عادي
صدر في الشارقة

رواية «صبية نيكل».. العنصرية وجه التاريخ القبيح

15:42 مساء
قراءة 5 دقائق
كولسون وايتهيد

الشارقة: علاء الدين محمود

الناشر: دار روايات

الحرب على العنصرية والتعصب والتشدد وانغلاق العقول والفساد، وغيرها من الأمراض التي تعتبر نقيضاً للقيم الإنسانية، ظلت تأخذ أشكالاً عديدة، فهناك النضال المباشر في المجتمعات التي شهدت تلك الجرائم، خاصة في الغرب والولايات المتحدة الأمريكية، حيث تمت ممارسة أقسى وأسوأ أنواع الاستعباد على السود وغيرهم، وهناك النضال بالكلمة عبر الكثير من المؤلفات التي فضحت العنصرية، ولا تزال هذه العملية مستمرة على يد عدد من المؤلفين والأدباء، ولم تكن المؤلفات السردية في هذا الصدد، عبارة عن بيانات مشحونة بالحمولة السياسية والهتافية الأيديولوجية، بل بما يخدم الإبداع والأدب، فهي كتابات تنشد مجتمعاً إنسانياً تسود فيه قيم الخير والجمال.

رواية «صبية نيكل»، للكاتب الأمريكي كولسون وايتهيد، الصادرة في نسختها العربية عن دار روايات، في طبعتها الأولى عام 2022، بترجمة: أميمة صبحي، تعقد محاكمة ضد العنصرية والفساد، وتمارس فعل التنقيب العميق حول الآثار المترتبة عليهما، وتفضح الكثير من القوانين والقيم التي سادت في أمريكا في حقبة تاريخية معينة، ولأن الواقع يكون أكثر مأساوية من ما يمكن أن يتصوره أو يحيط به الخيال، فإن أهمية هذا العمل السردي المميز تكمن في أنه مستوحى من أحداث جرت بالفعل في الواقع، من قبل مجموعة من البشر تجردوا من إنسانيتهم وأصبحت قلوبهم قاسية كالحجارة، والمفارقة أن الحضارة الغربية، في وقت من الأوقات، كان ترى أن البشرية خارج محيط الغرب تعيش في ظل الوحشية، غير أن أحداث هذه الرواية تكشف عن أين يكمن فعل التوحش بالفعل، وكيف أن بعض الناس في سبيل تحقيق تصوراتهم حول أنفسهم يمكنهم أن يرتكبون أسوأ أنواع الجرائم التي لن تزول من الأذهان لتبقى بمثابة عار يقبح وجه التاريخ الإنساني.

*أحداث

العمل يستند إلى أحداث حقيقية وقعت في إصلاحية «دوزير»، في ولاية فلوريدا عملت لمدة 111 عاماً، وكشف بحث أجرته إحدى الجامعات عن تاريخها العنصري في ضرب الطلاب وتعذيبهم وقتلهم، وكشَفت التحقيقات عن وجود نحو 55 قبراً على أرض المدرسة بحلول ديسمبر 2012. وتاريخ من الإساءة العاطفية والجسدية للطلاب.

وتصدرت الطبعة العربية للرواية، هذا المقطع الذي يقدم إضاءة عن الأحداث، جاء فيه: «تروي (صِبْية نيكل) حكاية الصّبي (إلوود) الذي لُفّقت له تُهمة سرقة سيارة وأُخذ إلى (إصلاحية نيكل)، لأنه دون السن القانونية. حمل معه كلمات السياسي مارتن لوثر كينغ، في قلبه وعقله، مصمماً على المقاومة والخروج في أسرع وقت، عكس صديقه الوحيد في الإصلاحية تيرنر اليائس الذي يشكّ في إمكانية خروجهما أصلًا، فالإصلاحية التي تدّعي تنشئة الأطفال ليصبحوا شباناً صالحين ما هي إلا غرفة من الأهوال للاعتداء عليهم وتحطيمهم، وهي في الوقت نفسه مقرّ لتجارات مشبوهة يقوم بها مسؤولون وتُجّار فاسدون».

*تفاصيل

تدور أحداث الرواية في الستينات، من القرن الماضي، وتحكي عن ذلك الصبي إلوود كيرتس هو طالب مدرسة ثانوية أمريكي من أصل إفريقي مجتهد يتمتع بإحساس مثالي بالعدالة مستوحى من مارتن لوثر كينغ ومسيرات الحقوق المدنية، كان ذلك هو العالم الذي كون ثقافة الصبي، فأمده بروح التمرد وعدم الخنوع في مقبل حياته، حيث تم اختياره لحضور دروس الجامعة بسبب ذكائه. وفي اليوم الأول من الدراسة، يتنقل مع رجل أمريكي من أصل إفريقي؛ لكن يتم إيقافهما واكتشاف أن السيارة مسروقة، يُدان إلوود باعتباره جانحاً ويُرسل إلى أكاديمية نيكل، وهي إصلاحية للأحداث في إليانور- فلوريدا. يتلقى الأولاد في أكاديمية نيكل تعليماً سيئاً، ويُجبرون على أداء الأعمال الشاقة، وكثيراً ما يتلقون عقوبات بدنية وحشية. يتغاضى الموظفون أيضاً عن الاعتداء الجنسي ويغطون عليه، ويرسلون بعض الصبية إلى الخارج في ما يشبه النفي من أجل العقاب، وهي الرحلات التي لا يعود منها بعض الأولاد أبداً.

في ذلك المكان، يتم فصل الطلاب حسب العرق، حيث يواجه الأولاد السود معاملة أسوأ، وأشد قسوة، وهناك يصادق إلوود زميله الطالب تيرنر، الذي لديه وجهة نظر أكثر تشاؤماً تجاه العالم وإدارة «نيكل»، ويحاول إلوود قضاء فترة سجنه دون وقوع أي حادث، لكنه تعرض للضرب المبرح في مناسبتين: مرة لتدخله لمساعدة صبي يتعرض لهجوم من قبل معتدين، والأخرى عند كتابة رسالة إلى السلطات الحكومية توضح بالتفصيل ظروف الأكاديمية السيئة والفساد، وبعد أن سمع تيرنر عن خطة لقتل إلوود على يد الإدارة، حاول الاثنان الهروب. قُتل إلوود بالرصاص أثناء الهروب، وهنا حدث شيء غريب، حيث تبنى تيرنر هوية إلوود كذباً.

كانت تلك الإصلاحية مرتعاً شهد الكثير من المخازي والفضائح، في قصة شديدة الظلام عنوانها العريض العنصرية والفساد والطمع، تلك الممارسات التي يصبح ضحاياها هؤلاء الصبية المساكين.

*تحقيق

بدأ التحقيق في وقائع الإصلاحية في نهاية العقد الأول من القرن الجاري، وكشف التاريخ الخفي للفظائع في المدرسة، بما في ذلك العديد من الجثث المدفونة سراً في المبنى، وتقدم العديد من الرجال الذين تم سجنهم في الإصلاحية عندما كانوا أولاداً لمشاركة تجاربهم مع سوء المعاملة. وقد شارك في الإدلاء بالشهادة، أحد أبطال الرواية، وهو جاك تيرنر، الذي كشف للجنة التحقيق عن اسمه الحقيقي وتاريخه، وأنه بالفعل قام بتبني هوية إلوود كيرتس، حيث كان شديد الإعجاب بقيمه وشجاعته، وكانت مدينة «تالاهاسي»، هي المسرح الذي شهد تلك التحقيقات، إذ سافر إليها تيرنر بصحبة زوجته، وتحدث هناك عن الفظائع ومصير صديقه.

*شروط

العمل السردي، لم يكن مجرد محاكاة للوقائع التي جرت، بل استطاع الكاتب أن ينجز رواية وفق شروط وأدوات الكتابة السردية، حيث استعان بالعديد من التقنيات والأساليب، منها لغة مؤثرة، وحواريات بارعة، واستند بصورة كبيرة إلى المفارقة والتناقض بين بطلي الرواية إلوود المتمرد، وتيرنر المسالم، وقد عمل الكاتب على بناء الشخصيتين بصورة جيدة بحيث يعلق البطلان بذاكرة القراء، وتحدث المؤلف عن بناء الشخصيات بالقول عن البطلين: «هما جزءان مختلفان من شخصيتي، حيث كان إلوود كيرتس الجزء المتفائل أو المفعم بالأمل مني والذي يعتقد أنه يمكننا جعل العالم مكاناً أفضل إذا واصلنا العمل فيه، بينما كان جاك تيرنر، يمثل الجانب الساخر الذي يقول لا، ويردد دائماً: «أن هذا البلد تأسس على الإبادة الجماعية والقتل والعبودية وسيظل الأمر كذلك دائمًا»، كما أن المؤلف برع في استخدام تقنية «الفلاش باك»، والانتقال بين الأزمنة، إذ أن الاستهلال في الرواية يبدأ بالزمن الحاضر عندما تم اكتشاف المقبرة السرية، ليتوغل السرد بعدها إلى حيث بداية القصة في حقبة الستينيات، واستطاع الكاتب أن يمرر حمولة المأساة الثقيلة عبر العديد من التقنيات مثل السخرية القاتمة، والوصف للحياة ما بين الوقت الراهن وزمن بداية الأحداث.

الرواية وجدت صدى كبيراً، وشهرة واسعة عند صدورها عام 2018، حيث فازت بجائزة بوليتزر للخيال لعام 2020، ووصفت لجنة تحكيم الجائزة الرواية بأنها «استكشاف متقطع ومدمر للانتهاكات في مدرسة إصلاحية في فلوريدا، وهي في نهاية المطاف قصة قوية عن المثابرة الإنسانية والكرامة والفداء»، كما صنفت مجلة «التايم»، الأمريكية، العمل بأنه: «واحد من أفضل الكتب في العقد الأخير»، ونالت الرواية إعجاب المخرجين السينمائيين حيث تحولت إلى فيلم يحمل الاسم ذاته.

*اقتباسات

«بعض الجثث كانت بلا أسماء».

«يمكنك إخفاء ما شئت في قطعة أرض داخل التراب».

«تحدث الكثير من الصبية عن المقبرة السرية لكن لم يصدقهم أحد».

«تسللت الظلال وارتجفت في الزوايا وبدت كل بقعة مثل الدم الجاف».

«حفروا عبر عقود من الزمن وأعادوا لعيون البشر آثار تلك الأيام».

«الذين غادروا (نيكل)، لم ينسجموا مع الحياة».

«لقد استمروا في الكذب رغم أن أكاذيبهم كانت واضحة».

«كان القانون فاسداً ومتقلباً بمقاييس مختلفة».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3mrv7h2p

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"