عادي

ليبيا.. مبادرة باتيلي استنساخ للفشل

00:11 صباحا
قراءة 4 دقائق
ليبيا.. مبادرة باتيلي استنساخ للفشل

د. محمد فراج أبو النور*

وجّه المبعوث الأممي إلى ليبيا، عبدالله باتيلي، مؤخراً الدعوة إلى الأطراف المؤسسية الرئيسية في البلاد لعقد اجتماع بغية التوصل إلى تسوية حول القضايا الخلافية المرتبطة بتنفيذ العملية الانتخابية، بمشاركة ممثلي القوى الخمس الرئيسية: المجلس الرئاسي، ومجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، وحكومة الدبيبة، والقيادة العامة للجيش الوطني الليبي، والتي يطلق عليها المبعوث الأممي تسمية «الخمسة الكبار».

الاجتماع هدفه وضع جدول أعمال والمسائل العالقة الواجب حلها لتمكين المفوضية الوطنية العليا للانتخابات من الشروع في تنفيذ قانونَي الانتخابات الصادرين عن البرلمان.

وسرعان ما أصدر سفراء الدول الغربية الكبرى في طرابلس (أمريكا وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا)، بياناً مشتركاً أعلنوا فيه دعمهم لدعوة باتيلي، مستخدمين فيه الكثير من الصياغات التي جاءت في الدعوة وقبلها في قرار مجلس الأمن «2702» الخاص بتجديد ولاية باتيلي لمدة عام 30 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

ويبدو أن هذا الاتفاق في الصياغات قد أطلق تداولاً لدى بعض المراقبين، جعلهم يتحدثون عن تصميم، دولي وغربي، على تشكيل حكومة جديدة لإنجاز الاستحقاق الانتخابي خلال ثمانية أشهر.

خلافات وانقسامات

والحقيقة أن دعوة باتيلي أو «مبادرته الجديدة» لم تتضمن تحديد توقيتات، كما يوضح نصها الذي نشرته «وكالة الأنباء الليبية– في 23 نوفمبر». وأن من تحدث عن التوقيتات هو رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، في معرض إشارته إلى خارطة الطريق التي كان البرلمان أقرّها، ولكن لم يتم تنفيذها. بل تدعو مبادرة باتيلي الجديدة إلى اجتماع ممثلي الأطراف «الخمسة الكبار» لتحديد موعد ومكان بدء اجتماعات قادة هذه الأطراف، ومن دون تحديد مدى زمني مستهدف يتم خلاله الاتفاق فيما بينهم، ولا حتى جدول للأعمال والقضايا الخلافية والعالقة إلا بعد الاجتماع التحضيري لممثلي الأطراف الخمسة الرئيسية. بل إن (الدعوة) لم تتحدث بكلمة واحدة عن الحكومة المصغرة المدعوة لإجراء الانتخابات. وإنما عن حل القضايا العالقة «لتمكين المفوضية العليا من تنفيذ قانوني الانتخابات».

الخلافات حول دعوة باتيلي بدأت منذ اللحظة الأولى، فقد أعلن عقيلة صالح أنها «مبادرة جيدة»، لكنه اعترض على حضور الدبيبة للاجتماعات باعتبار أن حكومته منتهية الصلاحية، وأن البرلمان قد سحب منها الثقة، وبديهي أن هذا الاعتراض ينسف المبادرة من أساسها.

المشير حفتر بدوره رفض حضور الدبيبة الاجتماعات، وأكد ضرورة تمثيل د. أسامة حماد رئيس حكومة «الاستقرار الوطني» التي تحظى بثقة البرلمان، ولا تعترف بها الدول العربية والأمم المتحدة.

بينما كان طبيعياً أن يعلن الدبيبة ترحيبه بدعوة باتيلي، أما محمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي فقد أعلن ان المجلس سيحدد موقفه من الدعوة بعد اجتماعه المقبل في (4 ديسمبر/ كانون الأول).

أما بالنسبة إلى المجلس الأعلى للدولة، فقد أعلن رئيسه محمد تكالة- أثناء زيارة يقوم بها إلى موسكو- أن الانتخابات قريبة في ليبيا، بالرغم من أن المجلس كان قرر في أوائل أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عدم الاعتراف بقانون الانتخابات نظراً للتعديلات التي تم إدخالها على النص الأصلي للجنة (6+6)، بخلاف ما يقضي من التعديل الدستوري الثالث عشر، وبالتالي سحب مجلس الدولة موافقته السابقة على القانونين (القاعدة الدستورية للانتخابات)، في ظل رئاسة خالد المشري، ولم يعلن المجلس بعد موقفه من مبادرة باتيلي الجديدة.

(المبادرة).. خطوات للخلف

واقع الأمر أن مبادرة باتيلي الجديدة محاولة رديئة لاستنساخ مبادرته الأولى (مارس/ آذار 2023) الفاشلة التي رفضتها الأطراف الليبية.. بل إنها تتراجع عنها خطوات للخلف. فالمبادرة الأولى كانت تتحدث بوضوح عن حكومة مصغرة تقوم بالإعداد للانتخابات، ويتم تشكيلها من خلال «لجنة توجيهية» يقوم المبعوث الأممي باختيار أعضائها من خلال لقاءات بممثلي الشباب والمرأة والقبائل والأحزاب السياسية.. إلخ، ويشير نص المبادرة الجديدة إلى استمراره في إجراء هذه اللقاءات الأمر الذي ينبئ عن إصراره على الاستمرار في محاولة تشكيل اللجنة المذكورة، ولكن دون الإعلان عن ذلك،

ومن ناحية أخرى، فإن تركيز المبعوث الأممي على دور مفوضية الانتخابات وعدم ذكره للحكومة المصغرة، يثير البلبلة والخلط، خاصة أن المبادرة لا تلتزم بأية مرجعية، وتترك الباب مفتوحاً لتقديم أية فكرة بما في ذلك فكرة إشراف حكومة الدبيبة على الانتخابات، والتي طرحها الأخير مرات عدة، علماً بأن الدول الغربية الكبرى ترى حكومته «شرعية». وبديهي أن البرلمان والجيش الوطني لن يوافقا على فكرة كهذه، لكن مناقشتها ستكون مضيعة للوقت والجهد، وفتحاً لباب الضغوط.

من ناحية أخرى، فإن عدم تحديد سقف زمني للمفاوضات، ولا موعد مسبق لها، يفتح الباب أمام المماطلة.. ومعروف أن الأطراف الليبية كلها بارعة في هذا الصدد. وهكذا نرى أن «مبادرة باتيلي الجديدة» هي استنساخ رد يء لمبادرته الأولى.

الظروف الإقليمية والدولية

ليبيا دولة بالغة الأهمية، سواء من حيث ثرواتها النفطية، أو من حيث موقعها الاستراتيجي بالغ الأهمية، وبالتالي، فإنها تقع في قلب اهتمامات القوى، الدولية والإقليمية، والقوى السياسية في ليبيا مرتبطة بصورة وثيقة بهذه القوى الدولية والإقليمية، وبالتالي فإن معالجة الأزمة الليبية لا يمكن أن تكون على مستوى السفراء بالطبع، ولا نجد لبيان السفراء الخمسة أهمية كبيرة.

والحال أن الحرب المشتعلة في غزة، بتداعياتها الكبيرة والخطرة، والحرب الأهلية المحتدمة في السودان، لا تفسح لليبيا مكاناً على رأس قائمة الأولويات الأمريكية والغربية في الوقت الراهن، خاصة أن المواجهة الروسية- الأطلسية مستمرة، وأن الإدارة الأمريكية مقبلة على عام الانتخابات، ويعني هذا أن اتخاذ خطوات كبرى، أو كبيرة في ليبيا في الوقت الراهن، يظل أمراً قابلاً للتأجيل، وينطوي على إمكانية انفجار أمني غير مطلوب..

لهذا نجد باتيلي يصرح بأن الحرب في غزة والوضع في السودان «يعقّدان مهمتي الصعبة بالفعل».. وينضم بثبات إلى قائمة «المستثمرين في الوقت».

* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yxt3pzbw

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"