عادي

جغرافية ممتدة لـ«ديوان العرب»

22:18 مساء
قراءة 6 دقائق

الشارقة: جاكاتي الشيخ

عندما نتحدث عن الغرب الإفريقي فإننا نعني مساحة تضم خمس عشرة دولة، هي: مالي والسنغال والنيجر وتشاد وبوركينا فاسو ونيجيريا وبنين والرأس الأخضر وليبيريا وغامبيا وغينيا بيساو وغينيا كوناكري وساحل العاج والتوغو وسيراليون، وتضاف إليها موريتانيا التي كانت عاملاً بارزاً في نشر الثقافة الإسلامية واللغة العربية في هذا الإقليم.

كان لدخول الإسلام إلى غرب إفريقيا دور كبير في انتشار اللغة العربية في هذه المنطقة، وقد تطور حضورها مع مرور الزمن حتى أصبحت لغة الإدارة الرسمية في ممالكها القديمة، مثل مملكة غانا، وإمبراطورية مالي، ودولة الفلاني، التي أسسها الشيخ عثمان بن فودي في نيجيريا.

الصورة
1

وقد أورد المؤرخون والرحالة العرب، مثل ابن الفقيه، والفزاري، وابن حوقلن والعمرين والبكرين وابن خلدونن وابن بطوطةن أن أهل هذه المنطقة ككل الشعوب كانت لهم ثقافتهم ونظمهم السياسية والعسكرية والاقتصادية، وأضاف لهم الإسلام ما أضاف من رقي أخلاقي وسلوكي، وكرامة بشرية، ما يفند السردية الاستعمارية التي ترى أن حضارة إفريقيا لم توجد إلا مع الغرب.

وتنوعت الكتب التي شكلت مصدراً للثقافة العربية الإسلامية لهذه المنطقة ما بين: الفقه وأصوله، والحديث وعلومه، والسيرة النبوية، والقراءات، والتوحيد، والمنطق، والنحو، واللغة، والأدب، والعروض، والبلاغة، حيث كانت المساجد والكتاتيب والزوايا والخلوات فضاءات يرتادها من ينهلون من تلك الثقافة العريقة.

جزالة

ونتيجة لاستمرار انتشار اللغة العربية وثقافتها هناك، بدأ ظهور الأدب العربي، والشعر بشكل أخص، في هذه المنطقة، فكان الشعر المنتج في تلك المراحل متأثرا إلى حد كبير بالشعر العربي القديم، ما كان له دور جلي في جزالة لغته وتنوع أغراضه، والتي كان من أهمها الحماسي الجهادي قديماً، والوطني في مواجهة الاستعمار لاحقاً، والديني والتعليمي الموجهان للتأثير في عامة الناس دائماً، حتى وصل ذلك الشعر حديثاً إلى مستوى الشعر العربي المعاصر نفسه.

وتزخر المخطوطات الموجودة في المكتبات العتيقة للمنطقة وجامعاتها ومكتبات أوروبا المختلفة، بالكثير من الشعر العربي الذي أنتجه شعراؤها، كما تحتوي رفوف المكتبات الحديثة على عدد كبير من مجموعاتهم الشعرية، ودواوينهم المطبوعة، ما شكّل مادة غنية للباحثين والمحققين والدارسين لشعر المنطقة، أسهموا بتناولها في نفض الغبار عن هذا الشعر، وتقديمه كجزء مهم من مدونة الشعر العربي على امتداد عصوره، ومن هؤلاء الباحثين، عبد الصمد عبد الله محمد، والدكتور كبا عمران، وغيرهما.

نضج

يرى الباحثون أن الشعر العربي في غرب إفريقيا نشأ ما بين القرنين الميلاديين، التاسع والحادي عشر، رغم عدم نضجه حينها إلى المستوى الذي يصل فيه إلى المواصفات الفنية العالية التي تميز بها الشعر العربي عبر عصوره، حيث كانت شدة الرقابة الفقهية، وتحديدها للمعايير الشعرية الصارمة تحول بين هذا الشعر، وبين سرعة تطوره، فغلب على بداياته المديح والتوسل، لارتباطه بالفضاءات العلمية والدينية، التي ضيقت الخناق على أغراض الغزل، والهجاء، والوصف، الأمر الذي جعل المدائح النبوية ومنظومات الشعر التعليمي غالبة على سواها من أنواع الشعر في تلك الحقبة.

وتنقسم عصور تطور هذا الشعر إلى: عصر دخول الإسلام وبداية التعلّم، ويبدأ باعتناق الأفارقة للإسلام وبواكير تعلمهم اللغة العربية، وعلومها منذ القرن الثاني الهجري، والثامن الميلادي، إلى القرن السادس الهجري، والثاني عشر الميلادي، وعصر ازدهار العلوم الشرعية واللغوية والأدبية، من القرن الثاني عشر إلى القرن الثامن عشر الميلادي، وهو عصر نُضج العلماء الأفارقة بتأسيس تنبكتو التي كانت قبلة جميع طلبة المنطقة، وعصر وفادة العلماء والحركة القادرية، من القرن السادس عشر إلى الثامن عشر الميلادي، بعد سقوط تنبكتو وإجلاء العلماء منها، حيث وفد أولئك العلماء والطلبة إلى سائر بلدان المنطقة، ونشروا فيها ما لديهم من العلوم، وكانت بداية التصوف وانتشار القادرية في المنطقة، حتى وصلت إلى نيجيريا، والسنغال، ثم عصر الدول الإسلامية بالمنطقة، من القرن الثامن عشر إلى التاسع عشر الميلاديين، ويعد هذا العصر عصراً ذهبياً للقادرية التي ازدهرت على يدها العلوم والمدائح الشعرية للنبي، صلّى الله عليه وسلّم، ولعبد القادر الجيلاني، ولشيوخ الصوفية، وعصر الاستعمار ومقاومته بالحركة العلمية، والذي يبدأ من الربع الأخير من القرن التاسع عشر إلى ما بعد منتصف القرن العشرين الميلادي، وقد شهد حركة صوفية جديدة، هي الطريقة التجانية بزعامة الشيخ عمر تال الفوتي، وفي هذا العصر نمت ثورة ثقافية للتنديد بالاستعمار ومقارعته، إلى أن وصل إلى عصر النهضة بالاستقلال وبالبعثات العلمية منذ سنة 1957، حين وفدت تلك البعثات من دول المنطقة إلى جامعات الدول العربية، حيث درس المبتعثون الأدب العربي دراسة معاصرة.

وعلى مر التاريخ تفرعت أنواع الشعر المنتشر في هذه المنطقة إلى: الشعر الغنائي الوجداني، من مدح ورثاء ووصف وفخر وهجاء وغزل وحماسة ووطنية، والشعر التعليمي من زهد ووعظ وإرشاد ومنظومات علمية، والشعر الملحمي الذي يروي البطولات التاريخية، إلى أن وصل في أيامنا مرحلة الحداثة الشعرية بكل مضامينها، وأساليبها، وأشكالها.

ومن أجل إبراز مستوى التطور الذي حدث في هذا الشعر، فقد ارتأينا أن نقدم بعض النماذج الشعرية لتلك المنطقة، من الشعر الكلاسيكي القديم، ثم من الشعر المعاصر الحديث.

نماذج

يقول الشيخ عبد الله بن محمد فودي بن عثمان بن صالح، من نيجيريا (1757-1828م)، والذي كان وزيراً لشقيقه عثمان بن فودي، مؤسس دولة صكتو الإسلامية شمالي نيجيريا، في قصيدة يصف فيها جهادهم في معركة «كنو»:

بدأت ببسم الله والشكر يُتبعُ

على قمع كُفارٍ علينا تجمَّعُوا

ليستأصلوا الإسلام والمسلمين من

بلادهم والله في الفضل أوسعُ

فجاسوا غياضاً في بجيوى وقتَّلُوا

جموعاً من الأعراب والمالُ يُجمعُ

إلى أن يقول:

فليس لما تبني يد الله هادمٌ

وليس لأمر الله إن جاء مدفعُ

فقد تم وعد الله في نصر دينه

ولم يبق إلا شكره والتضرّعُ

ويقول الشيخ أحمد بمبا امبكي الخديم (1853-1927) مؤسس الطريقة المريدية في طوبى بالسنغال، إحدى أكثر الطرق الصوفية انتشاراً في غرب إفريقيا، من قصيدة يردّ فيها على المستعمرين الفرنسيين عند رحلته البحرية إلى منفاه في الغابون:

أسير مع الأبرار حين أسيرُ

وظنُّ العِدى أني هناك أسيرُ

مسيري مع الأخيار لله بالنبي

وما لي لغير الله عوض مسيرُ

إلى أن يقول:

يظنونني وقت اغترابي لديهم

أسيراً لهم والكل ثم يخور

حيارى أسارى للشياطين والهوى

وإني لربّ العرب جلّ أسيرُ

ويقول الشيخ عبد الله أبوبكر دنب بن محمد البشير واكي من مالي (1901-1978)، من آرائه الإصلاحية والتربوية في قصيدته «نصيحة للشباب»:

تغيّر مفهوم الكمال لدى الورى

فأصبح فخراً ما عهدناه منكَرا

وصارت سماء الدين بالجهل أرضَه

وركنُ الهدى بين الأنام مدمَّرا

فيا أيها الشبّان قوموا وشمّروا

لكيما تعيدوا المجد للدين مظهرا

فأنتم رجاء القطر في ردِّ مجده

ورفع لواء طالما وَضْعُه انبرى

فسيروا بجدٍّ تبلغوا غاية المنى

وإيّاكمُ واليأس إن مويسٌ عرا

معاصرة

يقول الشاعر التشادي د. حسب الله فضله في قصيدة «العربية لغتنا»

ﺗﺸﺎﺩُ ﺑﺸﺮﺍﻙِ! ﺇﻥّ الشّمل ملتئمُ

أبناؤكِ اجتمعوا والود ضمهمُ

بلادنا أُوهِنَتْ بالحرب، إذ تُرِكَتْ

تعيث فيها عقوداً بالرّدَى الوغَمُ

دُكَّتْ معالمُنا هُدَّتْ ثقافتنا

صرنا حديثاً وقيلت حولنا التهمُ

واليوم عادت لنا الألباب واتضحت

لنا الطريق وزال العي والصممُ

إلى أن يقول:

لكنما لغة القرآن رايتنا

في ذلِّها الذلُّ في إعلائها الشَّمَمُ

تالله (ما ضمنا لولا وشائجها

بيتٌ من الدهرِ لم يعبثْ به قِدمُ)

لا تنصتوا لحسود بات يرشقها

بأسهم الحقد إن الحقدَ منهزمُ

وفي شعر الحب يقول الشاعر عبد الله ادرامي من جمهورية مالي في إحدى قصائده:

لن تغضبيني وإن مزقتِ أثوابي

لن تحزنيني وإن كسّرتِ أبوابي

لن تُفقديني صوابي بالصراخ على

وجهي ولن تستطيعي غير إطرابي

إلى أن يقول:

معنى الهوى لغة حب بلا تعب

وفي اصطلاح الغواني قتل أحبابِ

ابقيْ معي دائماً، ابقي معي أبداً

صدقتك القول إني غير كذّاب

ولعل الجيل الشبابي من شعراء المنطقة أكثر جرأة على التتجريب الحداثي، حيث يقول الشاعر د. محمد صالح، الملقب ضيف الله جالو، من غينيا كوناكري، في قصيدته «ما تناثر من أريج البوح»:

بطلٌ وراء الغيْمِ/ ضيَّع شالَه/ فمضى يُسرِّحُ للسَّلام خيالَه/ ومضى/ كآخر غيْمة مشْتاقة/ ليريق في عطش الحقول زلاله/ متوضِّئٌ بالورْد/ بالشّغف الذي/يهدي لكل التائهين سؤاله

ويقول الشاعر السنغالي محمد الأمين جوب في مديحيته «آخر مقامات التجلي»:

بِقَدْرِ مَا أنَا أمْشي أَو أَشِي قَدَرَا

«يَا نَارُ كُوني» فَكَانَتْ رُوحُهُ قَمَرَا

بقَدْرِ مَا جِئْتُ مُغْمًى لِلحَنين دَمي

مُبَعْثَرٌ وفُؤَادِي لَا يُرَى وَيَرَى

إلى أن يقول:

مُحَمّدٌ يا مِدَادَ العَاشِقِينَ لَقَدْ

فُقْتَ البَريّةَ لَمَّا جُبْتَ كُلَّ ذُرَى

إلا أن الشاعر عبد الله بيلا من بوركينا فاسو، يظل أحد شعراء المنطقة القلة الذين يخلطون بين كتابة القصيدة العمودية الحديثة، وقصيدة التفعيلة، حيث يقول في قصيدة بعنوان «رجعُ كمانٍ.. إفريقي»، إلى محمد الفيتوري:

وسِّد الآن رأسكَ/ هذا البياضَ الكثيفَ الذي/ يتمدد ما بين عينيكَ/ خذ قسط نورٍ أخير معك/ونَم في بهائكَ/ جدِّل غدائر حلمكَ واحدةً واحدة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
http://tinyurl.com/4vwwr3ja

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"