عادي

الترجمة العربية.. رهينة المركزية الأوروبية

22:56 مساء
قراءة 5 دقائق

الشارقة: علاء الدين محمود

تكمن أهمية الترجمة في كونها وسيلة للمعرفة، والتعرف إلى ثقافات وتاريخ مجتمعات مختلفة، بالتالي تتطلب التنوع والانفتاح، فلو سارت الترجمة على خط واحد في النقل من ثقافة وحضارة معينة، فإن ذلك الأمر يغيّب الكثير من المعارف والعلوم والآداب، وفي حال واقع الأدب العربي، فإن السائد هو الترجمة من وإلى الإنجليزية وبقية اللغات الأوروبية، مثل الفرنسية والإسبانية، الأمر الذي جعل الشعوب العربية رهينة تلك المركزية الأوربية، وثقافتها، متأثرة بآداب البلدان الغربية وأسلوب حياتهم، وطرق عيشهم، ولعل هذا الأمر يتجلى بصورة أكبر لدى المثقفين الذين هم أكثر تأثراً بمنتج الحضارة الغربية، ويتضح ذلك في كتاباتهم وإنتاجهم الأدبي نتيجة الترجمات الكثيفة القادمة من الغرب.

الصورة
1

تلعب الترجمة الدور الكبير في اكتشاف الآخر، لذلك كان هناك إقبال على ترجمة المعرفة والأدب الغربي، باعتباره يعبّر عن الثقافة السائدة والمهيمنة إلا من جهود قليلة، وقد أدت هذه الحركة؛ أي النقل من، وإلى ثقافة واحدة، إلى تعزيز فكرة المركزية الغربية، مع إغفال الثقافات الأخرى حتى المجاورة، مثل الحضارات الآسيوية كقارة ينتمي إليها العرب، فالمعروف أن هناك فكراً وأدباً راسخاً في دول مثل الهند والصين واليابان، غير أن الواقع ليس بهذا الاإظلام الدامس، فهناك محاولات لتنويع الترجمة بدأت تظهر مؤخراً، مثلما تفعل دور نشر، مثل مشروع كلمة في أبوظبي، ودار «كلمات» في الشارقة، والمركز القومي للترجمة في مصر، من التصدي لترجمة بعض الأدب الإفريقي، وخلال العقدين الأخيرين نشطت عملية الترجمة من العربية إلى التركية بشكل مباشر قليلاً، وقدمت بعض الروايات والمجموعات الشعرية لكتاب معاصرين، غير أن كل تلك الجهود هي في الأساس فردية، ولا تعبر عن اتجاه استراتيجي للمؤسسات العربية الثقافية.

  • انفتاح

والحقيقة أن واقع النقل في السابق، خاصة مع بدايات ازدهار الترجمة في ظل الدولة العباسية، لم يكن على هذا النحو المنغلق، فقد كان هناك انفتاح على ثقافات وحضارات متنوعة، فتمت ترجمة أمهات الكتاب والمؤلفات الشهيرة، مثل: «كليلة ودمنة»، على يد ابن المقفع، ثم تعزز هذا الحراك مع الخليفة هارون الرشيد، الذي أسس «خزانة الحكمة»، حيث ترجمت مؤلفات فكرية وفلسفية وفي مجال الطب، وتسارعت وتائر ذلك الأمر مع الخليفة المأمون، الذي أسس «دار الحكمة»، حيث غلب على فعل الترجمة النشاط الفكري والفلسفي، ما أدى إلى ازدهار العلوم المختلفة.

ولعل مسألة الانفكاك عن هيمنة المركزية الغربية، تحتاج بالفعل إلى أفكار في هذا المجال، وجهود تتجاوز البذل الذي يقدمه الأفراد، وهذا ما أكد عليه المترجم الدكتور غانم السامرائي، في سياق حديثه عن ضرورة إيجاد أفق للترجمة، حيث أشار إلى أن جميع الجهود في هذا الصدد لا تزال تراوح مكانها، فهناك حاجة إلى عمل مؤسساتي أكبر، إذ إن جميع الرؤى والجهود مبعثرة، وهي عبارة عن مبادرات من قبل المترجمين أنفسهم والأكاديميين ودور النشر، ولا يوجد تنسيق، ففي الأقطار العربية كل يشتغل على ذاته من دون تواصل مع الآخر.

ولفت السامرائي إلى محاضرة ألقاها في وقت مضى، وأحصى فيها عدد المرات الذي ذكر فيها الأدب العربي في عدد من الموسوعات الغربية، حيث كانت الحصيلة قليلة وفي صفحات محدودة؛ ذلك لأن الثقافة، والإنتاج الإبداعي العربي في الغرب هو من الآداب الهامشية، التي لا يتم الاهتمام بها كثيراً في الوقت الراهن.

وذكر السامرائي أن هنالك جهوداً يقوم بها مع آخرين، عبر دراسات الأدب المقارن، من أجل النظر والاطلاع على الآداب الأخرى في أمريكا اللاتينية، وآسيا، والقارة الإفريقية وغير ذلك، فلابد من لفت النظر إلى أن هناك ثقافات، أخرى غير الأوربية، ومن الضروري تسليط الضوء عليها والاهتمام بها من خلال ترجمة إنتاجها الأدبي والفكري.

  • فشل

وأكد السامرائي أن هناك فشلاً وقع فيه الجميع، في نقل الثقافة العربية إلى الآخر في كل مكان، والسبب هم العرب أنفسهم، نخبتهم ومؤسساتهم، لأنهم فشلوا في التعبير عن ذواتهم وحضارتهم، لافتاً إلى أن الكثير من الغربيين وغيرهم، عندما يتعمقون في الثقافة العربية، يصيبهم الندم لكونهم لم يلقوا لها بالاً في السابق، ذلك لأنها؛ أي الثقافة العربية، تتميز بالعمق، فهذا الاكتشاف يصل إليه الغربيون بصورة متأخرة وبالمصادفة، لأنهم في الأساس يعتمدون على فكرة المركزية التي تأصلت ورسخت لديهم ويهمشون بقية الآداب، بما في ذلك الأدب العربي، فالثقافة الأوروبية منكفئة ومتقوقعة حول ذاتها، ولا تريد أن ترى الآخرين، فهي مكتفية بنفسها كحالة متكاملة بحسب تفكير الغربيين فلابد من التالي من إحداث اختراقات كبرى في هذا المجال عبر جهود مؤسسية ترعاها الدول العربية بالتنسيق في ما بينها.

  • حراك

ولعل ما يميز حراك الترجمة في الإمارات، وجود العديد من الشخصيات في المشهد الأدبي التي توجهت نحو الانفتاح على ثقافات أخرى غير الغربية، وذلك ما يؤكد عليه المترجم والشاعر شهاب غانم، الذي أشار إلى أنه عمل على ترجمة شعر من بلاد الهند واليابان، وقصائد أخرى خارج أوروبا، إضافة إلى الترجمة من وإلى الأدب الإنجليزي، لافتاً إلى أن هناك مراعاة للتنوع في هذا الشأن بغرض الانفتاح على ثقافات أخرى للتعرف إليها.

ولفت غانم إلى أن هدفه من وراء مشروع الترجمة أيضا هو تعريف الأجانب بالشعر العربي، وقد اكتشف بالفعل أن هناك حباً كبيراً للقصيدة العربية من قبل العديد من الجنسيات، فمن المهم في هذه الحالة اختيار النماذج الجيدة، كما أن الكثير من الشعر الإماراتي يحمل قضية ورسالة، بالتالي يجد قبولاً عند الآخر. وذكر غانم أنه قد بدأ مشروعاً في ترجمة الشعر الإنجليزي في الصحف العربية كالخليج والمجلات، مثل «العربي»، و«الصدى»، وكانت له جهود في مجلة دبي الثقافية، وكان معظم ما نشره غانم ترجمات من الشعر العالمي من عشرات اللغات، حيث قام بترجمة ست مجموعات شعرية من لغة «المالايالم»، الهندية لشعراء وصلوا إلى العالمية، مثل كمالا ثريا، وساتشيداناندان.

ولفت غانم كذلك إلى اهتمامه بترجمة نماذج من الشعر الصيني والياباني، خصوصاً شعر الراحل الفيلسوف دايساكو إيكيدا، ومن شعر أمريكا اللاتينية وبعض النماذج الإفريقية، إلى جانب الشعر الأوروبي والإنجليزي والأمريكي، مؤكداً أن هناك بالفعل جهوداً من قبل الكثير من المترجمين والكتاب في البحث عن آداب ومعارف أخرى غير الغربية.

أما الكاتبة والمترجمة عائشة الكعبي، فقد كان لها موقف مختلف، حيث أشارت إلى أن الترجمة العربية قد تخلصت بحذر من حركة أسر المركزية الغربية على الأقل في نطاق المؤلفات الأدبية، إذ لا تزال الكتب المترجمة إلى العربية في المجالات الأخرى كالفلسفة مثلاً، تقتات على إرث الفلاسفة الأوروبيين المخضرمين، بخاصة أولئك المنحدرين من فرنسا وألمانيا.

وذكرت الكعبي، أن واقع الترجمة في ما يتعلق بالأدب مختلف، فهناك تنوع، على نحو وآخر، في هذا المجال، حيث أإن دور النشر قد استجابت لذوق القارئ، وأصبحت توفر أهم الإصدارات الأدبية العالمية التي لم تعد محصورة في الكتب الأوروبية، بل تستقي اختياراتها من روائع الأدب اللاتيني والأدب الآسيوي.

وأشارت الكعبي إلى أن الأدب الأوروبي الذي أصبح يترجم إلى العربية أيضاً طاله شيء من التجديد، فهو لم يعد محصوراً على بلدان بعينها، بل طال دولاً أخرى مثل البرتغال، والنرويج والسويد، وغيرها.

  • وضع طبيعي

الكاتبة والناشرة د. مريم الشناصي، المعروفة بترجماتها إلى اللغات الماليالامية، والهندية، والأردية، وصفت انتشار الترجمة عن الأدب الغربي بالوضع الطبيعي، لأن المحتوى هناك مميز في كل المجالات، ويلقى قبولاً كبيراً، ويوجد جهد مؤسسي في الغرب في الاستفادة من عصارة أفكار وتجارب الكتاب والمؤلفين الغربيين.

وذكرت الشناصي أن المحتوى في الثقافات الأخرى لا يقارن بالذي في الغرب سواء في الفكر والأدب أو غير ذلك، مؤكدة كذلك على أن الجهود في مجال الترجمة العربية عن اللغات الأخرى غير الغربية قليلة ومتواضعة.

وشددت الشناصي على أنه لا يوجد استثمار حقيقي في الترجمة، ولابد من جهود مؤسسية في هذا الصدد، وليس الاكتفاء فقط بوجود قسم للترجمة، أو مسابقة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/23kk4buf

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"