عادي
أعمال تعرج بالبصر في سماء التأمل

اللوحة بيت الجمال في متحف الشارقة للفنون

23:48 مساء
قراءة 5 دقائق

الشارقة: علاء الدين محمود

تنوعت التجارب والممارسات التشكيلية في مهرجان الفنون الشارقة للفنون الإسلامية في النسخة «24»، في متحف الشارقة للفنون، واهتم الفنانون المشاركون بتقديم أعمال إبداعية تقارب وتشتغل على شعار الدورة الحالية الذي حمل اسم «تدرجات»، وغلب على اللوحات والزخارف والتصاميم والتراكيب والتكوينات الجمالية التجارب الروحية العميقة والمبهرة، ولئن كانت الأعمال جاءت من قبل مبدعين ينتمون لعدد من الدول العربية والعالمية، إلا أنها عبرت عن روح الوحدة بين البشر وتغليب إرادة السلام والتسامح، كما استلهم الفنانون القيم الإسلامية في صنع لوحات مسكونة بالجمال وحافلة بالمعنى، وكذلك نلمح شغف المشاركين، في الابتكارات التي قدموها، بفلسفة اللا نهايات في الزمان والمكان، الأمر الذي يشير إلى التأثر بالتجارب والأفكار الروحية في الثقافة الإسلامية.

الفنانة التشكيلية الإماراتية، أمالياء بالجافلة، خاضت غمار تجربة روحية عميقة عبر عمل جمالي حافل بالأنوار والألوان الساطعة، أطلقت عليه اسم «الضوء اللا متناهي»، وهو عبارة عن نحت سريالي، يسلط الضوء على التنوير الروحي، وهو من صميم القضايا التي تهتم بها الفنانة في كل أعمالها الإبداعية، وتشير أمالياء إلى أنها قد استوحت فكرة المنحوتة من شجرة «الغاف»، وأن العمل يرمز للنمو الروحي الذي لا نهاية له، لافتة إلى أن الشجرة موجودة في الإمارات، وتوضح أن الفكرة قد اختمرت في ذهنها بعد تأمّلها في سورة «قاف» والآية التي تقول: «ونحن أقربُ إليه من حبل الوريد»، مشيرة إلى أن لفظ الجلالة يتكرر في منتصف الشجرة، وأنها قامت بتوظيف الألوان الحيوية مثل اللون الفيروزي النابض بالحياة، والذي يرمز للنقاء والصفاء الروحي، بينما يشير الحجر في المنحوتة للحماية الإلهية.

وتلفت أمالياء إلى أن اللوحة تحمل كذلك أحد أسماء الله الحسنى، وهو «السلام»، في إشارة للدور الذي تقوم به دولة الإمارات في مجالات التسامح والسلم العالمي، وتوضح أن الدين الإسلامي يحض على السلام، وعلى ضرورة الصفح والتقارب والتعارف بين الشعوب والثقافات المختلفة. وتقول أمالياء: «استخدم بصورة دائمة الطريقة الرمزية في أعمالي، لذلك جاءت المنحوتة وهي محتشدة بالرموز والدلالات التي تنتظر القارئ ليكتشف معانيها، ولكنها بصورة عامة تدور حول فكرة السمو والتنوير الروحي».

اختراع العزلة

الفنانة الإماراتية عزة القبيسي، قدمت هي الأخرى تجربة جمالية تجعل الناظر يحلّق في عوالم روحية وتأملية بديعة في رحاب عمل فني أطلقت عليه اسم «الخلوة»، يتضمن تفاصيل رحلة من الوادي إلى الكهف، وتشير عزة إلى أنها قامت بتوظيف «كرب النخيل»؛ أي السعف، أو الجريد، في زخرفة الورود في العمل الفني، وهي عبارة عن قطع يمكن تغييرها بصورة مستمرة، بحيث يمكن تبديل أي شكل إلى آخر، وهو أمر يشير إلى فكرة اللا نهاية، وتوضح أن العمل يتناول كذلك الشروق والغروب، والليل والنهار، للتعبير عن ذلك التعاقب المستمر.

وتوضح عزة أن المعنى الكامن وراء العمل الفني الذي يأخذ شكل الكهف، هو أن الناس صاروا يعيشون اليوم في عصر يتسم بالحياة السريعة، وصارت فكرة الابتعاد عن الصخب والمدينة والعمل شبه مستحيلة، بالتالي فإن التكوين الفني ينشد الخلوة داخل المدينة نفسها، وتقول عزة: «شخصياً، لي فترة أحلم بالكهف، أريد أن يكون لي مكان ارتبط فيه بالطبيعة، ولأنني لم أجده قمت باختراعه»، موضحة أن الأساس في تلك الفكرة هو ضرورة أن يختلي الإنسان بنفسه من أجل الارتباط بالذات والنفس، حتى ولو لفترة زمنية بسيطة، وذلك ما توفره فكرة الكهف، أو الخلوة، التي تحمل دلالات روحية ونفسية، موضحة أن الاختلاء بالنفس مسألة في غاية الأهمية للإنسان، خاصة في هذا العصر الذي يكثر فيه الضجيج، فالمرء بحاجة في كل مرة إلى أن يجلس إلى نفسه في تجربة تأملية في الذات والوجود بصورة عامة.

حضور في الغياب

الفنان التونسي المقيم في فرنسا عبدالله عكار، يشارك بتكوين فني يحمل اسم «هو»، يقارب ثيمة «تدرجات»، وهو عبارة عن تشكيل جمالي محتشد بالأضواء الباهرة، ويحمل كلمة «هو» بصورة مكررة، ويوضح عكار أن ضمير الغائب هو موجود في القرآن الكريم، كقوله تعالى: «قل هو الله أحد»، وهو مستخدم بصورة كبيرة عند أصحاب التجارب الروحية من الصوفيين، ويشير إلى أن الطفل الصغير في بداية تعلمه للحديث، لا يتكلم بضمير الأنا، بل الغائب في التعبير عن نفسه؛ أي بكلمة «هو»، مشيراً إلى أن هذا الضمير يحمل فكرة الحضور بصورة مكثفة.

ويوضح عكار أن فكرة العمل تركز على الحضور في الغياب، فالتركيب الفني الجمالي الذي قام بإنجازه يبدأ بكلمة هو، ثم تتكاثف وتتنوع تلك الكلمة في مقاربة لفكرة «تدرجات»، موضحاً أنه قد استعان بمادة بلورية في العمل، حتى يرى الناظر نفسه في أكثر من زاوية، ويلفت إلى أنه قد عمل، عبر العمل، على تحقيق أفكار روحية وتأملية حول الكون والوجود.

تنوع في إطار الوحدة

قدمت كل من الدكتورة إيمان إبراهيم من مصر، وكريمة الشوملي من الإمارات، عملاً تجريدياً مشتركاً قاربتا فيه فكرة «تدرجات» أطلقتا عليه اسم «تسطير الذات»، وهو مصطلح يشير إلى الأنماط الإسلامية ذات الخطوط والزوايا الهندسية المستقيمة، والتي تشكل المرجع للشكل الهندسي للدائرة الذي يمثل الرمز الأساسي للوحدة والمصدر النهائي لكل التنوع في الخلق، فتقسيم الدائرة إلى أقسام منتظمة هو نقطة الانطلاق للعديد من الأنماط الإسلامية التقليدية. وتشير كل من إيمان وكريمة، إلى أن فكرة العمل تتناول البشر بمختلف شخصياتهم وانتماءاتهم ومعتقداتهم، فالطبقات المختلفة ذات الأبعاد والمستويات المتنوعة في العمل تشير إلى تلك الاختلافات بين البشر، وأن «تسطير» الحياة هو ترميم لثقوب الذاكرة، وهو كذلك سرد لحياة الإنسان كأنه أمام مرآة تعكس ما في داخله، وتسبر أعماقه.

أسوار القلاع

الفنان الإسباني خوسيه كارلوس جارسيا، قدم هو الآخر عملاً جمالياً أطلق عليه اسم «أسوار القلاع القديمة»، وهو في الأساس عبارة عن لوحة جلدية إسلامية مذهبة، ترمز إلى شجرة، وهو العمل الذي يتناول فكرة التأمل كضرورة للتوصل للحقائق والأنوار، ويشير جارسيا إلى أن السطوع بين الأغصان والأوراق، يرمز إلى حالة قدسية مذهلة، وشعور بقوة الإيمان، فاللوحة تعبر عن مشهد يثير الجمال الروحي، ويدعو إلى التأمل في المخلوقات، وفي قدرة الله عز وجل لكونه خالق كل الجمال الذي في الكون.

ويعد العمل انعكاساً لتأثر جارسيا بجماليات الفن الإسلامي الذي برز إبان الحكم الإسلامي في قرطبة، خاصة زخرفة الجلود، واللوحة غنية بالألوان والبريق وعامرة بالروحانيات، وتتمثل ميزتها الأساسية في لمعانها ولونها وزخرفتها الغنية وصناعتها الحرفية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"