البيانات.. من معرفة العالم إلى فهمه

00:01 صباحا
قراءة دقيقتين

في توصيفه للعصر الراهن، كتب المؤلف ومحلل البيانات الأمريكي، نيت سيلفر: «إنه عصر البيانات؛ حيث يمكن أن تغير الأرقام والمعلومات حياتنا وطريقة فهمنا للعالم». في الحقيقة هذه المقولة جوهرية ودقيقة جداً، فالبيانات تنقلنا من حالة معرفة ما يجري في العالم إلى خانة فهمه، وما بين المعرفة والفهم مسافة طويلة، فالأولى تعني الاطلاع على ما جرى، وامتلاك المعلومات حول مجريات الأحداث السابقة، أما الثانية فتعني فهم عناصر الأشياء وعلاقتها وتأثيرها بعضها ببعض، وأسباب المتغيرات وتوجهاتها، وتعني أيضاً امتلاك القدرة على توقع ما سيحدث بعد عشرات السنين.
ولا تصبح البيانات بهذه القوة المؤثرة، إلا إذا جاءت في سياق مشروع ضخم، تحمله مؤسسات وجهات مختصة، يحركه علماء وباحثون بمختلف المجالات، ويشمل أيضاً مراحل عدة، تبدأ بمعرفة الطرق المثلى والشاملة لجمع البيانات ومناهج توثيقها واختيار المناسب والصالح منها، ومن ثم تحليلها للخروج باستنتاجات علمية، بهذه الطريقة نمتلك أدوات فهم الحاضر وعلاقته بما مضى، والأهم من ذلك ومن خلال الطرق العملية في التحليل والتوقعات، نستطيع أن نحدد مسارنا نحو المستقبل، وأن نقرر ما علينا فعله الآن، ليكون هذا المستقبل مزدهراً ومستداماً للجميع بدون استثناء.
استعدت تلك المقولة وهذه الحقيقة، خلال لحظات الفخر التي رافقت الانتهاء من «تعداد الشارقة 2022»، هذا المشروع الضخم والمهم الذي شارك فيه عدد هائل من مؤسسات الإمارة، وحظي بدعم ورعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، فهذا المشروع يشكل جزءاً أساسياً من مشروع الشارقة الثقافي والحضاري، فهو بحد ذاته دليلنا نحو طموح مجتمع الإمارة، وهو أيضاً نافذتنا التي نرى من خلالها، ما ستكون عليه إمارتنا غداً.
ولأن الشارقة لها تجربتها الخاصة وتملك رؤية محكمة، سأضيف تفسيراً جديداً لمقولة محلل البيانات سيلفر، وهي أن البيانات أعادت للبعد الاجتماعي اعتباره في التخطيط وسن السياسات والإعداد للمستقبل؛ حيث أصبحت مساعي الحكومات والجهات الرسمية أكثر استجابة لطموحات المجتمع من أفراد وأسر ومؤسسات وشركات، لأنها من ناحية سهّلت التعامل مع المجتمع ككتلة واحدة، ومن ناحية ثانية نقلت الخطط المستقبلية من التقديرات والتوقعات إلى الحقائق، الأمر الذي يؤثر إيجاباً على الجميع بدون استثناء، كل هذا يضاف إلى الشراكة بين الأفراد والجهات الرسمية في عملية جمع البيانات، وهو ما تجلى في مشروع تعداد الشارقة الذي تقدم للمشاركة فيه أكثر من 6500 متطوع من أكثر 40 جنسية، وحظي باستجابة رائعة من المجتمع المحلي.
لقد دخلنا بقوة عصراً جديداً بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، والمستقبل سيكون بجانب من يمتلك أدوات هذا العصر ويحسن استخدامها ويوجهها نحو الغايات السامية، ونحن واثقون بأننا في إمارة حفرت مكانتها في قلب التاريخ، وتركت بصماتها على الحاضر، وسيكون لها مكانتها التي تستحق في المستقبل.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3wptxeav

عن الكاتب

رئيس دائرة الإحصاء والتنمية المجتمعية في الشارقة

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"