عادي
أمراض سوء التغذية والأمراض الوراثية والتشوهات الخلقية لاتزال موجودة بدرجات متفاوتة

خطوات عمانية على طريق استراتيجية صحية جديدة

03:54 صباحا
قراءة 8 دقائق

بدأت سلطنة عمان باتخاذ خطوات عملية باتجاه وضع سياسة صحية وطنية بعيدة المدى لتلبية حاجات وتطلعات سكانها من خلال السعي نحو تحقيق تكامل جميع ركائز ومكونات نظامها الصحي، وإيجاد نظرة استراتيجية شاملة للعمل الجماعي وفق منهجية علمية آخذة في الاعتبار الخبرات والتجارب المحلية وتجارب الدول المتقدمة ذات السبق في إعادة صياغة أنظمتها الصحية وكذلك المنظمات الدولية، متخذة من مراجعة وتقييم ما تحقق خلال الأربعين عاما الماضية لتكون مرتكزاً رئيسياً للمرحلة القادمة ومعرفة التحديات والمعوقات والشوائب الحالية والمستقبلية التي سيجري في ضوئها وضع السياسة الجديدة المرتقبة خلال الاربعين عاما القادمة حتى عام 2050م .

فقد شهد المؤتمر الذي نظمته وزارة الصحة لمدة ثلاثة أيام تسليط الضوء على واقع النظم الصحية في العالم والتحديات التي تواجهها، كما تم تخصيص محور معني بالخدمات الصحية وضمان الجودة، وتنمية الموارد البشرية الصحية من حيث التعليم والتوظيف والاستبقاء والتطوير والاستخدام الأمثل للموارد، ومحور آخر يتطرق إلى تجارب الدول في المنتجات والتقنيات الطبية وتقنية المعلومات الصحية والدراسات والبحوث، وبدائل تمويل الخدمات الصحية، أكانت حكومية أو خاصة، والتي من بينها التأمين الصحي، وثالث للتحديات التي تواجه النظام الصحي بالسلطنة بجوانبها الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية والوبائية وتقييم السياسة الوطنية والخطط الصحية الخمسية، إلى جانب محور الإدارة والقيادة الصحية وتعزيز الصحة، ومحور لتقديم نظرة متعمقة عن مجالات التعاون بين القطاعات ذات العلاقة في القضايا التشريعية والقانونية والصحة البيئية والتعليم ومجالات التعاون مع المنظمات الدولية والإقليمية .

وزير الصحة العماني الدكتور أحمد بن محمد بن عبيد السعيدي يقول إن المرحلتين الحالية والمستقبلية تتطلبان تكامل جميع مكونات النظام الصحي وربطها ضمن سياسة وطنية شاملة وفق منهجية علمية تأخذ في اعتبارها الخبرات والتجارب المحلية، وكذلك خبرات المنظمات الدولية وتجارب الدول المتقدمة صاحبة السبق في إعادة صياغة أنظمتها الصحية، مشيراً إلى أن ما تحقق من انجازات عديدة خلال الأربعين عاما الماضية يفرض ضرورة النظر في الآفاق لأربعين عاماً أخرى لرسم سياسة وطنية جديدة تركز بصفة خاصة على القضايا الصحية ذات الأولوية في واقع اليوم، والتي من أهمها ضمان وتحسين الجودة، ونشر الخدمات التخصصية الدقيقة تدريجيا بكافة محافظات السلطنة، وتحسين الوضع البيئي والصحي في المجتمعات المحلية، وتوفير الجاهزية للتعامل الفعال مع حالات الطوارئ والكوارث الصحية لتحقيق الأمن الصحي للمواطن والمجتمع، موضحا أن القرن الحادي والعشرين يفرض تبني نظام صحي مختلف تماماً عن ذلك الذي ميز العقود الأربعة الأخيرة، خاصة في ظل التسارع الحاد بوتيرة التغير الديموغرافي بسبب ازدياد متوسط العمر المتوقع وازدياد أعداد المسنين، بالإضافة إلى تنامي مظاهر التحضر، وما يصاحبها من تحول اجتماعي واقتصادي، حيث أصبحت السلطنة تواجه العبء المزدوج للمراضة، والذي يفرض عليها تحمل تبعات المشكلات الصحية القديمة التي لا تزال موجودة في المجتمع العماني بنسب متفاوتة، ومن أبرزها أمراض سوء التغذية والأمراض الوراثية والتشوهات الخلقية، إلى جانب تحمل تبعات المشكلات الصحية الجديدة التي تأتي على رأسها قائمة الأمراض المزمنة غير المعدية والأورام وتداعيات الحوادث، والتي تتطلب جميعها ليس نوعية متطورة من الخدمات بتكلفتها العالية فقط، وإنما أيضاً توفير العلاج للمرضى لفترات طويلة قد تمتد مدى الحياة، كما أن التطور التكنولوجي المدهش في شتى الميادين الذي فرض نفسه بقوة في السنوات الأخيرة على المجال الصحي يتطلب جهوداً غير عادية لملاحقته من خلال مواصلة توفير وتحديث الأجهزة والمستلزمات الطبية في المؤسسات الصحية على فترات قصيرة نسبياً والتدريب الجيد عليها، إضافة إلى العمل على توفير الكوادر المؤهلة في العديد من التخصصات الطبية الهامة، كذلك يشكل التوازن بين متطلبات التنمية الصحية المتزايدة وارتفاع تكلفة تقديم الخدمات بسبب التطور المستمر في تكنولوجيا الرعاية الطبية من معارف ومعدات وأجهزة علاجية وتشخيصية وأدوية ومستحضرات صيدلانية تحدياً كبيراً يستوجب النظر في المواءمة بين متطلبات التنمية الصحية وسبل الإنفاق عليها للحيلولة دون حدوث تراجع في مؤشراتها الأمر الذي يتطلب تبني استراتيجيات غير نمطية لتمويل الإنفاق، موضحا أن المفهوم الحديث للصحة والرعاية الصحية قد تغير من قطاع خدمات إلى قطاع إنتاج يسهم بمردود إيجابي واضح في مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهو ما يجب أن يكون بارزاً عند إعداد السياسات الوطنية، مؤكدا حتمية إعادة النظر في السياسة الصحية الوطنية الحالية لتتلاءم مع كل المستجدات والمتغيرات الحديثة، وأن التطور السريع جعل الوضع الحالي في أشد الحاجة إلى مزيد من تفهم المجتمع ومشاركته في الجهود الرامية إلى تعزيز صحته، وأن تتضافر سياسات جميع القطاعات التي تؤثر بدرجة هامة في الصحة على نحو مباشر وغير مباشر من أجل تعزيز الصحة وحمايتها، وأن وزارته - بالشراكة مع المؤسسات الصحية الوطنية وجميع الأطراف المعنية- تؤكد سعيها الدائم والمستمر من أجل الارتقاء بالنظام الصحي، معربا عن أمله في أن يتوصل المؤتمر إلى ملامح سياسة وطنية للنظام الصحي ترصد حاضر الوطن بكل شفافية ووضوح، وتضع الرؤية المستقبلية والخطط اللازمة لتحقيقها طبقاً لمعايير ومفاهيم معترف بها دولياً .

تحديات مستجدة

الدكتورة مارغريت تشان - المديرة العامة لمنظمة الصحة العالمية - تقول إن عمان تمكنت في أقل من أربعين عاماً من خفض وفيات الأطفال دون سن الخامسة بمعدل خمسة وتسعين في المئة، وهو أسرع معدل على الإطلاق لخفض وفيات صغار الأطفال في أي مكان بالعالم، وفي أقل من خمسة وثلاثين عاماً ارتفع مأمول الحياة بواقع خمسة وعشرين عاما ما يعني أن جيلاً تقريباً من الحياة قد تمت إضافته ضمن جيل واحد، كما تمكنت في غضون عقد واحد من خفض معدل المواليد إلى النصف، وتمكنت من القضاء على العديد من الأمراض المعدية محكمة السيطرة على أغلب ما تبقى منها، مشيرة إلى أن التقرير الخاص بالتنمية البشرية لعام 2010 يضع عمان الأولى على طريق التحرك من أجل اللحاق بجودة الحياة التي يعيشها السكان في ظل أفضل أنظمة الحكم في العالم، واصفة السلطنة بأنها أرض المعجزات، وأن ما حدث من تحولات في هذا الشأن تقترب من كونها تحولات سحرية على حد قولها، وأن رؤية السلطنة حتى عام 2050 تجري صياغتها باعتبارها استجابة طويلة الأمد للتحديات المستجدة بالغة التعقيد، وأن ما تتطلبه ليس أقل من تغيير جذري في طريقة التفكير وإعادة النظر بشكل جذري في الطريقة التي تقدم بها النظم الصحية الخدمات والحفاظ على النتائج الصحية الجيدة، محذرة من أن الإنجازات الصحية التي حققتها السلطنة تتعرض للتهديد الذي يبدو في أخطر صوره من خلال زيادة انتشار الأمراض غير السارية المزمنة التي أصبحت المسبب الأكبر للوفاة، وذلك في سبب يرتفع فيه سقف التوقعات لدى السكان وتتزايد فيه تكلفة الرعاية التي يجب أخذها في الاعتبار .

أرقام رسمية

ويعد النظام الصحي في السلطنة كياناً مترابطاً من مكونات عدة متشابكة، منها ما هو قطاعي صحي متمثلا بوزارة الصحة والجهات الحكومية الأخرى التي تقدم رعاية صحية والقطاع الصحي الخاص، وآخر بالقطاعات الأخرى ذات العلاقة بالصحة كقطاعات البيئة والمياه والتعليم والزراعة والبلديات الإقليمية وغيرها، وثالث معني بمشاركة المجتمع بحيث يتحمل مسئولية المحافظة على الصحة والمشاركة في الأنشطة الصحية .

تجدر الاشارة إلى أن عدد المستشفيات وصل إلى 65 مستشفى منها 50 تابعة لوزارة الصحة، و5 لجهات حكومية أخرى هي كل من جامعة السلطان قابوس وشرطة عمان السلطانية والخدمات الطبية للقوات المسلحة، و10 مستشفيات تابعة للقطاع الخاص، كما تصل جملة مؤسسات الرعاية الصحية الأولية الحكومية إلى 214 مؤسسة تشمل 162 مركزاً، و22 مجمعاً و30 مستشفى محلياً، بالإضافة إلى 45 مستوصفاً وعيادة تابعة لجهات حكومية غير وزارة الصحة تقدم خدمات طبية أساسية للعاملين بها وأسرهم، و911 عيادة خاصة عامة وتخصصية .

وتعتبر الوزارة المعنية الموارد البشرية ركيزة أساسية للتنمية الصحية من خلال ثلاثة محاور رئيسية تتمثل في التعليم الأساسي والتخصصي عبر المعاهد الصحية التابعة لها والتعليم والتدريب التخصصي للأطباء سواء إلحاقهم بالمجلس العماني للاختصاصات الطبية أو ابتعاثهم للخارج، وكذلك التعليم المستمر من خلال عقد الندوات العلمية واللقاءات والمؤتمرات بصفة دائمة بهدف إطلاع العاملين على كل المستجدات في مجالات تخصصهم .

وبلغت معدلات الأطباء العاملين 18،1 طبيب لكل 10،000 من السكان ومعدلات الممرضات خلال نفس الفترة ،39،7 وأطباء الأسنان ،2،0 والصيادلة ،3،9 ومساعدو الصيادلة ،4،7 وأخصائيو العلاج الطبيعي ،0،9 وفنيو المختبرات الطبية ،5،3 وفنيو الأشعة 2،3 لكل عشرة آلاف من السكان . وتهتم الصحة كذلك بدعم آليات تعمين وظائفها، حيث ارتفعت نسبة التعمين عموما لتصل إلى 70% في عام 2010م، وبين الأطباء العموم إلى 35%، والصيادلة 66%، ولديها شبكة من المعاهد التعليمية تتكون من خمسة عشر معهدا تقدم برامج تدريبية لثلاثة عشرة من أهم التخصصات الطبية المساعدة والصحية، كما تواصل الاهتمام بجودة الخدمات الصحية المقدمة للسكان من خلال وضع وتطبيق معايير قياسية وبرامج صحية تضمن أداء المؤسسات والعاملين الصحيين لوظائفهم بصورة فعالة وجود عالية تستهدف تحقيق أهداف الخطط التنموية الصحية .

وتشير أحدث إحصاءات الوزارة لعام 2010م إلى ارتفاع توقع الحياة عند الولادة إلى 73،3 سنة مع انخفاض معدل الوفيات الخام إلى 2،9 لكل 1000 من السكان، وانخفاض معدل وفيات الأطفال الرضع إلى 10،2 لكل 1000 مولود حي، ومعدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة إلى ،12،3 وهو ما يعني انخفاضا في هذين المعدلين بحوالي الثلثين مقارنة بمؤشرات عام 1990م بما يعكس النجاح في مكافحة أمراض الطفولة الخطرة والأمراض المعدية، حيث بقيت السلطنة خالية من مرض الدفتيريا منذ عام 1992م، كما لم تسجل أية حالة من مرض شلل الأطفال أو تيتانوس حديثي الولادة منذ عام 1995م، وانخفضت أعداد حالات الملاريا في عام 2010م إلى 1193 معظمها وافدة من خارج السلطنة بعد أن كانت تزيد عن 30 ألف حالة أوائل التسعينيات، كما انخفضت حالات الحصبة إلى ثلاث فقط، بينما معظم الأمراض المعدية الأخرى -كالدرن والجذام والتراكوما- هي تحت السيطرة حاليا، وانخفض معدل حالات سوء التغذية المرتبطة بنقص السعرات الحرارية في الأطفال أقل من خمس سنوات إلى 6،9 لكل 1000 طفل، ونسبة المصابات بفقر الدم بين الحوامل من 29،2% في عام 2008م إلى 27،9% في عام 2010م .

الواقع والتحديات

كان المؤتمر الأول من نوعه قد تناول مواضيع تتعلق بتعريفات النظم الصحية وأهدافها ووظائفها والتحديات التي تواجهها، والخدمات الصحية وضمان الجودة، وتنمية الموارد البشرية من حيث التعليم والتوظيف والاستبقاء والتطوير والاستخدام الأمثل، وتجارب الدول في المنتجات والتقنيات الطبية والمعلومات الصحية والدراسات والبحوث، وكذلك بدائل تمويل الخدمات الصحية ومن ضمنها التأمين الصحي، وتحديات النظام الصحي في السلطنة بجوانبها الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية والوبائية وتقييم السياسة الوطنية والخطط الصحية الخمسية، والإدارة والقيادة وتعزيز الصحة، وتقديم نظرة متعمقة عن مجالات التعاون بين القطاعات ذات العلاقة بالصحة في القضايا التشريعية والقانونية والصحة البيئية والتعليم ومجالات التعاون مع المنظمات الدولية والإقليمية، وشهد ست عشرة جلسة علمية تضمنت تقديم العديد من أوراق العمل المحلية والدولية من بينها ما يتعلق بالمرئيات حول النظم الصحية من منظور دولي والخطوات المعمول بها لتطويرها واعادة هيكلتها، إلى جانب استعراض أوراق وطنية خاصة بالرعاية الصحية الأولية والثانوية والثالثية والأمراض المعدية وغير المعدية وجودة الخدمات الصحية، وعرض مرئي للخبراء الدوليين حول الدروس والخبرات والأطروحات الجديدة المتطورة في مجال اختيارات تمويل الخدمات والاقتصادات والبحوث الداعمة للنظم الصحية، وأوراق عمل وطنية حول الخدمات الصيدلانية والمعدات والتقنيات الطبية والقطاع الصحي الخاص وتمويل الخدمات، إلى جانب أوراق دولية متعلقة بالبحوث ودور المعلومات في تقوية وتطوير النظام الصحي، والتعليم والتدريب وكيفية تطويرها ودورها في تنمية الكوادر البشرية، والخدمات التمريضية وتقنية المعلومات والبحوث الصحية، ومجموعة خاصة بتعزيز الصحة والتعاون بين القطاعات بمشاركة ممثلين من الوزارات ذات العلاقة بالصحة للتحدث عن أهم المواضيع المتعلقة بالبعد الصحي في سياساتها .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"