رسائل الفيدرالي المتضاربة

21:41 مساء
قراءة 4 دقائق

ريان مكماكين *
أصدرت اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة التابعة لبنك الاحتياطي مؤخراً محضر اجتماعها في ديسمبر/كانون الأول، والذي عزز وجهة النظر التي يتبناها العديد من المستثمرين والمراقبين في «وول ستريت»، بأن المركزي يعتزم البدء بسلسلة من التخفيضات في أسعار الفائدة بحلول منتصف العام الجاري.

ويتوافق هذا ضمناً مع أعضاء اللجنة الفيدرالية أنفسهم، الذين اقترحوا بأغلبية ساحقة في ملخص توقعاتهم الاقتصادية «داخلياً» خفض سعر الفائدة بما لا يقل عن 50 نقطة أساس هذا العام، ونطاقاً مستهدفاً أقل للسعر على الأموال الفيدرالية بحلول نهاية عام 2024.

كل هذا يعطي الانطباع بأن الاحتياطي الفيدرالي مستعد لتخفيضات وشيكة في أسعار الفائدة. ولكن مع ذلك، فإن رسائل البنك الشاملة مصممة على إيصال أي شيء للجمهور الأوسع إلا الوضوح. ومن خلال التشويش، يتضح كيف تسعى أكبر مؤسسة مالية عالمية لخدمة المصالح السياسية المختلفة، وتجنب المزالق المتمثلة في جموح التضخم والركود الاقتصادي.

فعلى سبيل المثال، قبل شهر واحد من هذا التحول الأخير نحو خفض سعر الفائدة، شدد رئيس الفيدرالي جيروم باول للصحفيين على أن اللجنة ليست لديها خطة على الإطلاق لخفض الأسعار. وبطبيعة الحال، لم يتراجع معدل التضخم إلى الهدف الاعتباطي الذي اخترعه المركزي قبل نحو عشرين عاماً 2%، حيث بلغت القراءة الشهر الفائت 3.9%، أي ما يقرب من ضعف المعدل المستهدف، ونمت معدلات التوظيف بشكل طفيف فقط.

في المقابل، أدت تعليقات باول إلى ارتفاع السوق، واعتبرها المستثمرون مؤشراً لجولة جديدة من الأموال السهلة قيد الإعداد في عام 2024. ويكاد يكون هذا صحيحاً بالفعل، لكن موظفي الاحتياطي الفيدرالي تجنبوا الحديث عن المال السهل. وقال رئيس البنك في نيويورك جون ويليامز في اليوم التالي: «نحن لا نتحدث عن تخفيضات أسعار الفائدة في الوقت الحالي».

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فبعد يوم واحد من تصريح ويليامز بأن تخفيضات أسعار الفائدة ليست مطروحة على الطاولة بعد، أعلن أوستان غولسبي، رئيس الفيدرالي في شيكاغو، أن البنك يجب أن يبدأ في القلق بشأن التوظيف. وعلى حد قوله: «يتعين علينا أن نفكر في مدى التقييد الذي نريد أن نكون عليه، وهل هناك مخاطر على جانب التوظيف؟» ما يعنيه هو أن بنك الاحتياطي الفيدرالي شعر بالقلق مبكراً بخصوص التضخم ولفترة كافية، وقد حان الوقت الآن للعودة إلى الأموال السهلة والرخيصة للحفاظ على معدلات تشغيل العمالة مرتفعة.

إذن، كيف لنا أن نفسر كل هذه الرسائل المختلطة من جانب المركزي الأمريكي؟ فهو لم يعد مؤسسة سوق، بل قضية سياسية يحاول باول واللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة من خلالها ممارسة لعبة معقدة تتمثل في موازنة التوقعات بين مجموعات رئيسية معينة. ولا ينبغي بكل تأكيد أن ننظر إلى الأمر برمته وكأن البنك مليء بالعلماء المحايدين الذين يذهبون إلى حيث تأخذهم الأرقام والبيانات، كما يزعم مسؤولوه، فهم بذلك إما يكذبون أو يمزحون.

وبحسب معهد «ميزس»، سيسعى الاحتياطي الفيدرالي في عام الانتخابات الرئاسية الجاري، على الأقل، إلى تجنب رفع سعر الفائدة المستهدف أكثر، لأن ذلك قد يُسرع بحدوث الركود. فالبنك يرغب في بقاء الإدارات الأمريكية المتعاقبة راضية عنه، وهذه هي الحال منذ عقود. ولتحقيق هذه الغاية، يُفضل دوماً خفض سعر الفائدة المستهدف على الفور، لكنه يخشى في المقابل رد الفعل العام تجاه المزيد من تضخم الأسعار، وهذا يعني مجرد «توقف مؤقت» على المعدل المستهدف.

لذلك يسعى الفيدرالي باستمرار لتحقيق الأمرين في وقت واحد، خفض الأسعار ومحاربة التضخم، وإحدى الاستراتيجيات التي يستخدمها للوصول إلى هدفه هي التلميح بشكل متكرر بأن تخفيضات أسعار الفائدة تلوح في الأفق، دون إجراء خفض فعلي. وهذا أمر مجسد بوضوح في تقرير ديسمبر الأخير، والذي يلمح للمستثمرين بأن التدفقات النقدية المعتمدة على المال السهل سوف تتحسن قريباً.

لكن ما يمكن وصفه ب«قريباً» لا يتم تحديده مسبقاً تماماً، فهذا لا يهم البنك المستمر باللعب على وتر التوقعات. وبهذه الطريقة، يستطيع الحفاظ على سعر الفائدة المستهدف ثابتاً خوفاً من تضخم الأسعار من ناحية. ومن ناحية أخرى، يمكن أن يعد بشكل غامض بتخفيض أسعار الفائدة عند أول علامة على وجود مشكلة حقيقية. ومع ذلك، فإن المحضر أكثر وضوحاً حول ما إذا كان سعر الفائدة المستهدف سيرتفع، وتشير الوثيقة بقوة إلى أن السعر من المرجح أن يكون عند ذروته أو بالقرب منها خلال دورة التشديد هذه.

سيواصل مسؤولو «وول ستريت» وإدارة بايدن الضغط من أجل تخفيض سعر الفائدة. لكن، في ظل وضعنا الحالي، لا ينبغي لسوق المال ولا البيت الأبيض توقع أن تؤدي التخفيضات إلى أي معجزات اقتصادية. وكما كتب الاقتصادي الإسباني دانييل لاكال: «قد تُخفض البنوك المركزية أسعار الفائدة دون أي حلول حقيقية أو تأثير ملموس في الاقتصاد الإنتاجي». ويقصد أن ذلك لن يفعل الكثير لدعم قضايا التوظيف والوضع الاقتصادي العام.

عندما يبدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة، فهو رهان آمن جداً على أن الركود في الطريق. لأن التخفيضات الأكبر في الأسعار غالباً ما تشير إلى مشاكل أكبر. ولكن قبل أن يدرك الجمهور الأمر، سيُفلت الفيدرالي من المسؤولية عبر توجيه رسائل غامضة ومشوشة ومتناقضة تعطي الانطباع بأنه يقوم بضبط أداة اقتصادية حساسة، بينما هو في الواقع لا يمارس سوى لعبة اعتاد عليها.

* محرر تنفيذي في معهد ميزس

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/3xvn296c

عن الكاتب

تنفيذي في «معهد ميزس»

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"