عادي

100 مليون عام من الطعام

23:19 مساء
قراءة 4 دقائق
100مليون عام من الطعام

القاهرة: «الخليج»

يعاني الناس في شتى بقاع العالم حالات منغصة، مثل البدانة والسكري من النوع الثاني، والنقرس وارتفاع ضغط الدم، وسرطان الثدي، وحساسيات الطعام، وحب الشباب وقصر النظر، وتسمى هذه الحالات «أمراض الحضارة الغربية» وباتت شائعة أكثر في العقود الأخيرة.

يقول ستيفين لي في تمهيد كتابه «100 مليون عام من الطعام.. ما أكله أسلافنا وأهميته في حياتنا» (ترجمة موسى جعفر): «إن المسألة الأساسية التي أحاول طرحها هي أن الزيادة الحديثة في المشكلات الصحية سببها التغيير الذي أحدثناه فيما اعتاده أسلافنا من حياة وبيئة ونظام غذائي». يشرح المؤلف ماذا اعتاد أسلافنا أكله، وكيف عاشوا، ويقدم اقتراحات عملية لمحاكاة عاداتهم، وإدخالها حياتنا اليومية للوقاية، أو لتأجيل بداية الأمراض المزمنة الشديدة.

حاول مؤلفون كثر إرشادنا إلى ذلك في كتبهم، لكن للأسف هناك خلاف بشأن ما علينا اتباعه من أكل أسلافنا، وعيشهم، على سبيل المثال، تدعو بعض الكتب إلى حمية الأسلاف، حيث ينصح القراء بتجنب محاصيل زراعية أساسية مثل الخبز والأرز والفاصوليا والحليب وأكل اللحوم والخضراوات، في حين تذكر كتب أخرى أن حمية المزارع الأمريكية التقليدية التي فيها الخبز والفاصوليا والحليب أسلم للصحة.

*اختلاف

يقول المؤلف: «درست علم الأنثروبولوجيا البيولوجية (دراسة تطور الإنسان) في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلس، ثم أمضيت سنتين أبحث في الطعام، والأمراض المرتبطة به في العالم، وألاحظ ما يأكله الناس، وآخذ عينات منه، وأتحدث مع منتجي الطعام وخبراء الصحة، وسائر الناس الذين لهم علاقة بالأكل والتغذية، فبدأت أدرك لماذا يختلف خبراء الصحة اختلافاً شديداً إزاء أي طعام علينا أكله».

يرى المؤلف أن ثمة خلطاً كبيراً في الفرق بين المنافع الصحية على المدى القصير والمنافع الصحية على المدى الطويل، فالحمية التي تجعل الشخص أنحف وحامل الأوزان أقوى، والمرأة أخصب صحياً إلى حد ما، لكنها عموماً ليست بحمية تطيل العمر، وهذا منطقي تماماً من منظور تطوري، وعادة ما يهمل الباحثون الفروق بين المنافع قصيرة الأمد وطويلة الأمد، أو يسيئون تفسيرها.

وهذا يؤدي بنا إلى العقبة الثانية التي يواجهها خبراء التغذية في هذا الشأن، وهي الميل لتجاهل التطور البشري أو إساءة تفسيره، والتركيز بدلاً منه على مفهوم بسيط للغذاء البشري ووظائف الأعضاء، وفي الواقع تشبه محاولة فهم الصحة البشرية والتغذية من دون فهم التطور، محاولة التنصت على مقتطفات محادثة لا معرفة السياق.

يشير المؤلف إلى أن معظم العلل المرتبطة بالطعام تنبع من تغير جذري حديث بنمط حياتنا، إذ انتقلنا من نشاطات بدنية وعقلية شاقة إلى حياة خاملة، تتخللها اندفاعات من التمارين القاسية (هذا إن وجدت) والمفارقة أن الأدلة في هذا الموضوع لا تدعم التصور السائد إزاء أن أسلافنا أحرقوا سعرات حرارية أعلى منا في أداء النشاطات البدنية، فضلاً عن هذا، فقد حدثت في العقود الأخيرة زيادة شديدة في التمارين وتزامن معها زيادة في مستويات البدانة في أمريكا الشمالية.

يرى النقاد أن الصلة بين التمارين الرياضية والبدانة ممكنة التفسير، فالتمارين الرياضية تجوع الناس، وتدفعهم للأكل أكثر، والبدن يعوض الحركة بتقليل عملية الأيض، فتذهب أي مكاسب من التمرين أدراج الرياح، العامل الحاسم قد يكون نمط النشاط الجسدي لا كميته، فقلة النشاط البدني قد تكون عامل خطر صحياً. كان أسلافنا يمشون نحو 14 كيلومتراً كل يوم، في حين كانت النساء يمشين قرابة 9 كيلومترات، والمشي يقلل من مستويات هورمون عامل النمو الشبيه بالأنسولين، ما يخفض خطر الحالات المرتبطة بالهورمونات مثل سرطان الثدي والبروستاتا وحب الشباب، كذلك يقلل المشي الطويل خطر السكري وله صلة بانخفاض الوزن.

يدعونا الكتاب إلى تناول أقل كمية من اللحوم ومنتجات الألبان في الشباب وتجنب الأطعمة السكرية والمقلية جداً، كل نوع على حدة من هذه الأطعمة مفيد، لكن المزج الحديث بينها غير مسبوق في التاريخ البشري، وما يزيد الطين بلة أن الناس بزيادة ثراء الأمم صاروا يستطيعون شراء السكر والزيوت النباتية، المشكلة في ذلك أن النشاط الهورموني يتعاظم حين نكثر من البروتين الحيواني والأطعمة السكرية والمقلية، ومن المرجح أن يجعلك الإكثار من الطعام الحيواني أطول وأقوى وأخصب وأسعد، غير أن هذه الأطعمة ستقصف عمرك على حد تعبير المؤلف.

كما يدعونا المؤلف إلى تناول الطعام التقليدي، ويقول: «كن تقليدياً وكل ما أكل أسلافك».

يوضح ستيفين لي، كيف أن مطابخ الثقافات المختلفة تحمل قروناً من التطور، ومعالجة بدقة لتلائم محيطنا وتركيبنا الأحيائي، لكنها، الآن انحرفت عن حميات الأسلاف، واعتمدت بدلاً من ذلك الطعام المنتج تجارياً بوفرة، والذي غالباً ما تدخل المواد الكيميائية في تصنيعه، ويؤدي إلى ما ندعوه «الأمراض الغربية».

*رحلة

يأخذنا المؤلف في رحلة مشوقة إلى أماكن مثل فيتنام، وكينيا، والهند، والولايات المتحدة الأمريكية، ويعرفنا على من يزرعون المحاصيل ويطبخون الطعام ويأكلونه بالطرق التقليدية والحديثة، سعياً منه لحمية صحية مستدامة، ومن ثم يتناول حججاً واضحة ودامغة مبنية على البحث العلمي، تؤكد أن حميات أسلافنا هي خط الدفاع الأول والأفضل لحماية صحتنا وتوفير حمية متزنة، على خلاف، حميات الأطعمة السريعة، التي تضر بطبيعتنا، وتتجاهل الطبيعة المعقدة لأجسامنا.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/dbad8xjm

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"