عادي

مبادرة «حبوب البحر الأسود» تهدد الفقراء وتشعل الأزمة الأوكرانية

20:34 مساء
قراءة 5 دقائق

عادت الحبوب لتدخل الحرب الأوكرانية مجدداً، بعدما انتهى الاثنين العمل باتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود، الأمر الذي قد تكون له عواقب على أجزاء كبيرة من العالم، خاصة الدول الفقيرة، إذ إن نحو 500 مليون شخص في العالم يعتمدون على صادرات روسيا وأوكرانيا من الحبوب.

لحظات صعبة

المصائب لا تأتي فرادى، فإن عدم تجديد روسيا اتفاق الحبوب، صاحبته تطورات أخرى تشي بأن العالم قد يعيش لحظات صعبة في الأيام المقبلة، فالأرز الذي يعد غذاءً أساسيّاً لنحو نصف سكان المعمورة من المتوقع أن تشهد أسعاره ارتفاعات جديدة، في حال قررت الهند، أكبر مورد للسلعة عالمياً، فرض حظر على تصديره.

وقد ارتفعت أسعار الأغذية داخل الهند، ووصلت تكلفة السلعة الأساسية إلى أعلى مستوى لها في 11 عاماً.

كما ارتفعت أسعار العقود الآجلة للقمح والذرة وفول الصويا مجدداً، وزادت المخاوف من تدهور إنتاج المحاصيل الزراعية حول العالم بسبب موجة الطقس الجاف التي تشهدها مناطق الزراعة في أوروبا، وقد خفض اتحاد التعاونيات الزراعية في ألمانيا تقديراته لإنتاج محصول الحبوب بسبب الجفاف.

ونفس الأمر في الولايات المتحدة أكبر منتج للذرة في العالم وثاني أكبر منتج لفول الصويا، وهو ما يؤثر سلباً في سلع غذائية رئيسية تهم المستهلك.

إذاً الأمر ليس فقط في أوكرانيا التي تُعد واحدة من أكبر موردي الحبوب، حيث يعتمد 400 مليون شخص في جميع أنحاء العالم على الحبوب الأوكرانية، وفقاً لأرقام برنامج الغذاء العالمي.

مشاعر القلق تسود أوساط المزارعين

لكن بالنظر إلى الاقتصاد الأوكراني جراء انتهاء اتفاقية تصدير الحبوب، بات مصير استمرار أوكرانيا في شحن الحبوب إلى دول العالم بنفس المعدلات الحالية غامضاً في ظل ارتفاع تأمين سفن الشحن في حالة التصدير براً.

هذا الخيار أيضاً لن يكون بديلاً عن النقل بحراً، فرغم أن أوكرانيا صدَّرت كميات كبيرة من الحبوب عبر دول شرق الاتحاد الأوروبي، فإنه لا يوجد عدد كاف من عربات الشحن اللازمة لتصدير جميع الحبوب الأوكرانية عن طريق البر.

وأوكرانيا كانت في 2021 خامس مصدر للقمح عالمياً، وكثير من المناطق الأوكرانية الساخنة أو المتوترة تعدّ أرضاً رئيسية لزراعة القمح، ومنها منطقة خيرسون جنوبي البلاد، التي كانت «سلة غذاء» أوكرانيا في مجال الحبوب وغيرها، وسيطرت عليها روسيا في أول أيام الحرب.

يضاف إلى ذلك، مشاعر القلق التي تسود أوساط المزارعين في دول شرق الاتحاد الأوروبي جراء تأثير إمدادات الحبوب الأوكرانية التي يتم شحنها إلى السوق المحلية وسط مخاوف من أن الأمر قد يلقي بظلاله على منتجاتهم.

3 أشهر.. هل تكفي؟

من جانبه، علق الأمين العام للأمم أنطونيو غوتيريس على القرار الروسي، مشدداً على أن «مئات ملايين الأشخاص يواجهون خطر الجوع» وأنهم «سيدفعون الثمن».

وقالت الرئاسة الأوكرانية، الأربعاء، إنه تم تدمير 60 ألف طن من الحبوب.

ومن جهتها، أكدت روسيا أنه إذا لم تنفذ الأمم المتحدة بنود مذكرة متعلقة بالصادرات الزراعية الروسية في غضون ثلاثة أشهر فإن موسكو لن تستأنف المحادثات حول الاتفاق الذي يسمح بتصدير المنتجات الأوكرانية عبر البحر الأسود، وصرحت ماريا زاخاروفا المتحدثة باسم وزارة الخارجية «الأمم المتحدة لا يزال أمامها ثلاثة أشهر لتحقيق نتائج ملموسة.

أغراض عسكرية

وكانت موسكو عند رفضها تمديد الاتفاق الذي أبرم برعاية الأمم المتحدة وتركيا، قد نددت بالعوائق الماثلة أمام تصدير المنتجات الزراعية الروسية.

واتهمت أوكرانيا باستخدام الممر البحري الذي فتح في إطار الاتفاق «لأغراض عسكرية»، بعدما قصفت كييف الاثنين الجسر الاستراتيجي الذي يربط الأراضي الروسية بشبه جزيرة القرم التي ضمتها موسكو.

ورداً على ذلك، أعلنت وزارة الدفاع الروسية الثلاثاء أنها دمرت عبر مجموعة صواريخ «المنشآت التي أعدت فيها أعمال إرهابية ضد روسيا»، وكذلك المكان الذي صنعت فيه مسيرات بحرية.

وكانت روسيا وافقت في مايو الماضي، على تمديد اتفاق تصدير الحبوب لشهرين، حيث وقعت روسيا وأوكرانيا على اتفاقية الحبوب برعاية أممية ووساطة تركية بهدف ضمان شحن الحبوب الأوكرانية العالقة في الموانئ عبر البحر الأسود بسبب الحرب، فيما وصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس الاتفاق بكونه «منارة أمل».

لكن منارة الأمل تبدلت، وباتت عوامل التوجس، منذ أعلن الكرملين أن روسيا علقت مشاركتها في اتفاق تصدير الحبوب عبر البحر الأسود.

وفي السابق اعتبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أن الهدف الرئيسي من اتفاق الحبوب الأوكرانية، لم يتحقق، وذلك في اتصال هاتفي مع نظيره في جنوب إفريقيا سيريل رامابوزا، وأضافت الرئاسة الروسية في بيان أصدرته حول هذه المحادثة الهاتفية «أن الهدف الرئيسي للاتفاق، تسليم الحبوب إلى البلدان المحتاجة، ولا سيما في القارة الإفريقية، لم يتحقق».

5 مطالب روسية

طالبت روسيا بخمس مطالب في إطار تنفيذ مذكرة روسيا - الأمم المتحدة الخاصة بصفقة الحبوب، من بينها «إعادة ربط البنك الزراعي الروسي بنظام (سويفت)، وتوريد قطع الغيار اللازمة للزراعة الروسية، وإلغاء حظر لوجستيات النقل والتأمين، وإعادة إحياء خط أنابيب الأمونيا» «تولياتي - أوديسا»، وإلغاء تجميد أصول الشركات الروسية.

وأكدت وزارة الخارجية الروسية في مايو الماضي أنه في حال عدم الوفاء بهذه المطالب، فلن يكون هناك أي توسيع لمبادرة البحر الأسود وسيتم وقف العمل بالاتفاقية بعد 17 يوليو المقبل.

ماذا يعنى انهيار الاتفاق؟

عندما بدأت الحرب الروسية الأوكرانية أواخر فبراير العام الماضي، أعربت الكثير من دول العالم عن مخاوفها من وقوع مجاعة، خاصة في البلدان الفقيرة في إفريقيا والشرق الأوسط، وسط قلق متنام حيال نفاد الوقت أمام إبعاد شبح أزمة مجاعة.

أزمة عالمية

وقْف هذا الممر لتصدير الحبوب، قد ينذر بأزمة عالمية، كما حدث في السابق عقب اندلاع الحرب الأوكرانية، الأمر الذي حذرت منه تقارير أجنبية، وفي نوفمبر الماضي حذر عدد كبير من الخبراء ومنظمات الإغاثة من تداعيات قرار تعليق اتفاق تصدير الحبوب من أوكرانيا، ومن شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع أسعار الغذاء عالمياً، وستكون الدول الفقيرة، خاصة في إفريقيا، أكثر تضرراً.

أهمية البحر الأسود للسوق العالمي؟

يقع البحر الأسود على مفترق طرق بين أوروبا وآسيا والشرق الأوسط فيما يمثل موقعاً استراتيجياً مهماً في جنوب شرق أوروبا في منطقة تلاقي المصالح البحرية والقارية والجيواستراتيجية والاقتصادية.

وعلى وقع هذه الأهمية، يعد البحر الأسود بمثابة الفرصة الوحيدة أمام أوكرانيا لتصدير حبوبها إلى أوروبا ومن ثم الاتصال بطرق التصدير الأخرى، لكن عبر مضيقي الدردنيل والبوسفور التركيين.

أزمة غذاء

من جانبه حذر أبوبكر الديب، مستشار المركز العربي للدراسات والباحث في العلاقات الدولية والاقتصاد السياسي، في تصريحات خاصة ل«الخليج»، من اندلاع أزمة غذاء وارتفاع معدلات الجوع بالعالم، بعد أن أعلنت روسيا، تعليق مشاركتها في اتفاق تصدير الحبوب عبر البحر الأسود الذي يسمح بتدفق الحبوب من أوكرانيا إلى دول في إفريقيا والشرق الأوسط و آسيا.

وقال، إن 500 مليون شخص على مستوي العالم يعتمدون على صادرات أوكرانيا وروسيا من الحبوب، وفي حال وقف الاتفاق، الذي توسطت فيه الأمم المتحدة وتركيا، في يوليو الماضي، سيحدث لهم أزمة غذاء حيث تعد روسيا وأوكرانيا من الموردين العالميين الرئيسيين للقمح والشعير وزيت عباد الشمس وغيرها من المنتجات الغذائية ذات الأسعار المعقولة التي تعتمد عليها الدول النامية.

وأوضح «الديب»، أن روسيا علقت الاتفاق لرؤيتها أن القيود المفروضة على الشحن والتأمين عطلت صادراتها من المواد الغذائية والأسمدة، مشيراً إلى أن الحرب أدت إلى ارتفاع أسعار السلع الغذائية إلى مستويات قياسية العام الماضي، وساهمت في حدوث أزمة غذاء عالمية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5aejcdeu

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"