أرواح للأشجار

00:19 صباحا
قراءة دقيقتين

وضع الباحث روبرت ديفز مقدّمة طويلة لكتاب («الصوفيّون» لإدريس شاه ترجمة: بيومي قنديل)، ولكن بعيداً عن المادة الصوفية المتخصصة، بل والغزيرة في هذا الكتاب الضخم (أكثر من 600 صفحة من القطع الكبير)، دعني أقترح للقارئ هذه الفقرة الخفيفة حول الكثير من الأشجار وخصائصها واستخداماتها واستجاباتها للظواهر الطبيعية والمناخية. وعلى الرغم من أن فقرة الأشجار هذه قد تبدو بعيدة عن ظاهرة التصوّف في الكثير من الثقافات الغربية والشرقية، إلاّ أن كل شجرة في حدّ ذاتها هي صورة وجودية ووجدانية مادّية، ومعنوية، وجمالية، بل وروحية أحياناً، فكم من الأشجار قد ارتبط بمفاهيم وعقائد وأديان في الشرق والغرب، وكم نام رجال دين وفلاسفة وحكماء تحت الأشجار، ولولا شجرة التفاح تلك في حياة نيوتن ربما لما عُرف قانون الجاذبية، وكم من الأشجار الأمومية الحنونية في ذاكرتنا الثقافية العربية الإسلامية:«وهزّي إليك بجذع النخلة تُساقِط عليك رطباً جنياً».

ولكن، ماذا بشأن أشجار مقدّمة ديفز؟ يقول «خشب الحور الرّومي ضد الماء، وتعطينا أوراقه صبغة مشبعة بالأحمر»،.. وشجر البتولا عائلي يحتضن نبات «عيش الغراب» المسبب للهلوسة وتنمو على رأسه طاقية، أما شجرتا السنديان والدردار فتجذبان البرق (لإشعال النار المقدّسة!!)، وجذر شجرة تفاح الجن مضاد للتشنّج، وشجرة «كف الثعلب» تسرّع في ضربات القلب، والخشخاش يخدّر، وورق اللبلاب الذي اسمه «حبل المساكين» يكون أحياناً سامّاً، أما زهوره فتوفّر للنحل القطفة الأخيرة من عسل السنة، وتوت السنديان معروف بالشفاء من بعض الأمراض ويمام الغابات يأكله بشراهة هو والطيور الأخرى التي لا تهاجر في فصل الشتاء».

ولكن ما علاقة كل هذه السردية النباتية بفكر التصوّف؟ هناك رابط بالتأكيد يخصّ كل مفكر أو كل كاتب وعلاقته بمحيطه الطبيعي هذا، لكن الأغرب من كل ذلك، كما يقول ديفز، أن هناك طائفة من أحد الشعوب تُسمّى «الدروديّون»، اتخذت من نبات «الدّابوق» رمزاً لطريقتها في التفكير، والكثيرون، كما يقول، ينزعون من النبتة بعض اللباب أو اللّب، ويعلقونه على حلق الباب، ربما اعتقاداً منهم بفأل حسن.

في الكثير من المعتقدات البكرية أو الفطرية، إن أمكن القول، نشعر وكأننا أمام اللغة الشعرية الأولى للبشرية حين تتخذ هذه المعتقدات إطاراً دينياً أو أسطورياً أو حكائياً هو في النهاية صورة جميلة تحقق للكائن البشري نوعاً من توازنه الرّوحي الفطري مثل ذلك اللب النباتي المعلّق على الباب.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4t2a2scu

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"