الكتابة بصراحة عن النفس

00:24 صباحا
قراءة دقيقتين

يحيى زكي

في فترة من الفترات حدثنا الكثير من الكتاب والمفكرين العرب عن إمكانية تغيير العالم، وفي فترة ثانية قدموا نقداً لاذعاً لكل شيء.. في السياسة والمجتمع والفكر، وهناك بعض من هؤلاء امتلكوا جرأة يحسدون عليها في تناول العديد من القضايا الحساسة، وبعضهم كتب بالرمز والإشارة ليمرر رأيه في موضوعات لا يستطيع التعبير عنها بلغة واضحة مباشرة، ولكن ندر أن نجد في مدونة الفكر العربي تلك الكتابات التي تنتقد المثقفين أنفسهم.

صحيح توجد عدة أعمال لعلي حرب ومحمد جابر الأنصاري، وعبد الله الغذامي، وغيرهم تمارس النقد الذاتي، ولكنه نقد أقرب إلى تحليل النصوص والأفكار معزولة عن منتجيها أنفسهم، بمعنى أن النقد الذي وجهه علي حرب في كتابه «أوهام النخبة» كان موجهاً لحراك الجماعة الثقافية ككل بناء على رؤاها وتصوراتها، ونتيجة لذلك لا نجد في مدونتنا الفكرية كتباً على شاكلة «المثقفون» للأمريكي بول جونسون أو «أساتذة اليأس» للكندية نانسي هيوستن، حيث نقرأ عن عوامل شخصية واجتماعية دفعت صاحبها لكتابة هذا النص أو ذاك.

صحيح مرة أخرى توجد مجموعة كتب تتحدث عن حياة مثقفينا، ولكن على شاكلة التأريخ للأعلام، رصد مسار الحياة وتحليل عدة تأثيرات هنا وهناك، ولكن من الصعوبة الحديث عن عوامل شخصية فارقة أثرت بقوة في النص، وأيضاً هناك مجموعة كتابات أخرى تتناول حياة الكتاب، ولكنها تنتمي إلى ما يمكن تسميته «كتابة النميمة» أو تصفية الحسابات من خلال الكتابة.

في كتابها «أساتذة اليأس» تحلل نانسي هيوستن، سلسلة ذهبية من الوجوديين تشمل: ميلان كونديرا وصمويل بيكيت وألبيركامو وسارتر وإميل سيوران، معظمهم عانوا مشاكل عائلية في طفولتهم، وبعضهم شارك في الحرب العالمية، وفريق ثالث تعرض للأسر والاعتقال في معسكرات النازيين. 

جان أميري مثلاً، انتحر في عام 1978، وكلهم تأثروا بشوبنهاور ونيتشة في نظرتهما التشاؤمية للحياة، وكلهم أيضاً كارهون للإنجاب وتكوين أسرة، والرجال منهم لا ينظرون بإيجابية إلى النساء، والنساء يكرهن الرجال مثل ألفريدا يلينيك، وعلى هذا الأساس تضع هيوستن يدها على ملامح الفلسفة الوجودية التي شغلت العالم من خلال نخبة من أدباء وفلاسفة أثّروا بقوة في الحياة الفكرية لعدة عقود من القرن العشرين.

هذا النوع من التحليل لا يوجد في ثقافتنا العربية، وربما يعود السبب إلى أن المفكر أو المثقف لدينا، لا يكتب عن حياته الشخصية بأمانة، هو يسرد أحداثاً عامة، ولكنه لا يتطرق إلى تفاصيل أو أخطاء؛ أي أن ما يعرف بأدب الاعتراف يكاد لا يوجد في منتجنا الأدبي الحديث والمعاصر، ولذلك تركز كتابات النقد الذاتي على النص بالدرجة الأولى وكأنه كُتب في فراغ، وهنا تتضح أهم مفارقة أنتجها مثقفونا، وتتمثل في أنهم في الوقت الذي يطالبون فيه الجميع بالصدق والشفافية وشجاعة الاعتراف بالخطأ، وتحمّل عواقبه وتداول المعلومات على المستوى الشخصي والعام، لا يكتبون عن أنفسهم بصراحة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"