عادي

من الكاتب الحقيقي لمسرحيات شكسبير؟

19:52 مساء
قراءة 4 دقائق
مسرحيات شكسبير

القاهرة: «الخليج»

من كتب مسرحيات شكسبير؟ هذا أحد الأسئلة التي يجيب عنها الكاتب بول أرون في كتابه «ألغاز تاريخية محيرة» (ترجمة شيماء طه الريدي) وهو بحث مثير في أكثر الأحداث غموضاً على مر الزمن، حيث يشير الكاتب إلى أن مارك توين كتب سنة 1909 أن السير الذاتية لشكسبير كانت أشبه ب«الرونتوصور» الذي يقف في متحف التاريخ الطبيعي: «كانت لدينا تسعة عظام منه، وشيدنا بقيته من جبس باريس».

كانت تلك مبالغة من مارك توين كدأبه دائماً، ولكن كان لديه منطق وراء ذلك، فرغم ملايين الكلمات التي كتبت عن شكسبير فإن المعروف عنه ليس كثيراً، الأمور الوحيدة التي أمكن لكاتبي سيرته الجزم بها، يقيناً أنه عاش في بلدة «ستراتفورد أون إيفون» وأنه كان ابناً لصانع قفازات، وأنه صار ممثلاً للأدوار الصغيرة، وأنه قد استثمر بنجاح كبير في شركة تمثيل مسرحي عرفت باسم «كينجز من»، وهناك سجلات توثق تعميده وزواجه وقضاياه وضرائبه ووفاته، وهذا كل ما نعرفه.

*سجلات

يوضح الكاتب أنه لا يوجد في السجل الوثائقي ل«ستراتفورد» ما يعطي أية إشارة إلى أن شكسبير كان كاتباً، فضلاً عن كونه أعظم كتاب العالم، ولا توجد مخطوطات بخط يده، أو حتى خطابات، لا توجد توقيعات، فيما عدا ستة بخط مهتز غير واضح، ولا يوجد أي سجل يذكر التحاقه بمدرسة تعلم فيها اللاتينية واليونانية، أو أنه قد سافر للخارج، أو كان له أي علاقات وثيقة بأي شخص في بلاط الملكة، غير أن شكسبير اكتسب بطريقة أو بأخرى معرفة واسعة بإيطاليا والعائلة المالكة والفلسفة والأدب والتاريخ، والقانون والطب، كما يتبين من مسرحياته وقصائده.

كانت الصلة الوحيدة الواضحة بين الرجل القادم من «ستراتفورد» وبين الكاتب المسرحي هي الاسم: شكسبير، لكن حتى ذلك أثار الشكوك ففي وثائق «ستراتفورد»، يرسم الاسم إملائياً بطرق شتى، ويرى مارك توين أن التفسير واضح: فالكاتب المسرحي والشاعر لم يكن هو نفسه ابن صانع القفازات، ولم يستطع توين أن يجزم يقيناً بهوية من قام بكتابة المسرحيات تحديداً لكن ثمة آخرون استطاعوا، فعلى مدار السنين اقترحوا أعداداً كبيرة من المرشحين، من بينهم الملكة إليزابيث، والملك جيمس، ووالتر رالي، وكريستوفر مارلو، وشيخ عربي يعرف بالشيخ صبار، وفيما يبدو توصل إلى ذلك بناء على افتراض أن كلمة شيخ تنطق كالمقطع الأول من الاسم شكسبير.

ربما كانت هناك شائعات عن شكسبير في القرنين الأولين بعد وفاته، لكنها لم تخلق جلبة حقيقية حتى بدايات القرن التاسع عشر، فقد شهدت هذه الفترة قمة ازدهار الرومانسيين، الذين كانوا يعتبرون شكسبير تجسيداً للشعر، وكلما زاد إجلالهم لأعماله واجهوا صعوبة أكبر في المواءمة بين مسرحياته وقصائده وبين حياة مؤلفها البسيطة العادية في «ستراتفورد»، حتى الشكسبيريون المتحمسون من أمثال كولريدج أصابتهم الدهشة، من ذلك، إذ قال: «إن أعمالاً من هذه النوعية لابد أن تكون قد جاءت من رجل كانت حياته على نفس الشاكلة».

مع مضي القرن - كما يقول الكاتب – التف أنصار أن من كتب المسرحيات والقصائد ليس شكسبير، حول مرشح واحد هو فرانسيس بيكون، كان بيكون يملك كل المؤهلات التي افتقدها شكسبير، فقد كان فيلسوفاً وعالماً ومحامياً وسياسياً كثير التردد على بلاط كل من إليزابيث وجيمس، وقد وجد أكثر مؤيديه حماساً في سيدة أمريكية تدعى ديليا بيكون كانت مقتنعة بأن الأوراق التي تثبت حقوق رفيقها، في تأليف الأعمال مدفونة في حفرة عميقة أسفل شاهدة قبر شكسبير.

*نظرية

بحلول عام 1920 كان حماس أنصار النظرية البيكونية للرسائل السرية قد كلفهم الكثير من مصداقيتهم، حتى بين أولئك المشككين في أصالة تأليف شكسبير للأعمال، وقد رفض معظم باحثي شكسبير أنصار النظرية البيكونية باعتبارهم أشخاصاً غريبي الأطوار ومعتوهين، ولم يكلفوا أنفسهم عناء التعليق على أعمالهم، لكن مع انحسار الحقبة البيكونية ظهر مرشح جديد وأكثر مصداقية هو إدوارد دي فير، وهو ابن عم الملكة إليزابيث، وكان شاعراً وكاتباً مسرحياً ذا باع، وتم تصنيفه باعتباره «الأفضل على مستوى الكوميديا».

على عكس بيكون كان دي فير يملك أسباباً وجيهة لإخفاء حقيقة كونه المؤلف الحقيقي، لما كان المسرح يعتبر مكاناً سيئ السمعة في الدوائر التي كان يظهر فيها أثناء ترحاله، إلى جانب أن بعضاً ممن كانوا في بلاط إليزابيث ربما لم يرق لهم الأسلوب الذي صوروا به هم أو أجدادهم، لذا استخدم دي فير اسماً مستعاراً، لكنه لم يستطع مقاومة التلميح ببعض الإلماعات لهويته السرية.

بعد فترة صار الأكاديميون يأخذون بشكل متزايد على عاتقهم مهمة الرد على الرافضين لنسب أعمال شكسبير إليه، وكانت هذه الردود في حد ذاتها مفيدة ومثيرة للفكر، غير أن الغالبية العظمى من الباحثين يرون أن السجل التوثيقي برغم محدوديته واضح وكاف، وكما يمزح الشكسبيريون في الغالب، كان الرجل الذي كتب مسرحيات شكسبير هو شكسبير، وقد اتهم الأكاديميون بالتغطرس، لكن التغطرس الأقبح هو فقط من يمكن أن يصبح عبقرية أدبية، ولا ينبغي أن ننكر على شكسبير إنجازه، لمجرد أنه كان ابناً لصانع قفازات في بلد صغير.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/43v3sddd

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"