عادي
ثاني عروض مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

«السامر».. حدوتة من عمق التراث الشعبي المصري

00:14 صباحا
قراءة 5 دقائق
مهرجان المسرح الصحراوي/فرقة نسمه المصريه/تصوير محمد الطاهر/١٠/١٢/٢٠٢٢
مهرجان المسرح الصحراوي/فرقة نسمه المصريه/تصوير محمد الطاهر/١٠/١٢/٢٠٢٢
مهرجان المسرح الصحراوي/فرقة نسمه المصريه/تصوير محمد الطاهر/١٠/١٢/٢٠٢٢

الشارقة: علاء الدين محمود

ضمن فعاليات النسخة السادسة من مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي، شهد جمهور كبير العرض المصري «السامر»، لفرقة «ناس النهر»، تأليف وإخراج وسينوغرافيا، ناصر عبد المنعم، مع حشد من الممثلين منهم: نورهان أبو سريع، ومحمد حسيب، وعادل إبراهيم، وحسنة رمضان، وهبة أحمد، وشاهندة عبد العزيز.

العرض يجسد حكاية أو حدوتة من حواديت «النداهة»، من أساطير التراث الشعبي في مصر، حيث يزعم الفلاحون في الريف، أن «النداهة» هي امرأة جميلة جداً وغريبة تظهر في الليالي الظلماء في الحقول، لتنادي باسم شخص معين فيقوم هذا الشخص المسحور ليتبع النداء إلى أن يصل إليها ثم يجدونه ميتاً في اليوم التالي، ويقال أيضاً عن تلك الأسطورة إن «النداهة» أحياناً تقع في حب أحدهم وتأخذه معها إلى عالمها وتتزوج منه، وفي هذه الحالة يختفي الشخص كلياً ويظهر بعدها فجأة إلا أنه يتوفى بعد ذلك بسبب تخليه عن ذلك العالم، حيث إن «النداهة» تعود في هذه الحالة من أجل قتله خوفاً من أن يكشف أسرار تلك العوالم الغريبة، وفي بعض الأحيان يصاب الشخص بالجنون، ويتداول الناس مثل تلك الحكايات في جنوبي مصر، حيث يجتمعون هنالك من أجل السمر وتبادل الحكايات وأداء الأغاني والرقصات.

ينفتح العمل على حكاية «عوض»، الذي كان يستمع إلى حكايات جدته، والتي كانت تحذره من «النداهة»، التي إذا تعلق بها الرجل أصابه الجنون، وظلت قصص الجدة تلك راسخة في ذهن عوض إلى أن كبر، غير أنه كان يظن أن تلك الحكايات مجرد خرافات بغرض السمر، ولم يكن يتوقع أن مثل تلك العوالم الأسطورية ستصادفه في حياته، وفي أحد الأيام بينما هو في مكان ناءٍ سمع صوت فتاة «عائشة»، تناديه ويهرول نحوها، والمفاجأة أنها كانت تشبه فتاة في القرية ماتت منذ سنوات طوال تحمل ذات الاسم، ليصاب عوض بالحيرة والدهشة، لكنه أعجب بالبنت؛ إذ كانت غاية في الجمال، غير أن هذه الفتاة لم تكن مثل البشر فلا يراها ولا يسمعها أحد غيره، ووقع عوض في حبها منذ تلك اللحظة التي جمعت بينهما، لم تفارقه صورتها ولا صوتها، وصار يعتزل الناس رويداً رويداً، فتلك الفتاة كانت هي «النداهة»، عينها.

تبدلت أحوال عوض منذ أن التقى بعائشة، واحتار أهل القرية في أمره، فقد صار لا يخالطهم، وكان على الدوام شارد الذهن، هائم في عالم آخر، يفكر على الدوام في عائشة ويذهب إلى حيث التقى بها لعل القدر يجمعه بها مرة أخرى، لكن بلا طائل، وأمام هذا الواقع، اجتمع أهل القرية ليتفاكروا في شأن عوض، فكان أن طلبوا من عوض السفر بعيداً عن القرية، فسافر إلى الصعيد ليعمل هناك في المحاجر، ومرت الأيام والشهور غير أن الحزن لم يفارقه، وكان كثيراً ما يرى خيال عائشة من بعيد، فيجري وراءه، لكنه مجرد سراب، ومرة أخرى يطلب منه أهله الذهاب إلى القاهرة ليعيش هناك في حياة المدينة لعله يتخلص من همه وحزنه.

سفر

يسافر عوض إلى القاهرة، ليعيش هناك، وتمر عليه الأيام والسنوات، ويقع في حب فتاة من المدينة ويطلبها للزواج، ويندمج في حياته الجديدة، وكان خيال عائشة يزوره في بعض الأحيان ويلومه على الزواج من فتاة أخرى، لكن عوض صار أكثر قوة من ذي قبل، حيث بات مشغولاً ببيته، وبعد سنوات تنجب له زوجته فتاة يطلق عليها اسم «غادة»، صارت قرة عينه وسلوته، وهي لم تسافر قط إلى قرية أبيها، حيث إن والدتها كانت تحمل ضغينة على أهل زوجها لأنهم وقفوا ضد زواج عوض منها نتيجة لاختلاف العادات والتقاليد.

وفي أحد الأيام حدث خلاف بين عوض وزوجته، فيقرر أن يبعث ابنته إلى أهله حتى تتربى وفق عاداتهم وثقافتهم، وكانت غادة وقتها في عمر الشباب، وعندما وصلت إلى أهلها في النوبة وجدت أن المجتمع مختلف تماماً، ولم تستطع أن تنسجم في البدء مع طبيعة الحياة هنالك، خاصة أن عمتها «الجازية»، كانت شديدة القسوة والتمسك بالعادات والتقاليد الريفية، بينما كانت غادة متحررة بعض الشيء وهذا خلق نوعاً من الجفاء بينهما، غير أن الفتاة صارت تعتاد شيئاً فشيئاً على حياة أهل الريف، خاصة بعد أن تعرفت إلى عمها «إدريس»، الذي تقرب منها وصار يسليها ويهون عليها ويرعاها بالكثير من المحبة والحنان، وفي أحد الأيام أعطاءها إدريس ثوباً وطلب منها أن تحتفظ به.

مفاهيم جديدة

في هذه الأثناء كانت غادة تتقرب كثيراً من فتيات القرية وتجري معهم الكثير من النقاشات وتحكي لهم حكايات القاهرة وكيفية الحياة فيها، ونتيجة لذلك التواصل الذي بدأ ينشأ بين غادة وفتيات القرية، تغيرت الكثير من المفاهيم لديهم حول الحياة وحقوقهن كنساء، حيث كانت تساعدهن على التعليم وتصدر إليهن أفكاراً جديدة، فصار النساء هناك يتبنين تلك المفاهيم، ونجحت غادة في التأثير بقوة في مجتمع القرية وبنية عاداتها وتقاليدها، وهو الأمر الذي أثار عليها غضب العمة «الجازية»، التي كانت ترى في أفكار ابنة أخيها تهديداً لسلطة العادات والتقاليد، وخروجاً عن القيم السائدة هناك، فكان أن نشب بينها وبين غادة شجار كبير.

وعلى إثر تلك المشاجرة بين العمة وابنة أخيها، قررت غادة أن تهرب من القرية، وهو الأمر الذي قامت به بالفعل، حيث استيقظ أهل القرية على خبر اختفاء الفتاة، فصاروا يبحثون عنها ليل نهار في كل مكان، ووصل الخبر إلى والدها عوض، الذي قرر أن يسافر إلى القرية ليبحث عن ابنته ويكاد يقتله الحزن عليها، وصار يلوم نفسه لكونه قد أرسلها إلى عمتها القاسية المتسلطة.

وفي غربتها ومكان اختفائها، اكتشفت غادة أنها قد أحبت أهل القرية، لكنها غير قادرة على العودة لأنها قد ضلت الطريق تماماً، وأثناء حيرتها تلك تذكرت الثوب الذي أعطاء إياها العم إدريس، فأخرجته وحاولت أن تلبسه، وفي أثناء محاولاتها تلك امتدت إليها يد فتاة لتساعدها في لبس الثوب، وأخذت تتحدث معها، ثم أوصلتها إلى حيث مكان قرية أهلها، ولم تكن تلك الفتاة إلا عائشة أو «النداهة».

توظيف الغناء

العرض أخذ من اسمه كثيراً، فهو عبارة عن مسامرة تم فيها توظيف الرقص والموسيقى، وبصورة خاصة الغناء الذي طغى تماماً على الحالة المسرحية، واعتمد العرض بصورة أساسية على الراوي «صوت أنثوي»، والأغاني التي لعبت دور البطولة في العمل، غير أن المخرج أكثر من عملية توظيفها، وكانت تلعب في أحيان كثيرة دور تفسير الحالات؛ بل وكذلك الانتقال من مكان إلى آخر.

وكذلك جاء توظيف الأزياء بصورة متباينة حسب الحالة والمكان، فغادة كانت ترتدي أزياء حديثة لكونها فتاة قاهرية من المدينة، بينما كانت أزياء الفتيات في القرية نوبية، وذلك ينسحب أيضاً على بقية قطع الديكور البسيطة والمقتصدة، غير أن العرض بصورة عامة ينتمي على مستوى السينوغرافيا والأزياء والديكور إلى فكرة المهرجان، في ما ابتعد المخرج في حلوله الإخراجية عن توظيف الإضاءة المسقطة، أو الدوائر المضيئة، حيث اعتمد على الإنارة الكاملة، كما قام بتوظيف المساحة الممتدة بصورة مبتكرة، بحيث صنع فضاء من سهل وجبال، ونجح في صناعة عوالم جمالية باهرة.

وجاء الأداء التمثيلي مميزاً من الفرقة المسرحية، حيث قدم الممثلون عرضاً جيداً وبصورة منضبطة، ليتفاعل الجمهور مع العرض الذي وفر المتعة نسبة لاعتماده على الكثير من الأدوات والمفردات المسرحية خاصة الموسيقى والغناء.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mryv664c

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"