عادي

﴿فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾

23:03 مساء
قراءة دقيقتين
رغيد
رغيد جطل

رغيد جطل
عندما نقرأ قوله تعالى: (فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ) نقف قليلاً متأملين، مُقرين بحقيقة؛ مفادها بأننا نعتقد أن الله رحيم، جواد قادر لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وهنا يبرز خلف هذا الاعتقاد سؤال جوهري، وهو إذا كان هذا اعتقادنا بالله، فلماذا لا نطلب منه المستحيل؟!

نعم لماذا لا نطلب المستحيل من الله، كحال الأنبياء، عليهم السلام؟ فلو عدنا إلى سيرة أنبياء الله، لوجدنا أنهم جميعاً طلبوا من الله المستحيل، والمقصود بالمستحيل ما يكون وفق العقل البشري غير ممكن الحدوث؛ إذ لا مستحيل مع قدرة الله، تعالى، وتعالوا بنا إلى نبي الله زكريا، بلغ من العمر عتياً، شاب شعره، وانحنى ظهره، وامرأته عاقر، بمعنى أن مقومات أن يكون له ولد، جميعها معدومة في المقاييس البشرية؛ بل ومستحيلة، لكنه مع ذلك رفع يديه إلى من لا مستحيل عنده، (قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ ٱلعَظمُ مِنِّي وَٱشتَعَلَ ٱلرَّأسُ شَيبا وَلَم أَكُن بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيّا * وَإِنِّي خِفتُ ٱلمَوَلِيَ مِن وَرَآءِي وَكَانَتِ ٱمرَأَتِي عَاقِرا فَهَب لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِن ءَالِ يَعقُوبَ وَٱجعَلهُ رَبِّ رَضِيّا) مريم: 456، ولأنه لا مستحيل مع الله جاءته الإجابة مبشرة بيحيى، ولنأتِ إلى نبي آخر من أنبياء الله، سيدنا سليمان، عليه السلام، أراد مُلكاً لم يكن لأحد قبله، ولا ينافسه فيه أحد يأتي من بعده، وهو في ميزان البشر أمر مستحيل إلا أنه لا مستحيل مع قدرة الله، (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ) ص:35، وكانت النتيجة أن جمع الله له النبوة والملك والعلم والحكمة، وسخر له الكون بما فيه وبمن فيه لخدمته، وكذا حال يعقوب، عليه السلام، حينما غاب عنه ولده الثاني، لجأ إلى الله، شاكياً همه وحزنه بدعوة مخبوءة أن يرد إليه ولديه اللذين فقدهما، وفي الميزان البشري عودة الولدين مستحيلة، فالأول سيدنا يوسف غاب عنه فترة طويلة، والثاني احتجز في قصر عزيز مصر وليس من الهين إطلاق سراحه، لكن لا مستحيل مع الله، تعالى؛ فقد رد الله له ولديه، وجعل يوسف في مكانة عالية في مصر، فكان ذلك عزاً له ولأبيه وإخوته.

كلنا يتقلب في هموم كثيرة، وأمام كدر الدنيا ما من طريق أمام المؤمن إلا باب الله، والمؤمن إذ يطرق باب ربه، فإنه يطرق باب الكريم الذي يستحيي من عبده أن يرده خائباً عندما يلتجئ إليه؛ لذا عليه أن يسأل الله أعلى حاجاته، وليس زهداً أن يتواضع المؤمن بالدعاء؛ بل عليه أن يسأل ويلح بمسألته، ومن أعظم المسائل أن يرجو الله أن يثيبه في الجنة، الفردوس الأعلى، وأن يكون برفقة سيد الخلق محمد عليه الصلاة والسلام القائل: (إذا سألتُم اللهَ فاسألوه الفِردَوسَ فإنَّها وسطُ الجنَّةِ و أعلاها و فوقَها عرشُ الرَّحمنِ و منها تَفجيرُ أنهارِ الجنَّةِ).

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yw9zyzrk

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"