عادي
في شاعرية البصر

الحرف العربي.. العين تحب كل جميل

14:29 مساء
قراءة 3 دقائق
اللوحة
عدي الأعرجي
الشارقة: جاكاتي الشيخ

تميز بعض الفنانين المبدعين في الخط العربي حتى صار بإمكانهم توظيفه في جميع مناحي حياتنا المعاصرة، مثبتين بذلك قدرته على البقاء والتطور كملمح جمالي من ملامح الحضارة العربية الإسلامية العريقة، ومن هؤلاء الخطاط العراقي عدي الأعرجي الذي استلهم من هذا الفن تصاميم كل الشعارات التي ينجزها، سواء كانت باللغة العربية، أو بغيرها من لغات العالم.
أسهم إتقان الأعرجي لمختلف أنواع الخط العربي التقليدي في إثراء تجربته الإبداعية، فظهر من خلال أسلوبه الحداثي اتكاؤه على تلك الخلفية الأصيلة، حيث لا يزال يستخدم في أعماله أقلام الخط العربي التقليدية، في نفس الوقت الذي يستخدم فيه بعض الأقلام الحديثة، ما مكّنه من تقديم أعمال فنية مبهرة يمزج فيها بين أساليب التصاميم الإبداعية المختلفة، مستخدماً الألوان المتناغمة، والصور المبتكرة، ببساطة تجعل المشاهد أمام عالم فني متكامل، يمزج بين الأصالة والمعاصرة، وهو ما يظهر في هذه اللوحة التي نتناولها.
  • حس حداثي
خط الأعرجي في هذه اللوحة جملة من شعر ويليام شكسبير يقول فيها: «الحب ربيع دائم»، وكتبها بتركيب خط الثلث، ملتزماً ببعض أهم خصائصه، كما يظهر في كتابة النص الذي انساب تحت أنامله بمرونة ومطاوعة، لتبدو الحروف في هيئات إبداعية مختلفة، ما بين التقويس الطفيف والانبساط والاستلقاء والمدّ والتشابك والتداخل، وينال كل واحد منها حقه من الأبعاد اللازم لظهوره بشكل واضح، ويتم التراكب والتقاطع بين تلك الحروف والكلمات تحقيقاً لنسق البنية الخطية المتكاملة، إضافة إلى اعتماده على حسِّه الحداثي في التصميم، ما مكنه من تنفيذ تكوين محكم، حسب رؤيته الخاصة لشكل اللوحة، من دون أن يؤثر ذلك في أن يظل العمل بخط الثلث التقليدي المعهود.
وقد كان للنص الذي اختاره للوحة دور مهم في إلهامه لإخراجه بهذا الشكل الرائع، لأنه نص يتحدث عن الحب، ذلك الربيع الدائم، الذي تزدهر فيه القلوب، وتظل ورودها وزهورها متفتحة خلاله، وتسري السعادة بين ذويه كما لا يكون بين غيرهم، فتدوم بينهم الألفة ما دام، وتظل الحياة بالنسبة إليهم موطن بهجة لا يكدّر صفاءه حزن مهما وخز، فهو من أسمى القيم الإنسانية، بل لا تتحقق أي قيمة إلا إذا كانت مرتبطة به، وهذا ما دفع الخطاط إلى محاولة تجسيده في هذا العمل من خلال اختياره لأحد أبلغ النصوص وصفاً له.
  • إشباع
وبما أن النص يتحدث عن الحب، فقد عمل الأعرجي على تصميم تكوينه الخطي على شكل قلب مقلوب، رغم اختلافه قليلاً عن الشكل المعهود له لدينا، إلا أن من يبذل جهداً بصرياً قليلاً لاستجلاء جماليات العمل، سينفذ شكل ذلك القلب إلى وجدانه، الذي شكّله الخطاط بتنفيذ بارع، فكتب كلمة «الحب» في قاعدة النص، كأنها تحمله، مُقوِّسا ألفها بشكل طفيف رابطاً إياها بلامها التي بسطها بشكل عمودي مستقيم، ومُحدثا تقاطعاً وتركيباً بين حروف الكلمة كلها، ومبرزاً نقطة بائها، التي ميزها باللون الأحمر، ليوحي بكل تلك اللمسات إلى ما يمثله الحب من نقطة ازدهار للحياة، فهو مرتكز العلاقات الإنسانية، وهو ما تقوم عليه كل القيم النبيلة، ثم كتب فوقها كلمة «ربيع» التي قوّس ياءها نحو الأعلى، وفتح عينَ عينها، بدل كتابتها مغلقة حيث وضع داخلها نقطتي ياء الكلمة، لتبدو كعين كائن حي، كأنه يريد بحرف العين المكتوب وعضو العين المتخيّل إحداثَ جناس بصري، مقابل للجناس اللغوي المعروف في البلاغة، ليقول للمتلقي: بالحب نرى الحياة ربيعاً دائما، ثم كتب كلمة «دائم» في قمة الشكل، محدثاً الْتواءً وميلاناً في ألفها الممدودة شابكة الكلمة، وواصلاً دالها بلامها؛ فيما يشبه النتوء المدبّب لشكل القلب، كأنه بمقابلة «الحب» في القاعدة و«دائم» في القمة يرمز إلى دوام الألفة بين المحبين، وهو الدوام الذي تشكل كلمة «الربيع» المالئة لما بينهما جوهر حياته وزهرة سعادته.
إن ما يلفت الانتباه في هذا العمل المتقن هو تكامله في كل عناصره، الجمالية والفنية، إذ بدا عملاً خطياً ملتزماً بما تمليه طبيعة الخط العربي من قواعد تقليدية صارمة، وهي الصرامة التي لم تمنع الخطاط من أن يصبغه بلمسة حداثية، تؤكد قابلية هذا الخط لمواكبة التغيرات الفنية عبر الزمن، فبدا بتصميم شكلي مبتكر، ليمنحنا الخطاط بكل ذلك لوحة حب فنية تشبع نهم الأذواق الرفيعة.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/exu284mw

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"