عادي

السودان.. حراك يبعث الأمل

22:29 مساء
قراءة 4 دقائق
السودان.. حراك يبعث الأمل

د. أميرة محمد عبدالحليم *

مع استمرار المعارك في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، وتجاوزها لأكثر من نصف عام، ومع تداعياتها الإنسانية والمادية، شهدت الأيام الأخيرة بارقة أمل، بعثتها تحركات لقوى سياسية سودانية تسعى إلى إيقاف الحرب، ومنع انزلاق السودان نحو المجهول، وتزامنت مع جهود إقليمية كان أبرزها استئناف مفاوضات جدة بين طرفي الصراع.

انطلقت يوم الأحد 22 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 في العاصمة الإثيوبية، أديس أبابا، اجتماعات بين عدد من القوى المدنية، شملت قيادات قوى الحرية والتغيير وشخصيات وطنية بارزة وقادة حركات مسلحة ولجان المقاومة ومنظمات مجتمع مدني، كان في مقدمتهم رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، ورئيس حزب الأمة القومي فضل الله برمه ناصر؛ لوضع رؤية سياسية وتنظيمية واقتصادية، لوقف الحرب، واستعادة العملية السياسية؛ بهدف الوصول إلى انتقال مدني ديمقراطي للسلطة، بالاعتماد على الضغط الشعبي على طرفي الصراع.

وأعلنت القوى المدنية في هذه الاجتماعات، دعمها لمنبر جدة التفاوضي، ومبادرة الاتحاد الإفريقي التي أعلنها في 25 يونيو/ حزيران 2023، والتي تتبنى خطة تدمج بين رؤية منبر جدة ومقترحات الهيئة الحكومية الدولية للتنمية «الإيغاد» والتي تنص على إجراءات تؤدي إلى وقف الحرب، وإطلاق عملية سياسية، تفضي بانتقال السلطة إلى المدنيين، لتحقيق عدد من الأهداف؛ أهمها: معالجة الأزمة الإنسانية التي تفاقمت مع الصراع في مناطق مختلفة من البلاد.

كما انطلق في 24 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، المؤتمر التشاوري للحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام في عاصمة جنوب السودان، بمشاركة نائب رئيس مجلس السيادة السوداني مالك عقار، ورئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم؛ لمناقشة تداعيات الحرب، ومآلات الوضع السياسي، ومستقبل اتفاق جوبا للسلام.

دعم إقليمي ودولي

شهدت الأيام الماضية تحركات للاتحاد الإفريقي ومنظمة «الإيغاد» في القاهرة، تم خلالها التشاور مع الكتل السياسية السودانية المختلفة، وفق رؤية جديدة لعملية سياسية شاملة، لا تتقاطع مع مسار المفاوضات في جدة.

في الوقت الذي تلقى فيه رئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان ورئيس قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو دعوة إلى استئناف مفاوضات جدة برعاية الرياض وواشنطن.

تصعيد ميداني

ويبدو أن آلة الحرب ليس من الممكن إيقافها على نحو سريع في السودان، فعلى الرغم من موافقة طرفي الصراع على استئناف التفاوض فيما بينهما، فإن القصف الجوي والمدفعي تصاعد بينهما، وشملت المواجهات العديد من المناطق في مدن العاصمة الخرطوم، وكذلك ولاية جنوب دارفور، فقد تعرضت مناطق عدة في شمال أم درمان، وجنوب الخرطوم، لقصف مدفعي شديد خلال الأسبوع الماضي؛ حيث كثف الجيش السوداني من القصف الجوي لمراكز تجمع قوات الدعم السريع في مدن العاصمة الثلاث.

في حين دارت معارك شرسة في يوم 24 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 بين الجيش وقوات الدعم السريع في مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور، وثاني أكبر المدن في السودان؛ وذلك في إطار الهجمات التي تشنها قوات الدعم السريع على المواقع العسكرية للجيش السوداني في محاولة للسيطرة عليها؛ حيث تضم مدينة نيالا الفرقة 16 من الجيش السوداني، والتي تعد أكبر قاعدة عسكرية في دارفور، وقد أكد شهود أن قوات الدعم السريع تمكنت من فرض سيطرتها على مقر السلاح الطبي، والمستودعات التابعة للجيش السوداني جنوب غربي قيادة الجيش في المدينة.

وعلى المستوى الإنساني، أكد تيغيري شاغوتا، المدير الإقليمي لشرق وجنوب إفريقيا في منظمة العفو الدولية، مع دخول تصاعد الصراع بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية في 15 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 شهره السادس، مسفراً عن مقتل ما لا يقل عن 5000 مدني، وإصابة ما يزيد على 12000 شخص، ونزوح أكثر من 5.7 مليون شخص قسرياً، أن كل يوم، يتعرض فيه المدنيون في السودان للقتل، ويضطرون للنزوح مع استمرار احتدام الصراع؛ يوجب علينا تحقيق العدالة، وإجراء المساءلة من أجل حماية المدنيين، كما رحب بالتحرك الذي قام به مجلس حقوق الإنسان من أجل إنشاء آلية مساءلة دولية، لجمع الأدلة والمحافظة عليه، كما طالب جميع الأطراف بالسماح بإيصال المساعدات الإنسانية من دون عوائق. وطالب مجلس الأمن «بتمديد حظر الأسلحة الحالي ليشمل السودان بأكمله، وضمان تنفيذه».

ولم يتوقف الأمر عند تزايد أعداد القتلى والجرحى؛ بل أصبحت أسر كثيرة من الذين اضطروا للنزوح من مناطقهم بسبب الصراع في معاناة مستمرة نتيجة نقص المساعدات، وارتفاع أسعار السلع والإيجارات، وكذلك نقص الأدوية، وخروج 70% من المستشفيات في العاصمة والمناطق المتاخمة للصراع، خارج نظام العمل.

وعلى الرغم من استمرار المعارك والاقتتال بين طرفي الصراع في السودان، فإن التحركات التي تبنتها قوى وطنية وإقليمية خلال الأيام الأخيرة لاستعادة الاستقرار في البلاد، تبعث على مزيد من التفاؤل في إمكانية حلحلة الجمود الذي أصاب كافة مسارات تسوية الأزمة في السودان؛ حيث هناك جهود تبناها أبناء السودان، يمكن التأسيس عليها، لجذب طرفي الصراع نحو التفاوض لوقف آلة الحرب.

وربما تبرهن ردود أفعال المحسوبين على نظام البشير وكذلك قطاعات من التيار الإسلامي على الحراك الوطني الذي تشهده البلاد، على أهمية استمرار الجهود الوطنية في سبيل استعادة الاستقرار في السودان؛ حيث يتهم هؤلاء القوى المدنية والحركات المسلحة وغيرها من المشاركين في اجتماعات أديس أبابا الأخيرة بتلقيهم لتمويل أجنبي.

من ناحية أخرى، لن تتمكن القوى الوطنية السودانية من الاستمرار في الدفع نحو السلام في البلاد من دون مساندة حقيقة من القوى الإقليمية والدولية؛ حيث تحتاج هذه الجهود إلى الرعاية الإقليمية والدولية؛ للضغط على طرفي الصراع، وكذلك لضبط مساراتها، وفرض تصوراتها حول المرحلة التالية على إيقاف الحرب، ومضامين التسوية السياسية التي تتمكن من خلالها بالعودة بالسودان إلى طريق الاستقرار.

* باحثة في الشؤون الإفريقية بمركز الأهرام للدراسات

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ak5srjff

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"