عادي
الدعم الاجتماعي حاجز منيع

الاضطرابات النفسية..عدو النمو السويّ للأطفال

22:57 مساء
قراءة 5 دقائق

تحقيق: راندا جرجس

يظن الكثيرون أن المشكلات النفسية تستهدف الكبار فقط، ولكن على الأغلب تكون ناجمة عن رواسب وذكريات مؤلمة وأزمات ومجموعة من الاضطرابات النفسية والعقلية والسلوكية، حدثت في مرحلة الطفولة، وعلى الأغلب لا يستطيع الصغار التغلب عليها، ما يؤثر في جودة نمط الحياة، ويعيق من نموهم السويّ، ويؤثر سلباً في تصرفاتهم وردود أفعالهم في المدرسة أو المنزل، وفي السطور القادمة يتحدث مجموعة من الخبراء والاختصاصيين عن أهم الاضطرابات النفسية التي قد يواجهها الأطفال، وخيارات العلاج ونصائح للتعامل معها بطريقة تربوية سليمة.

تقول د. ندى البشير استشارية الطب النفسي، إن اضطرابات السلوك النفسي مجموعة من الحالات تستهدف الأطفال عادة حتى سن 10 سنوات، وتؤثر في صحتهم النفسية والسلوكية، وقدرتهم على العمل والتعلم والتفاعل مع الآخرين، وتشمل الأعراض الشائعة الحزن المستمر، القلق الزائد، تغيرات في الشهية أو أنماط النوم، صعوبة التركيز أو الانتباه وضعف الأداء الأكاديمي، السلوك العدواني، الانسحاب الاجتماعي أو العزلة، سلوكيات إيذاء النفس، فرط النشاط أو الاندفاع.

الصورة
1

توضح د.ندى البشير أن أسباب اضطرابات السلوك النفسي لدى الأطفال تنطوي على مجموعة من العوامل الوراثية والبيئية والنفسية، وتتضمن وجود التاريخ العائلي للإصابة باضطرابات الصحة العقلية، التعرض لصدمات أو أحداث حياتية سلبية، التوتر المزمن أو عدم الاستقرار في البيئة الأسرية، اختلال التوازن الكيميائي العصبي في الدماغ، تأخر النمو.

وتضيف: يتم تشخيص اضطرابات السلوك النفسي لدى الأطفال من خلال تقييم شامل يجريه متخصصون في الصحة العقلية، ويشمل مقابلات مع المصاب ومقدمي الرعاية المتخصصين، ومراقبة السلوك، واستخدام أدوات التقييم الموحدة، والدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية بشكل شائع كمرجع لتأكيد الإصابة في هذه الحالات.

تشير د.ندى البشير أن نهج علاج اضطرابات السلوك النفسي لدى الأطفال يتضمن مجموعة من الخيارات المُكملة لبعضها وتناسب هذه الحالات خصيصاً، وتشمل أشكال العلاج النفسي التي تساعد الأطفال على تطوير مهارات التأقلم، وإدارة العواطف، وتحسين السلوك، مثل: العلاج السلوكي المعرفي، العلاج باللعب، ويمكن وصف الأدوية في بعض الحالات لإدارة أعراض معينة مرتبطة بهذه المشكلة، مثل: اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط أو القلق، كما يساهم الدعم المدرسي والتعاون مع المعلمين والمهنيين التربويين في توفير التسهيلات والتدخلات المناسبة لمساعدة الطفل على النجاح أكاديمياً واجتماعياً.

وتضيف: يلعب الآباء دوراً حاسماً في عملية العلاج، من خلال مشاركتهم في برامج التدريب والتثقيف والوعي حول ماهية المرض وطرق التعامل معه، وتلقي الإرشادات حول استراتيجيات إدارة السلوك لدعم تقدم الطفل، وخلق بيئة منظمة وداعمة وتعزيز إيجابي لتعزيز الشعور بالاستقرار.

عناصر متداخلة

يرى د. جراهام ويليامز، أخصائي علم النفس السريري، أن هناك العديد من العناصر المتداخلة التي تساهم في الإصابة بالاكتئاب عند الأطفال، ويُعد الميل الوراثي والتاريخ العائلي من أبرز العوامل المؤثرة، وخاصة أن هذه الفئة العمرية تميل إلى تقليد سلوك الأبوين كجزء من عملية التنشئة الاجتماعية للصغار، ويُطلق علماء النفس على هذه الحالة «التعلّم الاجتماعي»، كما تساهم الأحداث الصادمة والمؤلمة مثل الهجر أو المعاملة السيئة أو طلاق الأبوين، في حدوث تأثيرات بعيدة المدى على العقل النامي للطفل وسلوكه وإثارة أعراض المرض، كما يستهدف الذين عانوا من الخسارة أو الإهمال، ومن يتعرضون لتوتر مزمن ناجم عن مشكلات عائلية أو ضغط أكاديمي، ويعد الانطوائيون أو المنعزلون اجتماعياً أكثر عرضة للاكتئاب لأنهم لا يستفيدون من الدعم الاجتماعي الذي يمكنه أن يشكل حاجزاً منيعاً ضد تأثير الأحداث والظروف السلبية.

ويضيف: تشتمل العوامل الأخرى التي تؤدي إلى الاكتئاب على: التنمر، الإجهاد الأكاديمي والنزاع بين الأقران، وقد ساهم التقدم الأخير للعالم الرقمي في زيادة تعرضهم للتنمّر الإلكتروني، ما يؤثر بشكل سلبي في تقديرهم لذاتهم ويقلل من جودة نومهم، وربما يصبح الأمر أكثر سوءاً في حال عدم وجود الدعم العاطفي.

يلفت د.ويليامز أن أعراض الاكتئاب التي تظهر على الأطفال، تتنوع في حدتها، ما بين الغضب، والتهيج، والحزن، والانسحاب والعزلة عن الأشخاص والأنشطة، أما العلامات الأكثر خطورة فتتمثل في: التغيرات البيولوجية كقلة أو كثرة النوم، أو تغيرات في الشهية، بالإضافة إلى تدنّي الأداء الأكاديمي الذي ينجم عن عدم قدرتهم على التركيز واتخاذ القرارات السليمة، ويمكن أن يرافق هذه المشكلة صداع وآلام في المعدة.

ويشير د.ويليامز إلى أن اكتشاف الاكتئاب عند الأطفال عملية دقيقة عامل حاسم لتطوير خطة علاجية فعالة مُصممة للاحتياجات الخاصة لإدارة المرض، ويبدأ التشخيص من خبراء الصحة العقلية ذوي الخبرات التخصصية العالية في مجال التقييم، وإجراء مقابلات سريرية سيكولوجية شاملة مع الطفل وأبويه ومقدمي الرعاية، من خلال التركيز على أعراضه مثل التغيرات السلوكية والزيادة في التفكير السلبي، والتاريخ العائلي، كما أن ملاحظة السلوكيات غير المألوفة للأطفال في المنزل أو المدرسة يوفر للطبيب رؤى معمقة.

بيئة صحية

توضح زوبيا أمين، الأخصائية النفسية الإكلينيكية، أن الاهتمام بالصحة النفسية للأطفال أمر في غاية الأهمية، حيث إن أغلب حالات البالغين الذين يعانون مشاكل نفسية لديهم نوع من صدمات الطفولة أو تجارب لم يتم التعامل معها في الوقت المناسب، وتزداد سوءاً مع مرور الوقت.

وتضيف: نحن بحاجة إلى التركيز على العمل مع الأطفال، وتوفير بيئة صحية نفسية لهم لجعلهم قادرين على عبور هذه الأزمة، وتُعد مراقبة السلوكيات والأفعال والتصرفات أفضل الطرق لفهم ما يمر به الطفل، بدلاً من مجرد الحكم عليه بانه متقلب المزاج، أو منعزل أو حزين، أو غاضب على الدوام.

تضيف زوبيا أمين أن بعض مؤشرات الاكتئاب لدى الأطفال تشمل أن يظهروا هـــــادئين، ومنعزلين، ومنزعجين، ويعانوا من نوبات البكاء، ويواجهوا صعوبات فـــــي التعلم، ويتحدثوا بشكل سلبي، ويظهــــــر تغير في السلوك أو الشخصية، ويصعـــــب عليهم التعبير عن مشاعرهم بالكلمات فــــي معظم الأحيان، وتجــــدر الإشارة إلى أن الطبيعي أن يكــــون الأطفال مـــتقلبي المزاج عندما يمرون بمراحل وأعمار مختلفة.

وتقول: يعتمد علاج الاكتئاب عند الأطفال على تقييم الطبيب النفسي والتشخيص، ووصف الدواء بحسب الحالة، إلى جانب تطبيق جلسات العلاج باللعب وتعديل السلوك والعلاج السلوكي المعرفي وفــــــقاً لعمر الطفل لفهم المشكلات التي يواجهها ومساعدته على التعامل معها، إلى جانب تعليمه المهارات الحياتية وتمكينه من خلال بناء الثقة والتحفيز.

تؤكد زوبيا أمين أن الوقاية من الاكتئاب، يمكن أن تتم من خلال تطبيق بعض الإجراءات، مثل: التمتع بروتين وعادات غذائية صحية، وأن يحظى باهتمام إيجابي ووقت جيد، وأن يكون موثوقاً به، وأن يبني علاقة ودية حتى يتمكن من توصيل مشاعره.

وتضيف: يعد الاستماع اليقظ والاستجابة لما يتحدث عنه الطفل، ومساعدته على فهم مشاعره وتدوينها، والثناء عليه لتعزيز احترامه لذاته أمراً ضرورياً في تشكيل شخصيته وتعزيز مهاراته.

اضطراب ما بعد الصدمة

يوضح د. أجاي كومار، أخصائي الأمراض النفسية، أن اضطراب ما بعد الصدمة حالة منهكة تتبع حدثاً مرعباً جسدياً أو نفسياً، تعرض له الشخص مثل: الاعتداء الجسدي، مشاهدة العنف المنزلي أو الحروب أو الصراع، الكوارث الطبيعية، الحوادث، الصدمات الطبية، حالات الاختطاف، فقدان الأهل أو الأصدقاء، الإصابات العرضية، وبالتالي تراود المصاب أفكار وأحلام سيئة ومشاكل في النوم، والخوف والقلق، الشعور بتقلب المزاج أو الحزن أو الغضب أو عدم الاستمتاع بالأشياء كما كان من قبل وذكريات مستمرة ومخيفة عن هذه المحنة.

1

ويضيف: في بعض الأحيان يمكن أن تتأخر التأثيرات الناجمة عن الأحداث المؤلمة لمدة 6 أشهر أو أكثر، أما الذين تظهر لديهم الأعراض بعد وقت قصير من وقوع الحدث، فإن الحالة تتحسن بشكل عام بعد 3 أشهر، وغالباً ما يكون تأثير هذه المشكلة على الأطفال مزمن وطويل الأمد.

ويشير د.كومار إلى أن إدارة الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة يعتمد بشكل أساسي على طلب المساعدة المتخصصة من قبل الأخصائيين النفسيين، وخلق بيئة آمنة للمصاب تشجيع الدعم الاجتماعي، ومساعدته على البوح والتكلم عن المشاكل والمصاعب التي مر به، والتركيز على مهارات التأقلم، وتعزيز الصحة البدنية، ويمكن استخدام العلاج بالفن ممارسة تقنيات الاسترخاء واليوغا، وتطبيق العلاج السلوكي المعرفي الذي يركز على الصدمات.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/mrrs7vx4

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"