عادي
قراءات

«سيجفريد»..تقرب بين الشعبين الألماني والفرنسي

23:23 مساء
قراءة 3 دقائق

القاهرة: «الخليج»

تدور مسرحية «سيجفريد» للكاتب الفرنسي جان جيرودو ترجمة كمال فريد، حول بطل الأسطورة الشعبية الألمانية سيجفريد، والذي قتل عدداً من الوحوش الخرافية، التي تعرف في الأساطير باسم التنين، واستحم في دمها، وبذلك تحصن جسمه ضد الإصابة بالرماح أو السهام، وإن كان في جسمه جزء عند كتفه لم يبلل بالدم.

ظل البطل معرضاً للإصابة فيه، شأنه في ذلك شأن بطل الإغريق «أخيل» الذي تقول الأسطورة إن أمه عمدته في ماء مقدس، فاكتسب مناعة ضد الإصابة، فيما عدا كعبه، الذي لم يبتل بالماء، لأن أمه كانت تغطيه بيدها، عندما غمست جسمه في الماء، وبذلك أصبح كعبه نقطة الضعف فيه.

تقول أسطورة سيجفريد إنه عندما هزم العمالقة، وأخرج فتاة أحلامه من الكهف، الذي احتجزوها فيه، واستولى على الكنز، الذي كانوا يخفونه في الجبل، جنح إلى الحكمة، فلم يحتفظ إلا بالفتاة، وأما الكنز فرده إلى مكانه لأن النبوءة كانت تقول إن من يستولي على الكنز، لن يعيش أكثر من ثمانية أعوام.

ولما كان سيجفريد يعلم بموضع ضعفه، فقد فضل أن يعيد الكنز إلى مكانه مكتفياً بالفوز بفتاة أحلامه، وبذلك جمع بين الشجاعة والحكمة، وإن يكن الأدباء والفنانون الألمان قد غلبوا أحد الجانبين على الآخر عبر القرون طبقاً لتغير الروح العامة للشعب الجرماني، حتى أصيب سيجفريد بالوهن والضعف أحياناً، تغليباً للحكمة على الشجاعة إلى أن رد إليه الموسيقي فاجنر قوته باللفظ والنغم في الأوبرا الشهيرة التي تحمل اسمه.

من المؤكد أن هذه الأوبرا هي التي أشاعت اسم سيجفريد في العالم كله، أكثر مما أشاعته الملاحم الشعبية القديمة، بحيث لم يكن غريباً أن يختاره جان جيرودو بطلاً لمسرحيته، ومع ذلك فإن بطل هذه المسرحية لا علاقة له بالبطل الأسطوري، بل هو رجل عادي كان جندياً فرنسياً، اشترك في الحرب العالمية الأولى وأصيب فيها إصابة أفقدته الذاكرة فنقله الألمان إلى أحد المستشفيات.

وأخفوا عنه جنسيته وعالجوا جرحه ثم علموه الألمانية، وأطلقوا عليه اسم بطلهم الأسطوري سيجفريد، وإذا به يصبح في ألمانيا رجل دولة، وينتهي به الأمر أن يصبح مستشاراً لألمانيا، يستحوذ على ثقة الشعب ومحبته، بفضل حكمته واعتداله وبعده عن العنف.

تثير شعبيته غيرة الرجل الذي مهد له طريق المجد في ألمانيا، فيسعى للتخلص منه، بأن يستقدم من فرنسا سيدة، كانت حبيبته قبل أن يختفي في الحرب، ويضيع أثره، لكي توقظ في نفسه ذكرياته الفرنسية، وتعيد إليه وعيه بماضيه، حتى يعود إلى فرنسا، بعد أن تنكشف للشعب الألماني حقيقته.

تأخذ هذه الحيلة في النجاح بينما كان ذلك الرجل الغيور يدبر لثورة، لكن الثورة تفشل، ويصدر ضده حكم عسكري بالإعدام، غير أن المستشار سيجفريد يعدل الحكم إلى النفي، وعندئذ تتكشف حقيقة ذلك الجندي الفرنسي، وتنتهي المسرحية بتفضيله العودة إلى وطنه فرنسا، رغم معارضة الشعب الألماني وتمسكهم به.

تلخص المسرحية مفهوم الكاتب للثقافة والحضارة والمزاج الفرنسي من جهة، ومثيلتها الألمانية من جهة أخرى، ومع ذلك فإن الحدود التي تفصل بين البلدين ليست إلا خطاً وهمياً، لا ينبغي أن يكون حاجزاً بين البلدين ورمزاً للعداوة، فالمسرحية كلها توحي بأن الاختلاف لا ينبغي أن يكون اختلاف عداوة وتعارض، بل اختلاف تكامل.

الواقع أن العلاقة بين فرنسا وألمانيا شغلت كثيراً جان جيرودو حتى رأيناه يواصل الكتابة عن سيجفريد، ويكتب مقالات عن إمكان التقارب بين الشعبين وتجنب الحرب بينهما، لكنه ظل حياً حتى شهد الألمان يغزون وطنه، ويحتلونه أيام هتلر في الحرب العالمية الثانية، فقد مات في 31 يناير سنة 1944.

جان جيرودو ولد في 29 أكتوبر عام 1882 وعمل بوزارة الخارجية الفرنسية، ومع ذلك لم يتول منصب سفير أو يعمل في سفارة فرنسية بالخارج، وربما كان هذا الإجحاف من العوامل التي دفعته إلى أن ينعزل بفكره وإحساسه عن الواقع، وإن لم يمنعه ذلك من أداء ضريبة الدم في سبيل الدفاع عن وطنه، فقد اشترك في الحرب الأولى، وجرح فيها مرتين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2s8dj444

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"