هل أنت كاتب شتائي؟

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

الكتابة في الشتاء في حدّ ذاتها متعة شعرية غنائية لا يعرفها إلّا من يحب الكتابة ولا يعتبرها وظيفة، بل، حياة، ومتعة.

في الشتاء، تغتسل الأشياء والكائنات وحتى اللغة.. تصفو وتتجدّد وتصبح اكثر ألفة وصداقة بالنسبة إلى الكاتب الذي يعتبر اللغة والكلمات والورق والحبر كائنات حية، ولكل منها روح وعافية.

الشتاء أيضاً فصل حنين. المطر يعود بك إلى طفولتك دائماً، إنه فصل البروق والرعود والماء، ولكل منها رمزيته.. البرق يرمز إلى الضوء الخلّبيّ السريع، والرعد يرمز إلى القوّة، والماء يرمز إلى الخصب والنموّ والارتواء..

كل شيء، وكل كائن يرتوي في الشتاء حتى الحجارة، لكنني، وعلى نحو شخصي، أتأمل بهجة الصحراء بالشتاء، حين يبدو الرمل كأنه يتثاءب او يبتسم. النباتات الصغيرة تبدو كأنها تستقبل أمّها «الماء»، والماء مذكر ومؤنث، مفرد وجمع، لغة وموسيقى..

أقرأ، وأكتب، وأتفاءل، وأمتلئ بالفرح والخفّة والعافية أكثر من أي فصل آخر، إنه «فصلي» بامتياز. فصل البرد الذي يستدعي الدفء، وفصل الليل الطويل الذي يستدعي الحلم، وفصل الارتواء الذي يستدعي الاكتفاء والاكتمال..

كتبتُ قصيدتي الملحمية «مجرّة القتلى» في شتاء العام ١٩٨٤ في شعم في رأس الخيمة، بالقرب من البحر بجانب مدرسة أحمد بن ماجد، وفي شتاءات تالية وعبر عشرات السنوات عرفت كيف تحتفل الصحراء وتفرح بالشتاء حين كنّا نخرج إلى الرمل، ونشم بامتلاء رائحته ورائحة الأعشاب والزهور والشجيرات الصغيرة، ونوقد ناراً، ونأكل عشاءنا بصحبة الليل البارد:.. عبد العزيز جاسم، سعد جمعة، عادل خزام، وعبد الله عبد الرحمن، وثاني السويدي،.. وآخرون شتائيون..

..هل أنت كاتب شتائي؟.. هل تكتب أو تقرأ في الشتاء أكثر من أي فصل آخر؟.. هل تساعدك طبيعة الماء وثقافته وتاريخه على اكتشاف جوهر اللغة، وبالتالي، اكتشاف جوهر الماء؟

خطرت هذه الأسئلة، البارحة، تحت غيوم هذا الفصل الخيري الإنساني الجمالي في لحظة الماء المهدى لنا من الله بكل هذا العطاء العميم. وخطر في الوقت نفسه أن غالبية شعراء الإمارات هم شعراء «مائيون» في تجاورهم التاريخي والمكاني والعاطفي للبحر، والبحر سوارٌ من الماء يحيط بهذه الجغرافيا المكانية والثقافية التي أنجبت العديد من شعراء الفصحى، وشعراء النبط، وشعراء الصورة، وشعراء المعنى: أحمد بن ماجد، الماجدي، الخضر، حبيب الصايغ، أحمد بن راشد.. وإلى آخر هذا الصف المائي من شعراء الشتاءْ.. هدية السماء.. للترابْ.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2tdn8a8r

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"