عادي
بصمة خاصة في قضايا التراث والفكر السياسي

عبد الإله بلقزيز.. حياة بين الأفكار

19:25 مساء
قراءة 4 دقائق
د. عبد الإله بلقزيز
  • تكريم «الألكسو» تتويج لمشوار ثقافي طويل
     

الشارقة: علاء الدين محمود

من بين الأسماء العربية التي لمعت في سماء الفكر العربي، يحتل المغربي الدكتور عبد الإله بلقزيز، مكانة خاصة، فقد استطاع أن يضع بصمته بعد مسيرة طويلة قضاها بين المعارف المختلفة، وبصورة خاصة الفلسفة، وكان اهتمامه الأكبر بالفكر السياسي والعربي واتجاهاته المتباينة، بخاصة المشاريع الكبرى التي ارتبطت بالنهضة العربية، وكذلك قضايا العصر، والتراث، والنهضة، والهيمنة الرأسمالية، والعولمة، وهي موضوعات أقبل عليها بالتشريح ورافعة التحليل والتفكيك من أجل الإحاطة بالظواهر من حيث تكوينها الأول، ورصدها لمعرفة أثرها، وكان له إسهامه المميز في الفكر والفلسفة على المستويين، العربي والعالمي.

ولعل تكريم بلقزيز، عبر اختياره من قبل المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم «الألكسو»، كرمز للثقافة العربية لعام 2024، هو بمثابة تتويج لمشوار كبير لبلقزيز مع الفكر، وقد نال بلقزيز العديد من مثل هذه الألقاب والجوائز المرموقة من قبل، منها: جائزة المغرب لعام 2009، وجائزة السلطان قابوس للفكر والفن والآداب في عُمان عام 2013، وجائزة المغرب للكتاب عام 2013، ولعل تلك الجوائز والتكريمات هي بمثابة اعتراف بالدور اللافت لبلقزيز في الحراك الفكري العربي، وكذلك في أفقه الإنساني.

  • مسيرة

مسيرة طويلة في دروب الفكر خاض تجربتها بلقزيز، كانت بدايتها مع كتابة المقالات للعديد من الصحف والمجالات العربية، ولا تزال كتابة المقال تعد واحدة من أهم وسائله وأدواته من أجل طرح القضايا والشواغل العربية، وتكوين المفاهيم، حيث تكتسب المقالة أهميتها الخاصة في مسيرته الفكرية، ولا تزال الصحف تستقبل كتاباته، ومنها صحيفة «الخليج»، وهي المقالات المنحازة للمواطن العربي في وجه الكثير من الأخطار، ربما على رأسها قضية التعصب، والتشدد، والإرهاب، حيث كان لبلقزيز اسهامه الوافر في هذا الشأن في تشكيل الوعي الصحيح، والوقوف ضد العقول المغلقة والمتحجرة، والبيئات التي تنتج التطرف، فكانت مقالاته تدعو للتحرر، وتقف ضد الانغلاق، ومواجهة طرائق التفكير القديمة، وكيفية الانتقال إلى الحداثة، كما ظلّ بلقزيز يدعو للثورة على الأيديولوجيات القديمة من داخلها، فكان يحرض على التجديد. والمتابع لتلك المقالات، أو الناظر لعناوينها يكتشف مباشرة المواضيع التي تشغل بال بلقزيز الذي ظل يحدث الناس عن «الرأسمالية والسيادة»، والأيديولوجية بين التضليل والمصلحة، والنظام الأهلي، والفردانية وانشقاق الفرد عن المجتمع، والدولة وفكرة النموذج، وغير ذلك من الأفكار التي عبرت عنها مقالات بلقزيز في العديد من الصحف والمجالات العربية، حيث كانت تنفتح مباشرة على الموقف والهم العربي.

  • حوارات

ولم يكتف بلقزيز فقط بالمقالة في المجالات والصحف العربية، التي كتب لها، بل كانت كذلك له حوارات ومقابلات أجراها مع العديد من المفكرين العرب في مجالات السياسة والفلسفة، وهي التي قدمت إضاءات ساطعة حول اتجاهات الفكر العربي، حول القومية العربية، وشواغل الوحدة، ونقد نحو حركة الإصلاح في الفكر الإٍسلامي، ومواقف من الاشتراكية العربية في تياراتها المختلفة، وقضايا التراث، وكذلك المشروع الليبرالي، وكانت تلك هي المشاريع الفكرية التي سيطرت كثيراً على المثقفين العرب، وعلى مسألة النهضة العربية، وكانت بمثابة إجابات عن سؤال: كيف ينهض العرب؟ حيث شق بلقزيز لنفسه طريقاً واضحاً ومختلفاً، بحمولة نقدية كبيرة، وذلك هو دور المثقف والمفكر، إضافة إلى تطوير أطروحات ومفاهيم جديدة.

  • رؤى

ولئن كانت كتابة المقالة، أو إجراء المقابلة، وغير ذلك من فنون صحفية، بمثابة وسيلة لبلقزيز في التعبير عن أفكاره، فإنه قد قام بالتعبير بصورة أكبر عن الرؤى والمفاهيم التي كوّنها في كتب ومؤلفات، بلغت قرابة الخمسين كتاباً، في الفلسفة والعلوم الإنسانية والدراسات الإسلامية، وهنالك العديد من العناوين التي تحمل أفكاراً معاصرة وشديدة الأهمية، بخاصة تلك المتعلقة بالسياسة ومفرداتها المختلفة، والفلسفة ومفاهيمها، منها «في الديمقراطية والمجتمع المدني»، و«الإسلام والسياسة»، و«الدولة في الفكر الإسلامي المعاصر»، و«تكوين المجال السياسي الإسلامي»، و«الدولة والدين في الاجتماع العربي الإسلامي»، و«الدولة والمجتمع»، و«الفرانكفونية»، و«المتغيرات والصيرورات؛ قراءة في معطيات عالم متحول«، و«نقد السياسة»، و«من الإصلاح إلى النهضة»، وغير ذلك من المؤلفات في المجالين، السياسي والفكري، ولعل الملاحظة الأهم حول تلك الكتب أن المواضيع الغالبة فيها هي المتعلقة بصورة أساسية ب«الدولة»، وتلك المجالات التي لم تشبع بحثاً في الفكر العربي، وهذا النوع من الكتابات هو الذي يسعى لردم الفجوة في هذا المجال المهم، وكذلك اهتمت مؤلفات بلقزيز بالواقع العربي الحديث، وقضايا التراث وكيفية التعامل معه، وتلك كذلك من القضايا التي أثارت جدلاً ممتداً بين المفكرين العرب.

وكذلك أصدر بلقزيز مؤلفات عن مفكرين عرب، تعرّف إلى أفكارهم الرئيسية، وحاور رؤاهم تلك، وتوصل إلى فكرته الخاصة به حول تلك الشخصيات، ومن أهم تلك المؤلفات في هذا الصدد «ناصيف نصار من الاستقلال الفلسفي إلى فلسفة الحضور»، و«محمد عابد الجابري ونقد العقل العربي»، ولعل بلقزيز عمل على تخفيف تلك الحمولة الفكرية والمعرفية الثقيلة في حياته، عبر الاتجاه نحو «استراحة» الكتابة الأدبية فكانت له نصوص من الشذرات والدفق الإبداعي، وهي كتابات تنتمي إلى جنس من يكسر القوالب المألوفة في التعبير الأدبي، ويكسر الحدود بين الأجناس الأدبية ليفتحها على بعضها بعضاً، ومن تلك المؤلفات «رائحة المكان»، و«سراديب النهايات»، و«ليليات»، وغير ذلك من مؤلفات بلغت قرابة الثمانية من الكتب ذات الطابع الأدبي.

  • إضاءة

حصل بلقزيز على دكتوراه الدولة في الفلسفة من جامعة محمد الخامس بالرباط، ويشغل منصب أستاذ الفلسفة الغربية والفكر الإسلامي في شعبة الفلسفة: كلية الآداب والعلوم الإنسانية -جامعة الحسن الثاني، الدار البيضاء، وشغل منصب أمين عام «المنتدى المغربي العربي»-«الرباط»، و كان مدير الدراسات في «مركز دراسات الوحدة العربية» في بيروت.

الصورة
1
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5t2vupux

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"