عادي

السودان.. السلام يبتعد

00:09 صباحا
قراءة 4 دقائق
صورة متداولة للانفجار العنيف وسط الخرطوم يوم أمس

د. أميرة محمد عبدالحليم*

مع دخول الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع في السودان شهره السابع، تتزايد الكُلفة الإنسانية والمادية التي يدفعها الشعب السوداني كل يوم من دون جدوى من استمرار الصراع، مع تراجع ملحوظ في الاهتمام الخارجي بالبحث عن تسوية، في ظل إصرار طرفي الصراع على الحسم العسكري، وكذلك بروز أزمات إقليمية أخرى، تدفع القوى الخارجية المختلفة نحوها، للحد من تداعياتها الخطرة.

أمام المشهد السوداني الذي تتضاعف تأثيراته على المواطن السوداني ومؤسسات الدولة، تبرز تساؤلات مهمة حول مستقبل هذا الصراع، ومتى ستضع الحرب أوزارها، وهل سيصل طرفا الصراع أو أحدهما إلى مرحلة الإنهاك، لتبدأ مرحلة التسوية أم سيظل السودان يدور في رحى معارك تدمر في طريقها كل مقدرات الشعب السوداني، بما يؤدي إلى وضع كارثي لمستقبل هذه الدولة؟

محاولات السيطرة على المواقع

خلال الأسبوعين الأخيرين، استمرت المواجهات المتبادلة بين الجيش وقوات الدعم السريع في مدن العاصمة الثلاث (الخرطوم وبحري وأم درمان)؛ حيث تركزت العمليات في أم درمان؛ إذ استهدفت قوات الدعم السريع، معسكرات الجيش والمطار العسكري، وتسببت في نزوح الآلاف من السكان، وبلغ عدد الإصابات بين المدنيين 200 إصابة، كما قُتل ما يقرب من 49 مواطناً، وتوسعت رقعة الحرب بعد توغل قوات الدعم السريع في مناطق جديدة في ولاية الجزيرة وسط السودان، بعد سيطرتها على منطقة العيلفون على بعد 30 كم شرقي الخرطوم؛ حيث قطعت طريقاً رئيسياً للإمداد كان يعتمد عليه الجيش في نقل الجنود والإمدادات العسكرية، وسيطرت على آخر المداخل المهمة للعاصمة.

كما استمرت المواجهات في إقليم دارفور، خاصة مدينة نيالا، وكذلك ولاية شمال كردفان؛ إذ هاجمت قوات الدعم السريع بلدة «ود عشانا» وأجبرت أعداداً كبيرة من السكان على النزوح، بعدما أعلنت سيطرتها على الحماية العسكرية التابعة للجيش والقريبة من البلدة. كما تسعى قوات الدعم السريع إلى السيطرة على مدينة الأبيض، لموقعها الاستراتيجي الذي يربط إقليمي كردفان ودارفور، كما أن المدينة تضم مطاراً يستخدم في بعض الأحيان للأعمال العسكرية.

انتشار الأوبئة وتدهور اقتصادي

على المستوى الإنساني، أصبح السودان يواجه أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم، بعد أن تخطى عدد الذين تركوا منازلهم نتيجة الصراع 7.1 مليون شخص، إلى جانب ارتفاع أعداد القتلى إلى 10 آلاف مع انتشار للأوبئة والأمراض المعدية؛ ومنها الكوليرا والملاريا وحمى الضنك في عدد من الولايات، ووفاة المئات من المصابين بالأمراض المزمنة، في ظل نقص حاد للعلاجات المنقذة للحياة، وأكياس الدم، والأدوية التي تعالج أعراض المرض والمحاليل والمسكنات، هذا فضلاً عن صعوبات إجراء الفحوص أو التبرع بالدم؛ حيث خرج 70% من المستشفيات عن العمل، وسط توقعات بمواجهة السودان لأزمات صحية وبيئية في ظل صعوبات دفن الموتى.

كما يتوقع البنك الدولي أن يعاني السودان انكماشاً اقتصادياً بنسبة 12% خلال عام 2023، بسبب توقف النشاط الإنتاجي والمصانع، وتدمير البنية التحتية، ما أدى إلى ارتفاع غير مسبوق في أسعار السلع الغذائية الرئيسية، بسبب توقف سلاسل الغذاء، وانخفاض قيمة الجنيه السوداني مقابل الدولار، مع تزايد جرائم القتل والنهب واحتلال المنازل وخطف النساء بالقوة، نتيجة الانفلات الأمني.

والسؤال الآن: مع استمرار حالة الاستنزاف التي يعانيها السودان وشعبه خلال أكثر من نصف عام، كيف يمكن إيقاف آلة الحرب في السودان، خاصة أن هذه الحرب لا تقف عند حدود السودان وشعبه الذي يدفع كل يوم كُلفة باهظة لاستمرار الصراع؛ كُلفة تفوق قدراته وقدرة مؤسساته التي تدمر 90% منها في المواجهات بين الجيش وقوات الدعم السريع؟، إذا لم تمتلك القوى السياسية في السودان أدوات للضغط على طرفي الصراع، لإيقاف الحرب واللجوء الى الحوار، فعلى القوى الإقليمية خاصة منظمة «الإيقاد» والاتحاد الإفريقي ودول جوار السودان، تلمس طريق لجذب طرفي الصراع نحو الحوار، واستغلال العلاقات التاريخية والقبلية بين دول جوار السودان أو الدول الإفريقية والعربية وطرفي الصراع في سبيل إنقاذ ما تبقى من مقدرات السودان؛ ويجب على القوى الإقليمية أن تؤمن بأن دولها وشعوبها ليست بمنأى عن تداعيات الصراع في السودان، وأنها لن تكون بمنأى عن تداعيات الوضع السوداني، مع بروز دعوات للتقسيم أو تشكيل حكومتين.

على القوى الإقليمية أن تعمل على إقناع طرفي الصراع بضرورة وقف الحرب، وعدم التمسك بمعادلة صفرية لإنهاء الصراع، لأن هذه المعادلة ستؤدي إلى خسارة الطرفين، فالشعب السوداني لن ينسى معاناته، وما فقده من أرواح وخسائر، وتحويل أراضي السودان إلى ساحة لمعارك ضارية، مع عدم تجاهل القوى الإقليمية لإشراك القوى السياسية في مبادراتها وتحركاتها حتى تتمكن من الوصول إلى التوافق الوطني الذي يبحث عنه السودانيون منذ نجاح ثورتهم في إبريل/ نيسان 2019.

مع الأخذ في الاعتبار أن مشاركة القوى الدولية وتدخلها في الأزمة السودانية، يخدم في المقام الأول مصالحها الحيوية والتي ليست بالضرورة تتوافق مع مصالح الشعب السوداني أو مصالح الدول المجاورة للسودان؛ بل وتستخدم بعض هذه القوى وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، الأزمة في السودان مدخلاً لإعادة تفعيل حضورها في القارة الإفريقية وإقليم البحر الأحمر، وربما تنتظر بعض هذه القوى أن يصل الصراع بالسودان إلى مرحلة التقسيم الحتمي؛ لذلك تطرح هذه القوى حلولاً «غير مجدية» مثل فرض العقوبات على شخصيات مشاركة في الحرب؛ حيث تبنت الولايات المتحدة هذا الاتجاه، وخلال الأيام الأخيرة يقترح الاتحاد الأوروبي تبني هذا الخيار في سبيل إجبار طرفي الصراع على وقف الحرب، إلا أن فرض العقوبات لم يكن البديل الأمثل في الكثير من الأزمات؛ بل إنه في أحيان كثيرة زاد من وطأة الأزمة الإنسانية على الشعوب التي تعاني الأزمات.

* باحثة في الشؤون الإفريقية بمركز الأهرام للدراسات

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p8zcu7m

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"