التاريخ.. علم أم أدب؟

01:07 صباحا
قراءة دقيقتين

يحيى زكي

لماذا نقرأ التاريخ؟ سؤال أجاب عنه كثيرون في أطروحات وكتابات عدة، ولكننا نستطيع ملاحظة أن العديد من تلك الإجابات تؤكد أننا نقرأ أو ندرس التاريخ لنتعلم من أخطاء الماضي أو نتعرف إلى القوانين التي تحكم التاريخ وتؤثر في الأحداث لتسير قدماً إلى الأمام، ولكن تلك الإجابات لا تستطيع أن تفسر أننا برغم ولع البعض منا بالتاريخ ودراستنا لقوانينه عبر مختلف الأدوات والمناهج نكرر الأخطاء نفسها، وهناك من تخصص في رصد هذا الجانب. فنحن بعد معرفتنا الجيدة بمقدمات وأسباب الحدث التي ربما تتشابه مع مقدمات نعيشها نعيد إنتاج النتيجة نفسها التي وقعت في الماضي.

  البعض يقرأ التاريخ ليؤصل لشيء ما في الماضي، حدث هذا في مختلف جوانب ثقافتنا المعاصرة ، ولذلك ستجد من تحدث عن العقل في التراث، وكذلك عن الحرية، كانت هناك رغبة محمومة لإيجاد صلة وصل بالمشروع الغربي في الحداثة، فالعقل لم ينتجه عصر ديكارت فقط، ولكنه متأصل في كتابات فلاسفتنا، والوضع نفسه ينطبق على الحريات، بل ومفاصل الحضارة نفسها. ومن هنا شهدنا العديد من المعارك بين من طابق بين مفهومين للعقل في الحضارة العربية وأوروبا عصر التنوير، ومن رفض تلك المطابقة. يؤكد زكي نجيب محمود مثلاً في أحد كتبه أن الحريات بالمفهوم الغربي دنيوية لا علاقة لها بالدين، أما الرؤية التراثية القديمة للحريات عندنا فناقشتها من باب الجدل بين من تعاطوا مع فكرتي الجبر والاختيار، وهل الإنسان مخيّر أم مسيّر؟

   أما محمد عابد الجابري فاقترب من الموقف نفسه في ما يخص العقل، فالعقل في الفلسفة الغربية الحديثة يبدأ من لا شيء من أجل إثبات الذات والعالم المحيط ، بعكس العقل في المفهوم الإسلامي. لقد توقفت منذ فترة محاولات التأصيل تلك، ربما لأن لكل ثقافة منطلقاتها وخصوصيتها التي لا تقبل التطابق أو الاستنساخ.

  فريق ثالث يقرأ التاريخ ليخوض صراعات الحاضر على أرضية الماضي، هو لا يستطيع المواجهة مباشرة، فيعود إلى الماضي لتوظيف الرمز والإشارة، ولذلك نجد أن فترة ما أو إحدى الشخصيات تعرضت للقراءة السلبية، ولا تلبث أن ينتهي الصراع حولها، فيأتي مؤرخ لاحق ليقرأ الفترة أو الشخصية نفسها من منظور مختلف وإيجابي. وهناك أطروحات تاريخية تشكك في وقوع أحداث تاريخية شهيرة، هنا لم يعد الاختلاف حول تفسير الحدث ورصد دور كل طرف مشارك فيه والبحث عن الدوافع وقراءة النتائج، ولكن الحدث نفسه أصبح موضع شك.

  لا حقائق ثابتة في التاريخ، هناك وجهات نظر ورؤى وشهادات لمعاصري الفترة ومذكرات من شاركوا فيها ووثائق يكشف عنها تباعاً، وهناك تحليلات واجتهادات ومناهج مستعارة من علوم عدة..كل هذا يتضافر ليجعل من التاريخ ذلك «العلم» المتحول باستمرار والقابل للقراءة المرة تلو الأخرى، «العلم» الأقرب إلى الأدب منه إلى العلوم التطبيقية أو الطبيعية، ولذلك نحن نقرأه أو ندرسه بهدف المتعة أولاً قبل أي شيء آخر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"