عادي
يخدم رؤية ترامب عبر توظيف «الشعبوية داخلياً» و«الانعزالية» دولياً

جي دي فانس.. أكثر من نائب للرئيس

23:17 مساء
قراءة 7 دقائق
1

د. أيمن سمير

كانت حياته مليئة بالمتاعب والتحديات، مسيرته دراما من المعاناة والفقر والضغوط التي لا تنتهي، ظل متمسكاً بما هو عليه، رغم أن كل شيء كان يدفعه ليكون كما كل سكان المنطقة، نعم طيبون وكرماء، لكنهم لا يقاتلون من أجل أحلامهم وأهدافهم

اضطر للتنقل مع عائلته بين ولايتي كنتاكي وأوهايو بحثاً عن حياة أفضل، ينتمي لسكان التلال الفقراء الذين ينتشرون في ولايات شرق نيويورك، وهي مساحات شاسعة يطلق عليها «ولايات حزام الصدأ» التي كانت تعج ذات يوم بالمصانع والحياة والحيوية قبل توقيع الرئيس السابق باراك أوباما على اتفاقيات التجارة الحرة التي أفقدت تلك المنطقة ازدهارها وأغلقت مصانعها

1

الاضطرابات لم تتعلق فقط بمستوى حياته الاقتصادية، بل بحياته الاجتماعية أيضاً حيث تزوجت أمه مرات كثيرة، وكان بالطبع ينتقل معها، وعانت الأم من إدمان الكحوليات والهيروين كما قال هو بنفسه في المؤتمر العام للحزب الجمهوري. تمنى أن يعيش في كنف «الأب» لكن الانفصال المبكر بين أمه وأبيه جعله تواقاً على الدوام ليعيش في كنف أسرة مستقرة وهادئة، كان على وشك الانهيار، وغاب كثيراً عن المدرسة، وتدهورت درجاته الدراسية، ولذلك اضطر للعمل في وظيفة في محل بقالة، بسبب كل هذا عاش غالبية طفولته وشبابه مع جده وجدته «ما ماو» التي ساهم حرصها وانضباطها في إبقائه على الطريق الصحيح، لكنها ماتت عام 2005 بعد وقت قصير من التحاقه بقوات مشاة البحرية الأمريكية «المارينز» في العراق بناء على نصيحة من ابن عمه، وبالرغم من أنه لم يكن جندياً مقاتلاً في العراق، وكان يعمل عملاً إدارياً، إلا أنه جنى من هذا العمل أموالاً جعلته يدخل جامعة أوهايو عام 2007 ثم الالتحاق بكلية الحقوق في جامعة ييل المرموقة عام 2010

كان حلم حياته أن يشتري مضارب للعب الجولف حتى لو كانت قديمة ومستعمله، وظل يحلم حتى نجح في الالتحاق بنادي الأغنياء، لأنه منذ صغر سنه كان يدرك قيمة «الاستثمار الاجتماعي»، ويقول عن نفسه «إنه رأس حربة، ومتحمس للوحدة، ومنجذب إلى المناقشات الساخنة، وتعلم من جامعة ييل كيف يصنع الأصدقاء»

أتحدث عن دي جي فانس عضو مجلس الشيوخ الأمريكي عن ولاية أوهايو منذ عام 2022، الذي اختاره المرشح الجمهوري دونالد ترامب ليكون معه كنائب للرئيس في انتخابات الرئاسة الأمريكية التي سوف تجرى في 5 نوفمبر المقبل، وفانس هو صاحب الكتاب الشهير «ثقافة في أزمة»، ويحكي فيه مذكراته الشخصية عن حياته، وحياة سكان التلال في «ولايات الصدأ»، وهو الكتاب الذي باع نحو مليون نسخة فور طرحه في الأسواق عام 2016، وباع أكثر من 8 ملايين نسخة منذ اخنيار ترامب له كنائب للرئيس في مؤتمر الحزب الجمهوري الأمريكي الذي عقد في مولووكي بولاية ويسكنسون. ففي هذا الكتاب الذي تحول إلى فيلم من إنتاج نتفليكس يحكي فانس قصته مع الحياة والفقر والتحديات، وقامت فيه الفنانة القديرة جلين كلوز بدور جدته، وهي المذكرات التي أطلق عليها «مرثية هيلبيلي» Hillbilly Elegy.

الصورة
1

فما هي دوافع ترامب لاختيار فانس دون باقي الخبرات الجمهورية ليكون نائباً للرئيس لو فاز الجمهوريون في الانتخابات الرئاسية المقبلة؟ وما هي أفكار فانس التي يمكن أن تشكل منعطفاً في أداء الحزب الجمهوري خلال السنوات الأربع المقبلة؟

  • الصورة الكاملة

فوجئ الكثيرون في الحزب الجمهوري باختيار ترامب الشاب دي فانس كمرشح معه لمنصب نائب الرئيس لأسباب كثيرة منها أن فانس «39 عاماً» أصغر من ترامب بعقود، وكانت هناك شخصيات جمهورية كبيرة تأمل في الحصول على هذا المنصب، منهم السيناتور عن ولاية فلوريدا مارك ربيو، وزاد من الغرابة في اختيار فانس أن الشاب كان من أشد منتقدي دونالد ترامب، وقال عن نفسه ذات يوم «لا يمكن أن أكون ترامبياً»، لكنه غير هذه القناعات مؤخراً، وبات من أكثر داعمي ترامب، ولهذا دفع به ترامب لعضوية مجلس الشيوخ عام 2022، لكن أكثر الأسباب التي دفعت ترامب لاختيار فانس ليرافقه على البطاقة الانتخابية في 5 نوفمبر المقبل أن ترامب يدرك أن المعركة الانتخابية سوف تكون في الولايات المتأرجحة التي تميل أحياناً للديمقراطيين وأحياناً أخرى للجمهوريين، وجزء رئيسي من الولايات المتأرجحة يقع في منطقة «الابلاش» التي نشأ فيها دي فانس وكتب عنها روايته الشهيرة «ثقافة في أزمة»، وبات فانس منذ عام 2016 عندما نشر الكتاب «عنواناً» لهذه المنطقة، ولهذا فاز بسهولة في انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشيوخ عام 2022 عن ولاية أوهايو، وهنا تظهر حسابات دونالد ترامب أنه يريد أن يقول للناخبين في تلك المنطقة الشاسعة إنه يعرف كل شيء عن مشاكلهم، ومستعد للعمل من أجل حلها، خاصة أن ترامب كان من أوائل الرؤساء الذين اهتموا بقوة بمشاكل هذه الولايات، ولهذا فاز بولاية ميشيجان وعدد من الولايات المتأرحجة الأخرى في انتخابات نوفمبر عام 2016، ويأمل ترامب في تصويت سكان هذه المنطقة لصالحة، وهي المنطقة التي تبدأ من غرب نيويورك، وتمر عبر ولايات بنسلفانيا وشرق فرجينيا وأوهايو وإنديانا ومناطق في ولاية ميشيجان، وشمال إلينوي وشرق ولاية ويسكونسن، ناهيك عن سعي ترامب لكسب الناخبين من جيل الشباب، وهناك نحو 40 عاماً تفصل بينه وبين ترامب، وكل هذا يخدم رؤية ترامب التي تقوم على توظيف «الشعبوية الاقتصادية» في الداخل، و«الانعزالية» في الخارج، ورغبة ترامب أن يكون الحزب الجمهوري هو«حزب الطبقة العاملة» تحت شعار «أمريكا أولاً»، وتقوم هذه الرؤية المشتركة لترامب مع فانس على مجموعة من الأدوات هي:

  • أولاً: أمريكا للأمريكيين

يتشارك السيناتور جيمس دي فانس الذي تابعته والدته بيفرلي أيكينز، من مقصورة الأصدقاء والعائلة، وهو يلقي خطابه أمام الحزب الجمهوري مع ترامب في ضرورة عدم إرسال الأموال والسلاح مجاناً إلى الخارج، وفي المقدمة منهم أوكرانيا، وخاض فانس معركة كبيرة خاصة مع زعيم الأغلبية الديمقراطية تشاك شومر لوقف إقرار حزمة المساعدات الأمريكية الأخيرة لأوكرانيا بنحو 61 مليار دولار، ويقول دائماً إن أمريكا عليها أن تخصص الأموال لحماية الحدود الأمريكية مع المكسيك، وليس إرسال الأموال لحماية الحدود الأوكرانية من روسيا، ولهذا يتبنى فانس رؤية لعدم إرسال الأموال أو المساعدات العسكرية والسياسية للدول في الخارج، وضرورة أن تستفيد أمريكا من أي دعم عسكري تقدمه للدول الأخرى سواء في إطار الناتو أو خارجه، ويتفق فانس مع ترامب على ضرورة دفع الدول الأوروبية الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو) أكثر من 2% من الناتج القومي الإجمالي لهذة الدول لصالح الشؤون الدفاعية، وشراء الأسلحة الأمريكية، ولا يمانع فانس في إعادة توزيع القوات الأمريكية في الخارج بما يتفق مع هذا الهدف، بمعنى أنه مستعد لنقل القوات الأمريكية من أي دولة في الناتو لا تلتزم بنسبة الإنفاق المتفق عليها بين دول الأطلسي، وهو في هذا الشأن يعيد طرح ما قام به ترامب عام 2019 عندما أراد نقل نحو 9500 جندي أمريكي من المانيا إلى بولندا ودول الجناح الشرقي من حلف الناتو التي كانت تدفع وقتها أكثر من المانيا، ونفس السيناريو سوف يتعلق بنحو 28500 جندي أمريكي في كوريا الجنوبية، وأكثر من 46000 جندي أمريكي ينتشرون في اليابان، لكن أكثر ما يمكن أن تقود اليه رؤية فانس هو تضاؤل دول التحالفات العسكرية التي استثمر فيها الرئيس الحالي جو بايدن مثل تحالف أوكوس الذي يضم مع الولايات المتحدة كلاً من أستراليا والمملكة المتحدة، وتحالف كواد الرباعي الذي يضم اليابان والهند وأستراليا، بالاضافة الى الولايات المتحدة، لكن في المقابل يسعى فانس إلى تعزيز قدرات الجيش الأمريكي، وأن يظل هو الاقوى عالمياً، ولديه اهتمام خاص بتطوير وتعزيز القدرات النووية الأمريكية بحيث تكون في وضع متقدم على كل من روسيا والصين، ولديه طرح يريد من خلاله تخصيص نحو 150 مليار دولار سنوياً لتطوير الأسلحة النووية الأمريكية، وهو بذلك يكرر كلام ترامب حول الآمان النووي، وأنه كلما كانت أمريكا متفوقة ومتقدمة على منافسيها الاستراتيجيين كلما كان ذلك دعماً للاستقرار العالمي.

  • ثانياً: حماية العمال الأمريكيين

يرى فانس أن حياة عائلته كانت مستقرة عندما كانت المصانع تعمل بقوة في أوهايو وكنتاكي وغيرهما من «ولايات الصدأ»، لكن عندما وقعت أمريكا على اتفاقيات التجارة الحرة مع دول أوروبية وآسيوية خسر العمال وظائفهم، وتدهورت أحوال عائلته، لهذا تقوم رؤيته الاقتصادية على العودة مرة أخرى للمنتجات الأمريكية وإعادة تشغيل المصانع، وهذا يتحقق عبر مسارين هما، أولاً: دعم شراء الحكومة الأمريكية المنتجات الأمريكية، وثانياً: عبر فرض مزيد من الحواجز الجمركية على المنتجات المستوردة، وهذا يمكن أن يقود الى خلافات تجارية، بل وحروب تجارية ليس فقط مع الصين، لكن أيضاً مع شركاء تجاريين آخرين لأمريكا سواء في أوروبا واليابان وكوريا الجنوبية التي تزيد الصادرات منها الى الولايات المتحدة على وارداتها، وهدف فانس أن تعود المصانع الأمريكية التي تعمل في الصين والمكسيك والدول الآسيوية الى الآراضي الأمريكية، وكثيراً ما يتحدث فانس عن عدم العدالة في العلاقات التجارية مع الصين، ويقول إن الواردات الأمريكية من الصين، التي تصل لنحو 450 مليار دولار سنوياً تشكل تهديداً غير عادل للوظائف والتجارة الأمريكية، وأن أمريكا بحاجة إلى حماية الصناعات الأمريكية من كل منافسة، وفي وقت ما اقترح فرض جمارك قد تصل إلى 100% على بعض البضائع الصينية، وجمارك بنسبة 10% تشمل كل البضائع الواردة إلى البلاد.

  • ثالثاً: حزمة الاستقرار

يتبنى فانس نفس رؤية ترامب حول ما يسمى بحزمة الاستقرار «التي تبدأ بوقف الهجرة غير الشرعية الى الولايات المتحدة، والعمل على ترحيل نحو 20 مليون مهاجر غير شرعي، وبناء الأسوار على الحدود الأمريكية المكسيكية، وفرض غرامات كبيرة على من يسعى لتوفيق أوضاعه على الاراضي الأمريكية، وفي نفس الوقت يكون الوصول لأمريكا وفق قواعد جديدة يطرحها فانس مع الحزب الجمهوري، وفي مقدمتها منح الطلاب الذين يدرسون في الولايات المتحدة الجنسية الأمريكية، وبالتالي تكون الهجرة الى أمريكا انتقائية ومنظمة كما يقول فانس، وليس بالفوضى الحالية على الحدود الجنوبية للبلاد، ويتبني فانس نفس أفكار ترامب حول ضرورة دعم أقسام الشرطة، وتعيين المزيد من ضباط الشرطة للسيطرة على الجريمة والفوضى الحالية، وفي أكثر من لقاء مع «فوكس نيوز» قال فانس إنه سوف يعارض منح العفو للمهاجرين غير الشرعيين، لأنهم ساهموا في خروج 7 ملايين أمريكي من سوق العمل، ويطرح بدلاً من ذلك ما أسماه النظام القائم على الجدارة للمهاجرين، وهو أن يظهر اللاجئين بأنهم جديريون بالبقاء على الأراضي الأمريكية.

الصورة
1
  • رابعاً: الطاقة

يتذكر فانس أن رؤية ترامب حول الطاقة هي التي جعلت أمريكا مصدراً صافياً للنفط عام 2018، وأنه يدعم هذه الرؤية بقوة عن طريق العودة لاستخراج مزيد من النفط والغاز الأمريكي، وأن تعتمد أمريكا على الطاقة التي تأتي منها، وتكون مصدراً لتزويد حلفائها بالطاقة، ويؤيد بقوة صناعة النفط والغاز التي تنتشر في ولاية أوهايو، ويعارض توليد الطاقة من الرياح والطاقة الشمسية والسيارات الكهربائية، وهي رؤية يراها دعاة الحفاظ على الكوكب بأنها خطر كبير على مستقبل الارض، وهناك تصريح من فانس أثار كل أحزاب الخضر في العالم عندما قال إن الحديث عن الاحتباس الحراري مبالغ فيه للغاية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4w3wcvbz

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"