل النص الإبداعي، أو الترجمة كإعادة إبداع، وهو الإبداع الخاص بالمترجم نفسه الذي يضفي على النص جماليات ربما تتفوق على النص الأصلي، هنا تبرز روح المترجم المبدعة، ولكن هذا يؤدي في النهاية إلى خيانة النص، بحيث أن ما ينتج عن هذه العملية هي نص خاص بالمترجم.

ولكن في بعض الأحيان، فإن عملية الترجمة تقود إلى نص مشوّه؛ يفقد الكثير من المعاني والجماليات التي حملتها القصيدة المترجم عنها، فعلى سبيل المثال، نحن في العالم العربي لا نقرأ شكسبير عندما تتم ترجمته إلى العربية، بل تأويل المترجم لشكسبير، وهكذا في حالة بقية الشعراء والأدباء العالميين، وهذه مسألة في غاية الخطورة، لأن القارئ في الحالتين، سواء كانت الترجمة قد تفوقت على القصيدة الأصلية، أو شوهتها، فهو يقرأ نصاً خاصاً بالمترجم، وليس الشاعر، ونلاحظ أن الكثير من المراكز الأوروبية في سياق تشجيعها لأعمال الأدباء المهاجرين في أوروبا من جنسيات مختلفة، تقوم بترجمة أعمالهم تلك إلى اللغات الأوروبية بهذه الكيفية التي تحدثنا عنها، ترجمة في كثير من الأحيان تأخذ من روح النص، لتهيمن على النص تماماً روح المترجم، ومهما وصف المترجمون والنقاد هذه الترجمة بالجمال، وبالخيانة الجميلة إلا أنها تبقى مفارقة للنص الأول، حيث إن ما ينتج في هذه الحالة هو ما يطلق عليه المترجمون «الجميلات المخادعات»، وهي النصوص التي تبرّجت وتزينت بمساحيق المترجم، فبدت في غاية البهاء.

وتلك هي المعاني التي يتناولها المترجم والكاتب محمد عناني في مؤلفه «فن الترجمة»، فهو يبحث في أشكال مختلفة من الترجمة، مستحضراً الناقد الإنجليزي درايدن، الذي يفرق بين ثلاثة مذاهب في الترجمة الأدبية: الأول هو النقل الحرفي للألفاظ في سياقها الأصلي؛ أي الترجمة الحرفية، والثاني هو نقل المعاني فحسب، بغض النظر عن نسق الجملة أو انتظام الكلمات في العبارة، وما لهذا من دلالات، والثالث هو إعادة سبك العبارات، بل القصيدة كلها إذا اقتضى الأمر، بحيث يستطيع تقديم المثيل، أو البديل للعمل الأصلي باللغة المترجم إليها، وهو يطلق على هذا اصطلاح «المحاكاة».

ويؤكد عناني في الكتاب، أن المترجم الصّادِق هو الأديب الصادق أيضاً؛ فهو يستوعب أدب أمته وتراثها، وهو ينقل العمل الأدبي الأجنبي في إطار هذا الأدب والتراث، وما إجادة الوزن والقافية إلا مظهر من مظاهر هذا الاستيعاب، ولذلك فحين ينحو المترجم نحو محاكاة الوزن والقافية الأصليين، من دون اعتبار لما يتوقعه القارئ العربي، فإنه لا يحقق النجاح المرجو، ويخرج عمله في إطار الدرجة الثانية من الترجمة؛ أي في إطار النقل والمحاكاة دون الإبداع، فلابد من الفعل الإبداعي بحيث يتصرف المترجم بحرية في القصيدة حتى يقرب معانيه، غير أنه بطبيعة الحال لا يعطي القارئ القصيدة أو النص الأصلي، بقدر ما هو مجهود المترجم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yssjtfj7

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"