عادي
قراءات

أوهام رومانتيكية عن المرض

00:35 صباحا
قراءة 3 دقائق

القاهرة: «الخليج»

تتناول سوزان سونتاج في كتابها «المرض كاستعارة»، ترجمة حسين الشوفي، تاريخ الأمراض في أوروبا، وتلقي الضوء على معاني الأمراض الاجتماعية عبر التاريخ، منذ اليونان القديمة إلى القرن العشرين، وفي كل الحالات، فإنها توضح أن هناك مرضين أثقلا بزخارف الاستعارة إلى حد كبير، وبشكل متشابه، السل والسرطان، وإن الأوهام التي أثارها السل سابقاً، والتي يثيرها السرطان الآن، هي استجابات لمرض عسير العلاج، أي لمرض غير مفهوم.

كان مرض السل عبارة عن لغز، فقد اعتقد البعض أنه مرض ماكر، وأنه سرقة للحياة، عنيد، ولا يمكن علاجه، وأتى دور السرطان الآن لأن يكون المرض الذي لا يقرع الباب قبل دخوله، ويقوم بدور المجرب الذي يغزو الجسم بسرية تامة، ومن دون رحمة، أو شفقة، وسيحافظ السرطان على دوره إلى اليوم الذي سيصبح العلم به وبأسبابه، وكيفية علاجه، أموراً واضحة لعلوم الطب مثلما أصبح السل.

عندما كانت معرفة شخص ما، قبل بضعة عقود خلت، أنه مصاب بالسل معادلة لسماعه حكماً عليه بالموت، مثل تساوي السرطان بالموت، في الخيال الشعبي هذه الأيام، وكان من الشائع إخفاء طبيعة مرض السل عن المصابين به، وعن أولادهم بعد موتهم، وكان الأطباء وأسر المرضى يتحاشون الكلام عن المرض بحرية، حتى مع المرضى الذين يعرفون ما هو مرضهم، لقد كتب كافكا في إبريل عام 1924 من المصحة التي توفي فيها بعد شهرين: «عند الكلام عن السل تصبح لهجة المتحدثين خجولة، وفيها مداراة ورغبة في التوقف عن الخوض في هذا الموضوع».

يُعتقد أن السل ليس مؤلماً، بينما يكون السرطان مؤلماً جداً طوال الوقت، وأن السل يقدم لمريضه موتاً سهلاً، بينما يؤدي السرطان إلى موت مؤلم، وبائس، وتعيس، وقد استمر السل لأكثر من 100 سنة بالطريقة المفضلة لإعطاء الموت معنى، كمرض تثقيفي وتهذيبي، وأدب القرن التاسع عشر مملوء بأوصاف للموت بسبب السل من دون أعراض، أو خوف، خصوصاً موت الصغار، مثل موت إيفا الصغيرة في «كوخ العم توم»، وفي رواية «نيكولاس نيكلبي» حيث وصف ديكنز السل بقوله «المرض المرعب الذي يهذب الموت، وينقيه».

كان الكليشيه الذي يربط بين السل والإبداع وطيداً لدرجة أن ناقداً في نهاية القرن التاسع عشر اقترح أن اختفاء السل المستمر كان السبب في انحطاط الفنون والآداب الحالي، لكن الأوهام المتعلقة بالسل قدمت لنا أكثر من شرح للإبداع، لقد زودتنا بطراز مهم للحياة البوهيمية التي تعاش بوجود، أو غياب وظيفة الفنان.

وكما كان مألوفاً بعد كل موت بالكوليرا أن تحرق ثياب الشخص الذي مات به، كان يحرق أيضاً كل ما يتعلق بالشخص الذي مات بالسل، وقد كتب رفيق كيتس من روما في السادس من مارس عام 1821 بعدما توفي كيتس في غرفته الصغيرة: «أولئك الإيطاليون القساة قد أنهوا تقريباً عملهم الوحشي، لقد حرقوا كل الأثاث، وهم الآن يكشطون الجدران، ويفتحون نوافذ جديدة، وأبوابا جديدة، حتى أنهم يعملون أرضية جديدة للغرفة».

يظهر المرض في الإلياذة والأوديسا كعقاب خارق للطبيعة، ويمكن أن يكون مريض السل طريد عدالة، أو شخصاً غير قادر على التكيف مع المجتمع، بينما شخصية مريض السرطان تعد ببساطة أكبر، كشخصية مريض هو واحد من الذين خسروا حياتهم، وقد شخص سرطان نابليون بأنه رد فعل على هزيمته السياسية، وبتر طموحاته وتحطيمها.

ولأن سونتاج أصيبت بالسرطان، فإنها تكشف عما أثار غضبها، وحوّل انتباهها عن الرعب واليأس، اللذين أصاباها، عندما شخص لها الطبيب مرضها، تقول: «أبدى كثير من زملائي المرضى الذين كنت أتكلم معهم خلال علاجي في المستشفى، ومع الآخرين الذين قابلتهم خلال مدة السنتين ونصف السنة التي قضيتها في تلقي العلاج الكيميائي في عدة مستشفيات، كمريض خارج المستشفى هنا وفي فرنسا، اشمئزازهم وتقززهم وشعورهم بالعار من مرضهم السرطان، وبدوا كأنهم في قبضة أوهام عن مرضهم».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/5n76969m

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"