خدعة التهديد ب “الإرهاب البيئي” لإنقاذ المناخ

04:19 صباحا
قراءة 6 دقائق

نشرت صحيفتا الجارديان والأوبزرفر أخيراً مقالين مستقلين بمثابة بيانات عن أدائهما في مجال البيئة، وأشار تقير الجارديان إلى أن طموحها أن تغدو صوت العالم الطليعي الحر وادعت أن لديها طموحات بيئية قوية وأنها ترغب في سبر غور موضوعات مثل التغير المناخي والتدهور البيئي، والتفاوت الاجتماعي بصورة اكثر عمقاً .

والغريب أن تقرير الجارديان تضمن انتقاد أحد أبرز محرريها - جورج مونبيوت - لادائها البيئي .

ففي السنة الماضية طلب مونبويت من محرريه في الجارديان أن يرفضوا إعلانات لمنتجات وخدمات تسبب الضرر للمناخ مثل إعلانات الطائرات والسيارات التي تستهلك البترول بشراهة، وذكر مونبويت أن قبول محرريه بمثل هذه الإعلانات يجعل عمليات تدمير الغلاف الحيوي للأرض مقبولة اجتماعياً ووصف مونبويت رد الفعل السلبي على اقتراحه بأنه غير ملائم .

وأشارت الجارديان إلى أن مهمتنا ليست التسلط على قرائنا، ولا أن نحذف بالنيابة عنهم، تغطيتنا التحريرية تطلعهم وتؤثر في اختياراتهم، فهل نستنتج مما سبق أن محرري الصحف كانوا يتسلطون على القراء عندما منعوا اعلانات السجائر؟

وركز محررو الجارديان بلا داع على أنهم اكتشفوا معارضة أكثر لإعلانات دور أزياء تشغل عمالة رخيصة، من إعلانات السيارات وخطوط الطيران الاقتصادية .

ولكن لماذا يتعين على القراء أن يتحمسوا بشدة للحاجة إلى منع إعلانات وسائل النقل التي تلوث البيئة بانبعاثاتها في الوقت الذي يكاد هذا الأمر لا يرد إطلاقاً في اجهزة الإعلام؟ الجمهور بحاجة إلى الاطلاع على نقاشات معمقة وجادة للقضايا قبل أن يتوصل إلى رأي فيها، وهذا أمر لم يسبق لوسيلة إعلامية مثل الجارديان أن تحاول توفيره والعمل عليه .

وعلق ألان روسبريدجر رئيس تحرير الجارديان والأوبزرفر قائلاً طالما أن الصحافة حرة ونسمح لجورج مونبويت بانتقادنا، ونشعر بحرية في انتقاد المعلنين - فإن هذا أكثر أهمية من الإعلان .

والمشكلة هي أن روسبريدجر يقصد تحديداً جورج مونبويت، فهو الصحافي الوحيد في الجارديان الذي ناقش الموضوع، وهو الشخص الوحيد الذي من الممكن أن يفعل ذلك في المستقبل أيضاً، وصوت وحيد مقدور عليه، وتكون الجارديان في مأزق حقيقي لو بدأ صحافيون عدة فيها بانتقاد المعلنين الكبار، الذين ربما يقررون التحول إلى منابر إعلامية تكون أكثر تأييداً لهم، وطبعاً سيشكل هذا التحول خطراً داهماً على الجارديان إذا علمنا أن إعلانات الشركات تشكل 75% من عائداتها .

حصد بشري أم فرقعة إعلامية؟

تشكل كل من الجارديان والأوبزرفر، وعلى الرغم من الكلام المنمق في مقالتيهما الأخيرتين جزءاً من منظومة عالم الأعمال والشركات المصمم على منع المجتمع والجمهور من التدخل في عملية تعظيم الأرباح إلى أقصى حد ممكن .

ولطخت الأوبزرفر أخيراً الناشطين والمدافعين عن البيئة بتسليطها الضوء على تحذيرات الشرطة من الخطر المتنامي للإرهاب البيئي والخطر المزعوم تقوده مجموعة تدعى الأرض أولاً!، وادعت الصحيفة ان هذه المجموعة لديها مناصرون يعتقدون أن تقليص عدد سكان الأرض بنسبة 80% من شأنه أن يساعد على حماية كوكبنا .

ألمحت الأوبزرفر فيما لا يقل عن ثلاث مرات إلى أن ناشطي الأرض أولاً لا يرغبون في أن يروا نقصاً وخفضاً هائلاً في عدد السكان فحسب، ولكن ربما يكون لديهم استعداد للعمل من أجل تحقيق هذا الهدف .

ويتكون انطباع زائف بناء على مجموعة تعتمد على محاولة تصفية مليارات البشر!

ومع ذلك، يركز المقال وبطريقة كوميدية على مخاوف الشرطة من أن متشددين بيئيين ينضوون في اطار مجموعة فردية مستقلة يمكن أن يحاولوا القيام بهجمات ارهابية تهدف إلى قتل أعداد ضخمة من البريطانيين .

ولو أن تنظيماً أو مجموعة تركز بأكملها على الدفاع عن القتل أو الابادة الجماعية بهذه الطريقة، فإن الاهتمام يجب ألا أن ينصب على جماعة مستقلة . ويجب أن تتوفر أي دلائل أو براهين مثل أسلحة، وخطط، أو حتى نشرات مرجعية تحريضية تبرر وتسوغ هذه الادعاءات المتطرفة . بيد أن أياً من هذه البراهين لم يتم تقديمها من جانب الأوبزرفر .

والأسوأ من ذلك ربط المقال ارهابيي البيئة ببعض أشد معسكرات مناصري البيئة عقلانية وسلماً في بريطانيا . وذكرت الأوبزرفر ان وحدة من الشرطة تعمل حالياً على مراقبة المدونات وحركة الانترنت المرتبطة بشبكة من معسكرات مناصري البيئة الانجليزية، وحركات الدفاع عن البيئة الرجعية الراديكالية تحت مظلة الأرض أولا التي ادعت مسؤوليتها عن سلسلة من النشاطات الاجرامية في الأشهر الأخيرة .

ويبدو أن ناشطي البيئة يجرون دراسة لأهداف محتملة، ويمكن أن يجروا دراسة حول خطوط طيران ويتتبعوا طائراتهم ليروا عدد الطائرات التي لا تلتزم أو لا تكون صديقة للبيئة .

وعلى هذا يخمن المقال أن الارهابيين الخضر أصدقاء البيئة يمكنهم استهداف خطوط طيران ومسافرين على متنها . وهذه مجرد فرضية محتملة، ولكنها تشكل أبرز حالات الهلع العام الجماهيري منذ أحداث 11 سبتمبر/ أيلول . وقد تصدى أربعة من الأكاديميين من جامعات أستون، كيل كنت، وساوثمبتون لهذه المزاعم في خطاب للأوبزرفر ذكروا فيه: لم يقم أشد نشطاء البيئة راديكالية في بريطانيا أو الولايات المتحدة بمهاجمة البشر . وأسفر البحث في نشاطات دفاع عن البيئة باسم الأرض أولاً على مدى ال 16 عاماً الأخيرة عن أن نشطاء البيئة ملتزمون بصورة هائلة بعدم العنف، ولا يستخدمون الارهاب أو العنف أو أي عمل مباشر سعياً لتقليص عدد سكان الأرض .

وماذا عن الادعاء بأن معسكرات مناصرة المناخ تقع تحت مظلة مجموعة الأرض أولاً؟

سألت كيفن سميث وهو عضو في معسكر مناصرة المناخ، ويشارك في نشاطات الدفاع عن المناخ والبيئة منذ عام 2000 عما إذا وصف معسكرات المناخ بأنها تقع تحت مظلة مجموعة الأرض أولاً صحيحاً: فرد علي: لا، ليس صحيحاً بالمرة . وليست هنالك ذرة من الصحة في هذا الادعاء . لا توجد مظلة لمعسكر المناخ . انه عمل مستقل وله علاقة بعدد من الأفراد الذين كانوا ناشطين في شبكات الأرض أولاً . ولكن ليس لأي منظمة أو جماعة أي نوع من التمثيل الرسمي أو العلاقة الوثيقة ضمن حركة معسكر المناخ .

وعلى نحو مماثل، فإن ما يدعى بشبكة معسكرات المناخ وهي جملة أو عنوان خرافي يبدو أن المقصود منها تشبيهها بخلايا تنظيم القاعدة .

ودائماً كانت هنالك ثلاثة معسكرات فقط للمناخ في انجلترا معسكر سنوي واحد في السنوات الثلاث الأخيرة، والأخير كان في أغسطس/ آب الماضي، واستمر لمدة اسبوع، ولم يحدث أن اتهم أو أدين أي معسكر مناخ بشبهة أو جنحة عنف .

ويعتبر هجوم ونقد الأوبزرفر على حركة سلمية، مناصرة للبيئة عملاً غير مسؤول بالمرة خصوصاً إذا أخذنا في اعتبارنا الكوارث التي تتربص بالبيئة والمناخ . وقد أضحت أزمة البيئة والمناخ حادة للغاية، لدرجة أن الجميع من آل غور إلى جيمس هانسن كبير العلماء في ناسا، يدعمون المجتمعات والمنظمات المدنية التي تقاوم التلوث البيئي والتغير المناخي .

في سعي جاد ومحاولة لتحقيق تقدم في هذا الأمر، وفي هذا الصدد يقول كيفن سميث: ان المتطرفين الحقيقيين هم الشركات أمثال إي أون، E .on وBAA شركة المطارات البريطانية العملاقة التي تعتمد على تحقيق أرباحها عبر زيادة انبعاثات الغازات السامة مثل CO2، وحرق مزيد من الفحم وبناء مدرجات أكثر للطائرات، والحكومة التي تمنحهم العطاءات .

وبعد كل ذلك، ما هو الهدف من مقال الأوبزرفر؟

في ردهم على الصحيفة ذكر الأكاديميون الأربعة: في نهاية التسعينات بدأ بعض الساسة ووسائل الاعلام الأمريكية في نعت نشطاء البيئة بالارهابيين، وكانت هذه بداية حملة منظمة ومخططة لخطط وسياسات القمع، وتنظيمات وقوانين جديدة للحد من انتقاص الحريات المدنية الأساسية .

هل هنالك عمل مماثل على وشك أن يحدث هنا في بريطانيا؟

إن دايركت أكشن الحركة السلمية المدافعة عن المناخ والبيئة هي طريقة فعالة للضغط من أجل التغيير السياسي . وتعمل الأوبزرفر على مقارنة وربط هذه الحركة بالارهاب وبالتالي تساعد الصحيفة على إحجام المجتمع عن تقديم الدعم للحركة التي هي في أشد الحاجة لهذا الدعم .

وبخبث تمهد الأوبزرفر لاحتمال أن تلجأ الأجهزة الأمنية لسحق هذا الشكل من المعارضة، وحينها سيكون المجتمع أقل استعداداً وقابلية لمعارضة أو مجابهة الأجهزة الأمنية لأنه سيكون عندها مقتنعاً بإيهامه الخاطئ بأن خطر حركة ارهابيي البيئة قد تم تجنبه .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"